هو خطاب عربي بمراراته، و عربي بمطالبه، و عربي بإلحاحه على العرب بأن يتقدموا ليقوموا بدورهم: الراعي والحاضنة العربية لمعضلة تبدو غاية في البساطة ظاهراً، ولكن التمديد لها وتركها تتفاقم في الشارع، يكشف عن تخلٍ مقصود أكثر مما يدل على غفلة أو سوء تقدير للنتائج.
تخلى السيد حسن نصر الله، أمس، عن تحفظه، عن رصانته التي طالما اشتهر بها، عن هدوئه الذي يتميّز به عادة، وقالها بوضوح تام: كان بوسع العرب أن يمنعوا تفاقم الأزمة، لو أنهم تدخلوا جدياً بقصد حلها، ولو أنهم حوّلوا النصيحة إلى طلب ثم أكدوا على الطلب بما لهم من دالة ومن هيبة ومن قدرة على الإلزام… وخصوصاً أن الأزمة التي يُطلب تدخلهم لفضها والتي تتبدى هينة في ظاهرها، إذ هي تتصل بتعديل محدود في بنية الحكومة اللبنانية وليس بانقلاب أو بتغيير مسار أو بتبديل هوية!
وبرغم الحدة التي اتسم بها الخطاب التعبوي فإن السيد لم يتخلّ عن مطالبته العرب بالتدخل، بل لعله قد زاد من إلحاحه عليهم حتى وهو يطمئنهم إلى أنه لن تكون فتنة في لبنان وإلى أن سلاح حزب الله سيظل موجهاً إلى العدو وحده وأنه لن يوجه إلى الداخل أبداً .
و الفتنة لا يمكن أن تكون صناعة لبنانية .. حتى لو كان مسرحها لبنان!
الفتنة بداية وانتهاءً مشروع إسرائيلي قد لا يمانع بعض الغرب في تبنيه أو في التلويح به لإجبار الطرف الوطني على التراجع عملاً بمسؤوليته الوطنية والقومية والدينية، أكثر مما بدافع الخوف من الأجنبي أو الرضوخ لشروطه.
ولو أن المواقف العربية الفعلية كانت حازمة وقاطعة، أقله بفعل التحسّب للفتنة أو منعاً لنشوبها، للبّت الأطراف المعاندة أو المكابرة أو المتعنتة، والتي تصرفت بمنطق دفع البلاد إلى حافة الفتنة مفترضة أن الأكثر حرصاً ووعياً وتقى وتحسساً بالمسؤولية الوطنية والقومية والدينية هو الذي سيتراجع، فتحصد النتائج السياسية كمكاسب بينما يخسر أصحاب المطالب بالتغيير مرتين: في الشارع كما في السلطة.
إنه خطاب عربي بمضامينه جميعاً، بما في ذلك الاتهامات التي وجهها إلى سلوك الحكومة خلال الحرب الإسرائيلية على لبنان، وهو سلوك كان يحظى بتغطية عربية شاملة وصل دعمها للحكومة حد تجاهل المقاومة وإسقاطها من برامج الاتصالات أو المساعي… ولو للاطمئنان على سلامة قيادتها فضلاً عن متانة وضعها الميداني.إنه خطاب عربي يتجاوز العتاب إلى اللوم بدلاً إلى المؤاخذة ليس فقط على التقصير، بل على هذا المسلك العربي الرسمي الذي يتصرف وكأن تعديل الوزارة في لبنان زلزال خطير ستكون له ارتداداته في مختلف أرجاء الأرض العربية..
بالمقابل فإن هذا المسلك العربي الذي يعي تماماً خطر تفجر الفتنة في لبنان، بفعل عوامل الخلاف الداخلي الذي يتجاوز بأسبابه ما هو محلي، إنما ستتجمع فيه وعليه عوامل كثيرة لتجعله امتداداً للفتنة التي تكاد نيرانها تدمر العراق، شعباً وكياناً سياسياً، والتي تنذر كامل المشرق العربي، خصوصاً إذا ما ترابطت ولو لأسباب غير مذهبية بالصراع على السلطة المستعر في فلسطين تحت الاحتلال، والذي تتركه الدول العربية الفاعلة يتفاقم بحيث يؤدي إلى الانقلاب السياسي المنشود.
ولقد قالها السيد أمس: إن الوضع في لبنان مختلف جداً، وإذا ما تردت الأوضاع سوءاً، وتعذر حل الأزمة بالحل الوسط المطروح سياسياً، فإن انقلاباً سوف يقع في لبنان، ولكن الشارع سيقرّر وجهته وليس دوائر النفوذ التي تدعم الحكومة.
خلاصة ما انتهى إليه السيد في خطابه أمس: دعوة أخيرة إلى العرب أن يتدخلوا لكي تكون تسوية تحفظ الصيغة وربما الكيان السياسي في لبنان.
إنها دعوة ملحة إلى العرب أن يجيئوا ليحلوا الأزمة، وليس لأن يخرجوا ويتركوا لبنان فريسة لها… وإلا فهي سوف لن تنحصر في لبنان، بل إن شراراتها ستتطاير إلى جهات كثيرة، ربما كان في بالها أن تفتدي أمنها وسلامها الداخلي ورخاءها الاقتصادي بفتنة صغيرة في هذا الوطن الصغير والجميل، الذي طالما افتدى أهله العرب ومنع عنهم الفتنة بدماء أهله الطيبين.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
What's Hot
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان