سقط الرهان الساذج الذي يتمسّك الاستقلاليون به على أن لبنان هو مركز الكون، ولم تشغل المسألة اللبنانية القمة الأميركية الفرنسية، وبالكاد استذكرها الرئيس الأميركي جورج بوش وهو يؤكد تفويض صديقه نيكولا ساركوزي بمواصلة الحوار مع سوريا، ولو عبر رسائل واضحة إليها …
الأنكى من هذا أن الثنائي الكوني قد رد الكرة إلى الثنائي المحلي نبيه بري سعد الحريري وقد شفع الرد بتحياته وتمنياته في أن ينجح اللبنانيون في مواجهة مسؤولياتهم في استنقاذ وطنهم الصغير..
ومن خارج هذه القمة وبعيداً عنها فقد صدر في موسكو بيان لافت يشير إلى أن اللحظة الحالية هي لحظة مصيرية بالنسبة للبنان مؤكداً المخاوف الجدية من تعميق الانقسام داخل المجتمع وقيام سلطتين مما سيؤدي إلى الفوضى والنزاع الأهلي الداخلي .
ومع أن البيان الروسي قد خلص إلى التأكيد على أن اللبنانيين قادرون على الوصول إلى التفاهم والوفاق الوطني عبر حل تسووي بالحوار، وبحيث لا يكون هناك غالب ومغلوب فقد شدد على ضرورة إتمام الاستحقاق الرئاسي بما يتناسب وبشكل صارم مع الدستور والقوانين ومن دون أي تدخل خارجي ..
ليس من ترابط واضح بين ما صدر عن القمة الأميركية الفرنسية وبيان الخارجية الروسية، إلا في ما يتصل بالحرص على لبنان وسلمه الأهلي حيث بدت موسكو أكثر اهتماماً وأكثر قلقاً من واشنطن وباريس مجتمعتين..
بالمقابل فإن مندوب الجامعة العربية الذي يكاد يدوخ وهو يدور بين القيادات اللبنانية السامية، فإنه يستغرب استقالة هؤلاء من مسؤولياتهم وتوقع أن يجيئهم الحل معلباً وجاهزاً للاستخدام من الخارج ..
لقد ارتد الأمر على اللبنانيين: فإذا كان صاحب الشأن ممتنعاً ومستنكفاً عن ممارسة واجبه الوطني فلن يتبرع أحد لأخذ مكانه وتحمّل المسؤولية بدلاً منه، وإن كان الجميع سيتوجهون إليه غداً حين يغرق في عجزه الدموي بالمحاسبة على النتائج: لو أنك تنازلت قليلاً!. لو أنك انتبهت إلى المخاطر فجنّبت بلادك التهلكة! لو أنك عدت إلى ضميرك!. لو أنك لم تتشدّد في شروطك لكان بالإمكان مساعدتك… أما وأنك اخترت هذا الطريق فتحمّل وحدك النتائج المدمرة!. ولن يحزن لمصيرك الأسود أحد!
ها قد استهلك اللبنانيون المرجعيات كلها: المحلية منها، سياسية مدنية، ودينية كهنوتية، والعربية والدولية: من رئيس المجلس النيابي إلى البطريرك الماروني، ومن جامعة الدول العربية إلى دول القرار ضمنها وبالتحديد مصر والسعودية، فإلى أوروبا منفردة ومجتمعة، فرنسا بحماسة وزير ارتجالها الخارجي برنار كوشنير، ثم فرنسا وإيطاليا وإسبانيا، ومن خلفها الفاتيكان، تعبيراً عن الاهتمام الفائق بالموقع المسيحي الأول في النظام السياسي اللبناني، كعنصر توازن وطني وليس كامتياز طائفي..
لم تتبق دولة في الشرق والغرب إلا وأوفدت من يسأل ويستفسر وينصح ويُظهر الاهتمام والحرص، ثم القلق… ومن عز عليها إيفاد وزراء حرّكت سفراءها في حركة نشطة كانت تسبب ازدحام السير في شوارع بيروت ومنها وإليها، بقصد تنبيه اللبنانيين إلى خطورة اندفاعهم نحو جنون الانتحار!
لكن اللبنانيين لم يتوقفوا لحظة ليفكروا جدياً بما يسمعونه من تحذيرات وتنبيهات فضلاً عن النصائح… بل واصلوا لعبة الروليت الروسية التي يمارسونها باستمتاع عبثي!
ها هم اللبنانيون أمام الجدار مرة أخرى: لا حل سيأتيهم معلباً. لا أحد سيحارب من أجلهم. لا أحد سيقتص لهم ممن يعتبرونهم خصومهم . لا أحد سيحمي لهم دستورهم وبالتالي دولتهم. لا أحد سيكون أحرص منهم على وحدتهم الوطنية وسلامهم الأهلي.
مع ذلك فلا شيء يوحي باحتمال جدي لوقف هذه اللعبة الجهنمية!
تذهب أصوات العقل هباء. تذهب النصائح والصلوات هباء.
تسقط مواعيد الاستحقاق مقتولة بالمكابرة والمعاندة والنكاية.
هل هو الجنون الجماعي؟! هل هي لوثة الدم بين أشقاء بالدم؟!
وهل السلطة أغلى من الدولة، بشعبها وحقه المشروع في حياة طبيعية؟
.. ولكن التوافق هو المدخل إلى السلطة، فمن دون التوافق تذهب الدولة، ومن يرغب في سلطة في البلد الخراب؟!
إنها الأيام الأخيرة في السباق بين لوثة الانتحار وبين الانتباه إلى خطورة المأزق والالتفات إلى توفير مخرج يحفظ البلاد ودولتها وأهلها، أو يذهب بهذا كله من أجل سلطة لا سلطة لها على بلاد لم تعد موجودة..
مع ذلك تبقى فسحة من الأمل… فلنأمل بانتباه في اللحظة الأخيرة!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان