تتصرف معظم القيادات السياسية وكأن الحرب الإسرائيلية على لبنان، قد تحولت إلى استثمار مجز، بنتائجها التي تختلف حسب موقفهم منها وخلالها، من يراها مضيئة كانتصار مجيد ولو بكلفة باهظة، ومن يرصد خسائرها في الإنسان والعمران ويتجاهل أو يتغافل عن مردودها الإيجابي على سمعة لبنان ورصيده العربي والإسلامي ومن ثم الدولي.
ومع اختلاف التقييم، فإن القيادات السياسية بمجملها قد عادت إلى ممارسة لعبتها المفضلة، مزايدة ومناقصة، إثارة وتهييجاً، مهادنة ومساومة وإظهاراً للبراعة في دفع البلاد إلى حافة الانفجار ثم المبادرة إلى إنقاذها لتكون لواحدهم أو لبعضهم صورة بطل حماية الكيان، أو بطل طائفته في حماية موقعها الممتاز في النظام، سواء بنسخته الحالية التي باتت عتيقة ، أو بنسخته الجديدة قيد الطبع!
ومن أسف أن هذه القيادات، وبمعظمها حتى لا نظلم البعض بالتعميم، تفترض أن لبنان هو مركز الكون، بقواه الدولية المتصارعة على النفوذ تحت عباءة القطب الأعظم الذي يظن هؤلاء أن لا أمر يشغله أكثر من موضوع السلطة في لبنان، وكيف تعاد صياغتها في ظل الأحداث الجسام التي زعزعت بنيان هذا الوطن الصغير.
تنسى هذه القيادات أو هي تتناسى موقع لبنان في منطقته، وما يجري في جواره القريب، من صراعات ضربت خريطتها وأحدثت فيها تمزقات خطيرة بعض نتائجها المنظورة بحور الدم في العراق، ونذر الحرب الأهلية في الأراضي الفلسطينية تحت الاحتلال.
كذلك تنسى هذه القيادات أو هي تتناسى ما أصاب إسرائيل من تصدع في ركيزة الحكم فيها، أي الجيش، نتيجة فشله المعلن في حربه على لبنان، وما يعد فيها من خطط ودائما بإشراف الإدارة الأميركية وبالتعاون معها لحرب الثأر التي يكثرون من الحديث عنها في تل أبيب.
ليس متعذراً على اللبنانيين أن يفهموا ما حدث للعراق تحت الاحتلال الأميركي وفيه، من تمزيق لوحدته الوطنية بالفتنة، ومن تدمير لمقوماته كدولة بتحريض بعض عناصر شعبه على الانفصال (الكرد) وبعضها الآخر على المناداة بالفيدرالية، في حين أن مصالح العراقيين بمجموعهم لا تحفظ ولا تحمى، في الحاضر وفي المستقبل، إلا بوحدته الوطنية، أي بدولته الواحدة الموحدة… وبالتالي فلا بد من فرط هذه الوحدة بتمزيق الشعب وإعادته إلى خلقه الأول كشرط لضرب الكيان السياسي وتفتيته إلى كيانات محتربة من الآن وإلى يوم الدين!
ويعي اللبنانيون كل الوعي الدرس العراقي الموجع، وهم على اختلاف آرائهم ومعتقداتهم لا يريدون لوطنهم مصيراً مأساوياً مماثلاً، بل إنهم واثقون كل الثقة في أن وحدتهم الوطنية هي ضمانتهم في وجه هذا الخطر المحدق بكيانات المنطقة جميعاً، كبيرها والصغير… فحيث لا أديان أو لا طوائف متصادمة على تقاسم السلطة يمكن الاعتماد على العشائرية أو الجهوية أو… مواقع منابع النفط!
كذلك فليس متعذراً على اللبنانيين أن يتابعوا وأن يفهموا ما جرى ويجري تحت نوافذهم، في الأراضي الفلسطينية المحتلة من انشقاق في السلطة أرخى بظلاله السوداء على وحدة الشعب من خلف أهدافه الوطنية في التحرير وإقامة دولته المستقلة ولو على بعض البعض من أرضه، على رغم ما يجمع هذا الشعب من وحدة الدين، فلا مذاهب ولا طوائف ولا عناصر. لقد صارت الآمال أكثر تواضعاً الآن: حماية السلطة المتهالكة والمفلسة والمقتتلة لحساب الإسرائيليين، إذا ما سلمنا بأن الأمور بخواتيمها… فهم وحدهم المستفيدون من هذا الاقتتال والعاملون على تغذيته. ثم أن نجدة إمبراطورية قد جاءتهم عبر زيارة كوندليسا رايس التي زادت من تحريض الرئيس على الحكومة ، وخصوصاً أنها شهرت سيف مال المساعدات العربية الممنوع عليه أن يتصرف به وأن ينفق منه إلا إذا تخلص من الحكومة التي جاءت بها الديموقراطية… تحت الإشراف الأميركي!
إنهم يقامرون بدمائنا ، يقول الكثير من اللبنانيين، ويضيفون: كأن لم يكفهم ما دفعناه من دمائنا ومن أسباب حياتنا في الحرب الإسرائيلية علينا .
والمشكلة أن الخارج صار ثقيل الوطأة على الداخل ، حتى كاد يرتهنه، عبر استرهان العديد من السياسيين باللعب على طموحاتهم، وإغوائهم ودفعهم إلى توسل الطائفية أو المذهبية سبيلاً إلى تسنم السلطة أو أقله إلى المشاركة فيها.
ومن أسف أن قلة من العاملين في الحقل العام تستنكف عن استخدام هذا السلاح القاتل في الوصول إلى أغراضها السياسية.
مع ذلك، فإن على اللبنانيين أن يحموا أملهم في وطنهم، وهم كثيراً ما تعرضوا لمحنة الساعين إلى ضربهم بالفتنة وانتصروا عليهم وعليها.
أما كوندليسا رايس فقد رأيناها تكرّس الانقسام في فلسطين، وتدفع به في اتجاه الاقتتال بين أهلها قبل أن تنقض إسرائيل على الجميع لتمزقهم أيدي سبأ… ثم تتوجه إلى العراق لتثبت انفصال الأكراد، وتحاول تأمين الاحتلال الأميركي بدماء العراقيين الذين يساقون إلى الفتنة بالحراب الأميركية.
طلال سلمان
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
What's Hot
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان