يعرف عبد الله بن عبد العزيز أن دخوله على وليم جيفرسون كلينتون، أمس، أشبه بنجدة تصل إلى مطارَد مُستضعَف ومثخن بالجراح، في لحظة شديدة الحرج.
فالرئيس الأميركي المهزوز المكانة والمتحولة سيرته الشخصية إلى مضغة في الأفواه وإلى منبع لا ينضب لأفكار رسامي الكاريكاتور في العالم كله، والمهدد بالتوبيخ العلني والغرامة الثقيلة إذا ما تجاوز مخاطر العزل، لن يستطيع أن يحاضر على ولي العهد السعودي في مسؤولية البيت الأبيض عن حماية القيم في العالم الحر،
كذلك لن يستطيع »أمبراطور الكون« أن يتباهى على الأمير العربي بما أنجزته الولايات المتحدة من خلال رعايتها »للعملية السلمية في الشرق الأوسط«، ككل، و»للمفاوضات« المهينة بين الفلسطينيين وبين حكومة التطرف الإسرائيلي، على وجه الخصوص.
ولعل كلينتون سيتحفظ في حديثه عن تعنت نتنياهو وعن يأسه من احتمال التأثير عليه، كما تحفّظ في تحديد الأطراف المشاركين في »المؤامرة« التي استهدفته شخصياً، خوفاً من أن يتجدّد حريق واشنطن وتعلو ألسنة نيرانه فتهدم البيت الأبيض على قاطنيه.
إجمالاً سيكون اللقاء بين الرجلين حواراً بين رئيس بالغ الضعف، مهان وشرعية استمراره موضع مساءلة، وبين ولي للعهد في مملكة تحتفل بالذكرى المائة على تأسيسها والسادسة والستين لوحدتها، وهي قوية بثروتها وصاحبة دور عربي وإسلامي مؤثر، وصاحبة مكانة دولية محترمة، ثم أنها تكاد تكون بلا أعداء أو عداوات جلابة للخطر.
والأمير عبد الله، المعروف بصراحته بقدر ما هو معروف بمواقفه العربية المبدئية، وفلسطين على رأسها، سيؤكد في واشنطن ثوابته تجاه السياسة الأميركية وبينها: »اننا نريد صداقتهم ولكننا نرفض أن نُعامَل وكأننا أصدقاء ضعفاء، أو أتباع. إذا كانوا يريدون أصدقاء أقوياء فنحن نرحب، أما الأصدقاء الضعفاء فنعرف مصير شاه إيران وهذا يكفي«، كما قال قبل عام في حواره مع »السفير« في بيروت.
ويعرف الأمير عبد الله أن للأميركيين مصالح (عظمى) في بلاده وفي المنطقة، كما أن لهم مطالب ثقيلة الوطأة، بينها المقبول وبينها المرفوض، وهو بالتأكيد ليس مستعداً لمراعاة مصالحهم على حساب مصالح بلاده، أو لتلبية مطالبهم طلباً للرضا أو للنفع أو الحماية.
فالسعودية، في هذه اللحظة بالذات، تكاد تكون بلا أعداء، ولا خطر يتهددها من أي جهة كانت،
وإذا كان الأمير عبد الله صاحب دور مميز في »المصالحة« التي تمت بين السعودية وبين الجمهورية الإسلامية في إيران، فإنه أيضا صاحب دور في الاعلان عن السياسة المتوازنة بين »الأخوة الإيرانيين والأصدقاء الأميركيين«.
ويذكر الأميركيون بالتأكيد الدور السعودي المميز في إفشال مؤتمر الدوحة الشهير، كما يتذكرون الوجه الآخر لذلك الدور في مؤتمر القمة الإسلامية بطهران، وفي الدورين كان الأمير عبد الله قوي الحضور.
وفي توقيت الزيارة السعودية لواشنطن، فإن الأمير عبد الله يدخل على كلينتون وقد تخففت بلاده من أثقال المشكلة المتفجرة في أفغانستان، وبرّأت نفسها على وجه التحديد من تهمة العلاقة بالأردأ والأكثر تخلفاً وتعصباً بين الحركات الأصولية التي ترفع شعار الإسلام، »حركة طالبان«.
ومع أن سحب القائم بالأعمال السعودي من كابول رسالة إلى المسلمين عموماً، والى العرب خصوصاً، يخفف عنهم ثقل الشعور بخطر الفتنة الداهمة التي يجري العمل لتفجيرها بين السنة والشيعة، فإن توقيت هذا »القطع« مع »طالبان« يسحب من اليد الأميركية (والإسرائيلية) ورقة شديدة الخطورة، ويكشف دورها في الإعداد لمثل تلك الفتنة المدبرة.
بهذا المعنى يغدو الأمير عبد الله موفداً للعرب والمسلمين، وصاحب جهد في محاولة تصحيح العلاقة المختلة بينهم عموماً وبين »الصديق الأميركي«.
إن الأمير عبد الله هو الأكثر أهلية من بين المسؤولين العرب للحديث عن سوريا، وربما باسمها، وعن مصر وباسمها، وعن الخليج وباسمه، وحتى عن ليبيا وباسمها… بل انه الأكثر اتزاناً في الحديث عن العراق، برغم كل ما يثيره حديث النظام العراقي من تحفظات.
بعد هذا كله فإن لم تحقق زيارة عبد الله بن عبد العزيز ما هو مأمول من نجاح، فإن المسؤولية ستكون أميركية مائة في المائة، وإن بقي شبح إسرائيل نتنياهو ظاهراً في صورة المسؤولية عن عدم النجاح.
وهي فرصة أميركية بقدر ما هي فرصة عربية.
ولكن السؤال: هل يقدر كلينتون؟ وهل تريد واشنطن؟ وهل يسمح نتنياهو؟!
وهل يستطيع الأمير السعودي تخطي مجموع هذه الحواجز من أجل نجاح يحتاجه الطرفان، العربي والأميركي؟
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان