تُفسر الهجمة المحمومة على خطاب السيد حسن نصر الله، على مدار الساعة، أمس، دواعي ذلك الخطاب ذي النبرة العالية، بأوضح مما شرحه وأفاض في تبيانه الأمين العام ل حزب الله ذاته.
لقد جاء الخطاب في لحظة مفصلية لينبّه إلى أن الأمر أخطر من أن يمكن ابتساره في اختيار رئيس جديد للجمهورية، وأنه يتصل بعهد جديد يريده البعض نقيضاً لما كان عليه نهج الرئيس المنتهية ولايته في مسائل محددة بالذات تشكّل جوهر السياسة في هذه اللحظة الفاصلة، أخطرها قضية المقاومة، وجوداً ونهجاً ودوراً في صلب توجهات الحكم الجديد.
فلا يجوز أن يغيب عن ذاكرة اللبنانيين، نتيجة غرقهم بل إغراقهم بالتفاصيل المملة حول شخص الرئيس الجديد، ومواهبه وكفاءاته، إن الخلافات الحادة التي عصفت بطبقتهم السياسية وجعلتها معسكرين متواجهين يمكن تصفيتها أو طيها بمجرد التوافق على واحد من المرشحين الكثر الذين قد يصعب التمييز بينهم في مدى قبولهم شعبياً، ولكن من السهل جداً الفرز بينهم على أساس مواقفهم عبر تاريخهم السياسي.
لقد شرخ انقسام خطير الطبقة السياسية في لبنان بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في تموز من العام الماضي. وهي حرب لم يعد أحد يناقش اليوم في حقيقة أنها قد تمّت بقرار أميركي معلن، كما تم توسيع جبهتها وتعزيز قوة نيران القتل والتهديم فيها بقرار أميركي سرعان ما التحق به فغطاه تأييد عربي بدأ خجولاً ثم أفصح عن موقفه بلا خوف.
وربما غاب عن ذاكرة اللبنانيين أن بعض هذه الطبقة السياسية كان قد تورّط فأعلن بداية معارضته العنيفة للقرار ,1559 من داخل موقعه كحليف استراتيجي للمقاومة في لبنان، في ضوء يقينه بأن هذا القرار الدولي قد وضعته الإدارة الأميركية بالاشتراك مع الرئاسة الفرنسية السابقة (جاك شيراك) وبهدف تحريم المقاومة عبر التهديد بإعلانها خارجة على القانون الدولي وبالتالي فهي الإرهاب بعينه!
ثم إن هذا البعض من الطبقة السياسية قد بدّل موقفه جذرياً، وانتقل إلى النقيض تماماً، وصار همّه الأساسي محاربة هذه المقاومة وشطبها كقوة تأثير في القرار الوطني، برغم أن حزبها هو أقوى وأكبر حزب سياسي عربي، وبرغم التزامها بمنطق النظام الديموقراطي والانخراط في اللعبة السياسية عبر مشاركتها في الانتخابات التي أمّنت لأصحاب الأكثرية أكثريتهم التي سرعان ما استخدموها ضدها..
وبالتالي، فطالما أن الأمر يتصل بعهد جديد فمن حق هذه المقاومة كقوة سياسية أن تناقش وأن تبدي رأيها وأن تضمن صياغة هذا العهد الجديد على قواعد وطنية صلبة، وليس عبر المفاضلة بين أشخاص: من حقها أن تطمئن إلى ضمانات تتجاوز سلاحها إلى دور لبنان وموقعه ممّا يدبّر له ولمنطقته.. وأن يتم تثبيتها في نهج الحكم المقبل، رئيساً وحكومة وبياناً وزارياً وفي إعادة بناء المؤسسات بما يمسح آثار المرحلة الماضية التي عوملت فيها وكأنها قوة تخريب وافدة أو جالية أجنبية أو قوة مغامرة في أحسن الحالات.. في حين أن من مارسوا السلطة منفردين، في الفترة الماضية، لم يتورعوا عن الإعلان باسم بعض قيادييهم أنهم في قلب المشروع الأميركي وأنهم ملتزمون به.
لم يخرج السيد حسن نصر الله على الوفاق ومبادئه، وعلى رئيس ينتخب كتجسيد لهذا التوافق الوطني، وبالإجماع إذا أمكن وبالأكثرية الدستورية في كل الحالات.
ولكن من حقه أن يطالب بأن يشمل التوافق الحكم كله، رئيساً وحكومة وبياناً ونهجاً، وإلا كان الاتفاق على شخص مجرد ملهاة لسوف تنقلب إلى مأساة وطنية بعد فترة وجيزة، وعند أول امتحان جدي للعهد الجديد.
والوفاق القابل للحياة أقرب إلى ما يطلبه السيد حسن نصر الله من الوفاقات التي تكتب بلغات أجنبية كثيرة، ثم يختار من أشخاص المرشحين من يملأ الفراغات في السياسات المطلوب اعتمادها… وتكون النتيجة أن يستفيق اللبنانيون، وإذا هم في قلب الكارثة!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان