مفارقة أولى:
لكأنها دائماً »الحكومة الأولى«، معها تكون البداية المتعبة والمنهكة والمحيرة في ما تفرضه من أولويات على جدول الأعمال: هل الاصلاح الاداري قبل، أم الاصلاح السياسي الذي يحرر الادارة قبل؟! وهل التخطيط قبل أم توفير المال اللازم قبل، وهل القضاء بحريته أم بالتزامه بنهج الحكم؟!
النواب يخاطبون الحكومة وكأنها »الأولى« أو »المستجدة« والتي لا تعرف ما فيه الكفاية عن البلاد والعباد.
والحكومة تخاطبهم وكأنها العارفة بالاسرار التي تتجاوز مداركهم والذين لن يصلوا الى مكامنهم العميقة الا بالارتقاء الى مقاعد الوزراء!
.. ومفارقة أخرى تستوقف أي مراقب فكيف بالمعني:
يدور الجدل عنيفاً، صريحاً، صاخباً وعلنياً على الشاشات والفضائيات والصحف وفي قلب المجلس النيابي حول المسائل البالغة الحساسية والدقة، بل وربما الخطورة، مثل الوجود السوري.
وهذا أمر جيد، وحق من حقوق الناس في حرية الرأي وحرية التعبير وحرية الاعلان عن قناعاتهم السياسية.
لم يحصل أن اعتبره أحد خطراً على النظام وعلى الدولة، وان كان ثمة من تخوف من »تمويهه« بالمنطق الطائفي بحيث يتبدى إثارة لموضوع انقسامي يُخشى منه على »الوحدة الوطنية«.
مفارقة ثالثة:
هناك من تجرأ فصوّر الانسحاب الاسرائيلي من الأرض اللبنانية المحتلة وكأنه »نصر سياسي« لاسرائيل على لبنان المقاوم، وأنكر القيمة السياسية العظمى للصمود وللمقاومة ودماء شهدائها البواسل في تحقيق هذا النصر الوطني والقومي المجيد.
ولقد تولت اسرائيل تسفيه أصحاب المنطق الهش وفضح غبائهم السياسي وضعف شعورهم الوطني وسوء استعمالهم للحرية!
مفارقة رابعة:
هناك من »تبنى« العملاء الذين تعاونوا مع العدو الاسرائيلي؛ دافع عنهم وطالب لهم »بحقوق« لم ينلها ضحاياهم من أبناء وطنهم فضلاً عن المجاهدين في المقاومة..
كل هذه »المفارقات« في المواقف لم تؤثر على السلامة الوطنية، ولم تهدد وحدة الأرض والشعب، وان كانت الأكثرية من اللبنانيين لم تكن تقول بها أو تسلم بصوابها أو في بعض الأحيان بسلامة قصدها.. وكان يغلب عليها الألم من سيادة هذا »الحول« السياسي في أوساط معينة، بعضها مضلَّل وبعضها الآخر مضلِّل وعن سابق قصد وتصميم.
لكنها طالما اندرجت تحت حرية الرأي والموقف السياسي فلا خطر منها ولا ضير في اعلانها، فالسياسة مصالح أيضاً واجتهادات ومواقف متباينة بشرط ألا تدخلها أو تحركها الطائفية، أمّ الشرور جميعاً، لأنها عندئذ تفتح الباب أمام العدو وأمام الأجنبي على حساب الوطن وقضاياه وحقوق أبنائه فيه.
ولا رحمة أو تسامح في العلاقة مع العدو، تحت أية ذريعة.
أين الخطر إذاً من تجمع بعض الشباب، أو مناصري بعض التيارات السياسية التى لا ترى رأي السلطة، بل هي تعارضها جهاراً نهاراً؟!
ولماذا يتصرف بعض »السلطة« وكأن أي تحرك معارض أو اعتراضي يهدد النظام والوطن؟!
ان تصرفات ضيقة الافق والصدر، مثل هذه، »تفبرك« قضية لمن لا قضية لهم، وتخلق جواً من التوتر غير المبرر، وتستولد »شهداء كذبة« على مذبح الحرية، بينما لو أُطلق لهم العنان لصاروا لوناً من ألوان الطيف السياسي في هذا البلد المثقل بهمومه الفعلية، والذي يحتاج الى تدخل العناية الالهية شخصياً لإنقاذه من أزماته الاقتصادية الخانقة التي تعكس نفسها على مختلف وجوه الحياة، سياسياً واجتماعياً وثقافياً الخ..
فلنلتفت الى أساس المشكلة لا الى تفاصيلها!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
What's Hot
المقالات ذات الصلة
© 2025 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان