أجفل رئيس الحكومة اللبنانية حين سأله احد الصحافيين في القاهرة، أمس، عن »التزامن« بين زيارته الرسمية المقررة منذ زمن بعيد وبين وصول موفد إسرائيلي الى العاصمة المصرية في اليوم ذاته.
كان السؤال نافراً ومستفزاً.
لكن الواقع السياسي العربي البائس بات يسمح لإسرائيل بأن تشكل عائقاً جدياً بين العربي والعربي فتحاول فرض نفسها كطرف ثالث، او كشريك لا يمكن تجاوزه، او تعمل جاهدة لتعطيل التلاقي والتنسيق ومن ثم الطموح الى التكامل في سوق عربية مشتركة (مثلاً)، او تعزيز التضامن بلقاء على مستوى القمة، وهو أمر بات عزيز المنال.
وليست الممانعة المصرية لدخول إسرائيل طرفاً معطلاً للعمل العربي المشترك بحاجة الى توكيد، فالعمل لمحاصرة »الوجود« الإسرائيلي في مصر، وتعزيز المقاومة الشعبية للتطبيع، لم يتوقف لحظة واحدة، بل لعله يتأكد أكثر فأكثر كنهج تعتمده القاهرة عملياً وان فضلت عدم التباهي بالحديث العلني عنه.
وليس سراً ان القاهرة لا تفتأ تجدد السعي لجمع العرب في قمة، في طليعة اهدافها تحصين ما تبقى من الموقف الفلسطيني حتى لا يأخذه التهالك الى توقيع اتفاق اذعان جديد يذهب بالمزيد من الحق التاريخي، عدا عن موجبات اتفاق اوسلو الشهير الذي الغته إسرائيل عملياً وها هو الموفد الأميركي دنيس روس يأتي لتشييعه رسمياً.. ونهائياً!!
ولقد جهر وزير الخارجية المصرية بالحقيقة الكاملة حين اعلن ان عدم الوصول الى اتفاق فلسطيني إسرائيلي جديد هو أفضل من أي اتفاق يمكن ان يوقع الفلسطيني عليه، وخصوصا ان ما يطلق عليه »الضمانات الأميركية« ليس أكثر من وهم..
بالمقابل، فقد استخدم رئيس حكومة تركيا طرفين عربيين لتمويه حقيقة التحالف التركي الإسرائيلي الجديد تحت المظلة الأميركية، والذي لا يمكن لأي عاقل ان ينظر اليه إلا على انه بمثابة اعلان حرب على سوريا ومعها لبنان والعراق ومن خلفه الجزيرة والخليج.
انه حصار بالنار، براً وبحراً وجواً..
وهو يتجاوز التهديد اللفظي الى الممارسة العملية، عبر المناورات البحرية التي امتدت، مع بداية العام، لتغطي السواحل السورية واللبنانية والفلسطينية وصولاً الى شواطئ مصر ذاتها، ثم عبر المناورات الجوية، او عبر السماح للطيران الإسرائيلي بأن يتدرب في الاجواء التركية، أي فوق الشمال السوري كله، بحيث يكمل حلقة الحصار ويغلقها عبر الاجواء اللبنانية المفتوحة بقوة القهر، والاجواء الأردنية المفتوحة بالتواطؤ العلني..
انه حصار بالنار لقرار الصمود العربي،
وحصار بالنار لاحتمالات التلاقي العربي لمواجهة الخطر المشترك.
انه »نظام عقوبات« إضافي موجه هذه المرة وبالتحديد الى سوريا ومعها لبنان، والى السعودية ومعها امارات الخليج، لعزل بعضها عن بعض، تمهيداً لاستفراد كل منها واخضاعه لوحده، وبالاتكاء على تواطؤ اشقائه الاقربين!
وإذا كان مشروع التحالف التركي الإسرائيلي قديماً، فان الاعلان عنه بغير تغطية عربية، ولو شكلية، كان سيكشف حقيقته »الحربية«، كما سيحدد بغير تمويه الاهداف العربية الموجه اليها بالعداء.
لكن رئيس الحكومة التركية اطلق تهديداته، في محطته الاصلية تل ابيب، والتي سبقها استقبال رسمي مع النشيد وحرس الشرف في عمان الملكية، ثم لحق بها استقبال رسمي آخر مع النشيد وحرس الشرف في »المحمية« الفلسطينية.
وإذا كان بعض المسؤولين الأردنيين قد حاولوا التخفيف من الطبيعة العدوانية لهذا الحلف الجديد القديم، والتهوين من شأن المشاركة الأردنية »الرمزية« فيه (وليس مطلوباً منها الا رمزيتها)، فان المسؤول الفلسطيني قد تجاهل الأمر تماماً، ولعله طالب بمقعده في هذا الحلف توكيداً لقراره المستقل وتعجيلاً بولادة »دولته المسخ« كما يسميها تحبباً ومن باب »التغنيج«.
ودور مصر كان اساسيا ويبقى في العمل لمنع الانهيار.
كذلك فان مصر تستطيع منع توجيه الطعنات من الخلف، وبأيد عربية، الى الصمود السوري اللبناني.
والقاهرة تدرك، كما عبرت رسمياً أمس، ان الحلف الجديد القديم موجه ضدها بقدر ما هو ضد دمشق ومنها بيروت وبغداد ومن خلفها الرياض وسائر اقطار الخليج.
وتستطيع القاهرة ان تلجم اندفاعة العرش الأردني وتمنع استخدامه كغطاء عربي لهذا الحصار بالنار الإسرائيلية معززة بالاحقاد التركية.
في زمن التراجع العربي، ها هو العدد يتقدم.
ولقاء القاهرة دمشق الرياض، ومنها بيروت وسائر العواصم المحاصرة، قد يكون ضروريا لوقف تقدم العدو.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان