لم يعد معروفù من هو بالضبط »المريض« ومن هو »الطبيب المداويا« في مستشفى »بلير هاوس« الفخم في واشنطن.
الكل الآن في غرفة العناية الفائقة، أو المركزة أو المكثفة: من رئيس الولايات المتحدة الأميركية، القطب الكوني الأوحد، إلى نبيل شعث مندوب رئيس سلطة الشرطة في غزة بني هاشم.
كلٌ خائف على نفسه، وكلٌ خائف على الآخر حرصù على نفسه، والجميع خائفون من أن »يتلاشى« سلامهم بينما هم يتجادلون في تشخيص أمراضه العديدة وتوصيف العلاج.
كان الوعد بسلام أميركي تقبله إسرائيل (تجنبù للقول بفرضه عليها)، ومن أجل هذه المهمة الدقيقة اصطنع انقلاب أميركي داخل مؤسسة الحكم الإسرائيلية،
أما اليوم فالسلام إسرائيلي مفروض على الأميركيين، بعد العرب وبتواقيعهم طبعù، بعدما نجحت مؤسسة الحكم الإسرائيلية في أن تحدث انقلابù داخل الادارة الأميركية، وأن تعطل الدور الأميركي في المبادرة والرعاية ثم في ضمان »اتفاق السلام العادل والشامل« والذي لم يرَ النور أبدù.
ومع أن كل الوقائع والدلائل والمؤشرات تؤكد أن لا أمل لهذا السلام المبتور في الحياة، فإن إسرائيل تهدّد المجتمعين اليوم برعاية الرئيس الأميركي بيل كلينتون وفي ضيافته بأنه إن مات ماتوا جميعù، وإن عاش عاشوا،
فالسلام الإسرائيلي مخلوق أشوه استولد قسرù وقبل اكتمال نموه، وسيظل مفروضù على هذا »الجنين« البلا رأس والبلا قلب والبلا ملامح والبلا جسد أن يبقى في دفيئة خاصة داخل غرفة العناية الفائقة، وكلما تسلّلت إليه نسمة هواء أو دهمه خيط ضوء سقط في غيبوبة الموت واحتاج الى معجزة جديدة لحفظ حركة الشهيق والزفير في صدره المسحوق بالسرطان، مع أنه في حكم الميت بالمعنى العلمي للكلمة.
ولقاء »حلف السلام« أمس في واشنطن مرشح لأن يكون آخر المعجزات!
فماذا أكثر من أن تضحي القيادة الأميركية العليا، بالرئيس ونائبه ووزيره الأول، كريستوفر، وفريقه المتميّز في الخارجية، بيوم عطلتها الأسبوعية، وتحتشد جميعù من حول سرير »السلام« وهو في النزع الأخير، تحاول وتحاول وتعيد تكرار المحاولة اليائسة لاقناعه أولاً (السلام)، ثم لاقناع العالم بأنه حي ثم بأنه مخلوق سوي مؤهَّل للحياة؟!
وأن يصل الأمر ببيل كلينتون إلى الاستشهاد ببعض الكلمات الخالدة لياسر عرفات، ومنها أنه »لا يجب أن نقتل الحلم الفلسطيني بالسلام«، لدليل لا يدحض على بؤس الادارة الأميركية، وعلى عجزها عن أداء المهمة الإسرائيلية الجديدة المفروضة عليها.
»إن عملية السلام تمر بفترة صعبة، يقول كلينتون، ولا نستطيع أن نتركها تتوقف أو تنزلق«… ولكن ماذا لدى الرئيس الأميركي من »عجائب« الإنقاذ التي يمكن أن يستخدمها بعد، خصوصù وأنه قد فقد وهجه، ودخل هو شخصيù (وعهده) في مرحلة حرجة بات يحتاج معها إلى من ينقذه شخصيù؟!
وأن يكون الرئيس الأميركي بحاجة إلى مساعدة رئيس سلطة الشرطة في غزة فليس هذا دليلاً على قوة عرفات بل إنه دليل قاطع على أن كلينتون في أبأس وضع مرَّ به أو عاشه أي رئيس أميركي، ربما منذ قيام الولايات المتحدة؟!
حتى الذين لم يشتهر عنهم الإقدام، كالسعودية ، تجرأوا فاعتذروا عن عدم تلبية دعوة »السيد« الأميركي للمشاركة، ولو كمراقب في لقاء الخائفين من هذا السلام الأشوه أكثر من خوفهم عليه.
في أي حال، فلعلّ كلينتون قد حدَّد العلة، من غير أن يقصد، كما وصف العلاج الشافي حين تحدث عن »الغائبين« اللذين تمنى لو أنهما كانا معهم في بلير هاوس: أي سوريا ولبنان.
فالسلام الناقص ليس سلامù، بل هو مشروع حرب جديدة، قد تتخذ صيغة الاقتتال الأهلي داخل أطرافها العربية، لكنها ستكون توكيدù حاسمù وبالدم على أن الصراع العربي الإسرائيلي لم ينتهِ ولن ينتهي بأنماط »سلام« عرفات وحسين.
أي »سلام« هو هذا الذي يفجّر الفلسطيني نفسه فيه حتى لا يحكم عليه أن »يموت« في ظله!!
وكيف يمكن أن يكون مثل هذا »السلام« مغريù ومستقطبù للآخرين؟!
وإذا كان في اقتتال العرب مصلحة لإسرائيل، أو لبعض الحاكمين فيها، فما هي مصلحة الولايات المتحدة في أن ترعى جثة اتفاق تحتاج إلى مَن يدفنها، ومعها أولئك الذين وقّعوا طلبù للرضا الأميركي والرعاية الأميركية؟!
إن أخطر ما في هذا الكرنفال الذي أقامه الرئيس الأميركي أمس أنه يعفي إسرائيل من مسؤوليتها عن قتل السلام الأميركي، ويحملها لواشنطن مباشرة، فيؤذيها في سمعتها كما في مصالحها، في الحال كما في الاستقبال، ولا سيما في مقبل الأيام.
لقد رمت إسرائيل الولايات المتحدة بدائها وانسلت،
وسلام على السلام الذي ولد إسرائيليù ومات أميركيù وسيدفن ملفعù بعباءة عربية!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
What's Hot
المقالات ذات الصلة
© 2025 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان