تنكر بيروت وتنكرك في ايام الـ”كورونا”..
الشوارع فارغة، الا من سيارات قليلة تمرق بسرعة، بل هاربة.
ساحة الشهداء فارغة (طبعاً) من آلاف المتظاهرين، شباباً وصبايا يمثلون الامل بمستقبل أفضل.
وحدها رفوف الحمام تتمشى مطمئنة في “ساحة الثورة”، لا سيارات تجبرها على التحليق عاليا، ولا مشاة يتزاحمون على العبور إلى حيث يقصدون، من غير أن يتذكرهم بحبيبات قد لا تشبع ولكنها تتضمن تحية الصباح والاعتراف بهذه الطيور الوديعة التي لا تزعج احداً.
كل ما تبقى من الثورة مجسم مستطيل يحمل اسم شهيدها الاول..
وفي القلب منها التمثال الذي يعني التقدير والاحترام لمن ضحى بنفسه من اجل استقلال وطنه.
تستوقفك اسماء الشوارع: سبيرز، اللنبي، فوش..
افترض أن بيروت هي العاصمة الوحيدة في العالم التي تحمل شوارعها أسماء محتليها ومعها بعض البلاد العربية المجاورة، من ابطال حروب على ارضها، لاستعمارها بذريعة تحريرها من المستعمر السابق، العثماني.
تكمل سيرك نحو باب ادريس، يطالعك سور مستحدث من العشب المصفح بالحديد، والذي نصب ـ مؤخراً ـ لحماية المجلس النيابي الفارغ من الثرثرة واصحابها، ربما من الشمس، وربما من غزو النجوم او القمر.. بهدف تعلم اصول الديمقراطية.
تنزل إلى كورنيش المنارة المفرغ بالقوة من المتنزهين او قاصديه للتريض، رجالاً ونساء، عواجيز وكهول وصبايا الورد تتخاطفهن عيون الفتية… الذين ينتظرون أن يرموا بنظرة يليها كلام فموعد، فلقاء..
البحر وحده تتحرك امواجه متراخية، كأنما تفتقد الصيادين بالصنارة ومعظمهم متقدم في السن، تعرفه الاسماك فلا تهرب منه بل تداعبه وتلاعبه وربما قدمت له بعضها تقديراً لوفائه وقناعته.
تقصد طريق المطار حيث لا أحد، ويمنعك الشرطي من اكمال الرحلة، فتؤكد له أنك لست المسافر ولا المودع ولا المستقبل. ولكنك مجرد متنزه فيزجرك بنظرة حاسدة.. وتعود الى المدينة المفرغة من اهلها، والمحلات مقفلة، بما فيها المطاعم ودور السينما واللهو والمقاهي التي كانت تغص بهواة قتل الوقت بالثرثرة.
عد إلى بيتك مثل الشاطر.. انه زمن الكورونا، فاحفظ نفسك!