بداية أتمنى للصديق الرفيق العزيز أبو أحمد الشفاء العاجل وطول العمر.
«هذا كل ما معي 40 ليرة خذها ودبّر رأسك». وصلت الكلمات صارخةً إلى أذن الشاب ابن الثامنة عشرة من والده الشاويش إبراهيم سلمان، فقبل طلال التحدي رغم صعوبته، لأنّه اعتداده وهو ابن قرية شمسطار بعلبك التي تعيش تحدّياً دائماً مع الفقر والحرمان. عاش التحدي في كل قرية ومنطقة كانت تتنقّل إليها عائلته مع والده بحكم وظيفته ويرى فيها بؤس أبنائها ومعاناتهم. وعلى كل مواطن أن يتحدى الإقطاع والاستغلال وظلم الدولة حتى يستطيع الحصول على لقمة عيشه.
تابع الدراسة مع العمل في مجال الإعلام الذي فتح أمامه الباب واسعاً ليكون من أبرز العاملين في هذا المجال. اختبر تفاصيل المهنة كافة، مصحّحاً لغوياً، محرراً، مديراً رئيساً للتحرير.
الشاب الخجول المتواضع ابن القرية، يصبح خبيراً في شؤون السياسة والأدب والفن والثقافة. تستهويه الأغاني ويُطرب للموسيقى. تُفتح أمامه أبواب قصور الملوك والرؤساء، ويأنس لمجالسته المفكرون والفنانون والأدباء.
وجدتُه عن جدارة بأنه أكبر من أن يعمل موظفاً. لم تعد الصحف التي يعمل فيها، قادرةً على استيعاب ما لديه من قدرات وكفاءات ومؤهلات، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنّ مسيرته الطويلة في الإعلام، بلورت قناعات وأفكاراً ورؤى يريد أن يعبّر عنها بحرية وطريقته الخاصة.
يريد أن ينقل صوت الذين لا تنقل وسائل الإعلام صوتهم، «صوت الذين لا صوت لهم»، فقرر تأسيس جريدة السفير عام 1974. لم تكن «السفير» جريدة عادية بل جبهة قتال خاض من خلالها العديد من المعارك:
أولها: معركة العروبة في لبنان التي عبّر عنها في شعار «السفير». صوت لبنان للعرب وصوت العرب في لبنان، فكانت لا تخلو أعدادها من كتّاب يدافعون عن عروبة لبنان، ويرفقون استخدامه تصدّياً لأي نشاط إعلامي أو عمل عدواني ضد أي بلد عربي، بخاصة ضد سوريا. وفي هذا الصعيد، يبرز الدور المميز الذي لعبته «السفير» في فتح الأبعاد العدوانية للاجتياح الإسرائيلي عام 1982 واستنهاض الحالة الجماهيرية، والتصدّي بقوة لتبعات هذا الاجتياح بانتخاب بشير الجميل رئيساً للجمهورية اللبنانية، وبعده اتفاق 17 أيار، إضافة إلى تحذيره المبكر من مخاطر خروج المقاومة من لبنان بالطريقة التي تمت بها والوجهة التي ذهبت إليها.
طلال العربي لا يثق بإمكانية تقدم وتطوّر للبنان الطائفي الانعزالي. لا مستقبل للبنان خارج محيطه العربي بدءاً من سوريا وإقامة أوثق العلاقات معها.
بقدر ما كان يشعر بالسعادة بالوحدة بين مصر وسوريا بقيادة الرمز القومي الزعيم بلا منازع لقيادة مرحلة النهوض العربي الرئيس جمال عبد الناصر، أصيب بخيبة أمل بل بفاجعة بعد الانفصال.
بهذه الخلفية العربية، تعرّف طلال المنغمس في غمار الأحداث والتطورات السياسية إلى القضية الفلسطينية. ربما عمل لسنوات في فريق تحرير مجلة «الحرية» التي كانت تصدرها «حركة القوميين العرب» برئيس تحريرها محسن إبراهيم المتشابه بالفكر القومي والتي تركز اهتمامها على فلسطين كقضية مركزية. وربما هذا ما لعب دوراً في التقاء قناعتهم على الصعيدين القومي والعربي والوطني الفلسطيني، خصوصاً أنّه التقى فيها مع زميلين أصبحا من أعز أصدقائه هما الشهيدان غسان كنفاني وناجي العلي؟، وقد أبى إلا أن يشاركهما الشهادة عندما جرت محاولة اغتياله أمام بيته لنفس أسباب اغتيال الشهيدين غسان وناجي!
المواقف الجريئة الصادقة. التمسك بالثوابت والإبداع في التعبير عنها، كل على طريقته فضح سياسات القوى المعادية وتعبئة الجماهير للتصدي لها.
كنت ألجأ إليك عزيزي أبو أحمد في الحروب العبثية الظالمة التي تعرّض لها الفلسطينيون في لبنان بعد 1982 للمناقشة بألم وحرارة حول الهجمة الشرسة التي تتعرض لها منطقتنا العربية. وثباتنا على الخط القومي، يحدونا الأمل والثقة بحتمية الانتصار في النهاية.
أحد مؤسسي «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»
صلاح صلاح