… ولأن لبنان حقل تجارب، ومركز استقطاب انتخابي، فلكل »قائد« إسرائيلي حربه الخاصة فيه التي تدخله التاريخ!
هكذا، وعلى خطى مناحيم بيغن وأرييل شارون ثم إسحق رابين، ارتدى شمعون بيريز ثياب الجنرال وجاء إلى الحرب في لبنان لكي يكسب الزعامة السياسية في إسرائيل، ومن موقع »بطل السلام«، وبالوسائل الديموقراطية… أي الانتخابات!
وهو قد جاء معززù بتجربته الفلسطينية، وباختراقاته العربية التي تغطي المساحة المنداحة بين المغرب الأقصى والخليج التائه، وبحلفه التركي المعزّز حديثù، ثم بالتحريض المكشوف الذي تلقاه من العديد من »زعامات« الدول الاسلامية، وأخيرù بالتأييد الأميركي الحار لنهجه »السلمي« الذي بلغ ذروته الدولية في قمة شرم الشيخ التي أباحت له دماء المعارضين أو المعترضين أو القائلين بمقاطعة انتخاباته القريبة!
ثم إنه حرص على اعتماد الوسائل الديموقراطية وحدها: الطائرات الحربية، حوامات الكوبرا والأباتشي ذات الصواريخ المبرمجة ضد الأفراد والسيارات، البوارج، الزوارق المسلحة، الدبابات ومدفعية الميدان… لمواجهة »ا”« و»حزبه« لا بد من استنفار جميع القوى في البر والبحر والجو، وفي العالم الأميركي جميعù.
»الأصوات« المدوية تأتي ب»الأصوات« المؤمّنة للفوز، هناك، والأموات ناخبون مثاليون لأنهم يستدرجون الأحياء بإغراء لا تمكن مقاومته… والمحاصرون في معتقل جماعي، كما في فلسطين الداخل، مثلهم مثل المهجرين من بيوتهم ومزارعهم وقراهم وضاحيتهم الفقيرة على مدخل بيروت الجنوبي، هم أفضل وسيلة جذب لأولئك الناخبين الإسرائيليين المتشددين الذين حاصروا بيريز بهتافاتهم »السلمية« الفاقعة في كريات شمونة أمس: »نريد حربù، نريد حربù«، فلم يجد ما يجيب به إلا ابتسامة واعدة!
ولأن المنافسة الديموقراطية ضاغطة، فلا بد من أن تطغى أصوات الانفجارات وبكاء الأرامل والثكالى والميتمين حديثù على صوت الخصم الليكودي العنيد، ولا بد من أن يؤكد »الحالم« شمعون بيريز جدارته العسكرية فيتجاوز مؤتمر مدريد وضماناته الأميركية والمفاوضات حتى الشكلية منها كالتي يحاور فيها نفسه عبر ياسر عرفات، ويُسقط »تفاهم تموز 1993« الذي كان إلى ما قبل أيام يعلن تمسكه بحرفيته و»يعتذر« عن أي خروج عليه »بطريق الخطأ«، كما وقع في بلدة ياطر العاملية..
لا حرمة لأي اتفاق، لا حرمة لأية مدينة، بما في ذلك العواصم، خصوصù ان العرب يفتحون لبيريز مزيدù من عواصمهم كلما تجرأ على منطقة او بلد او شعب عربي، اعتقالاً وقصفù ونسفù وتهجيرù ومحاصرة بالجوع والعوز.
وطالما لا حدود أمام السيف الاسرائيلي، الذي طاول الآن حدود ايران، فمن قال ان جسر الأولي هو التخم الجنوبي، ولماذا لا تكون بيروت داخل مدى هذا السيف.
وما دام العرب والمسلمون وحدة واحدة فلماذا لا يكون الرد على »حماس« أو »الجهاد الاسلامي«، وكلاهما تنظيم فلسطيني يضرب في الداخل، بضرب »حزب ا”« ومناصريه أو »بحره« اللبناني، ولو لحقت براعيه السوري بعض الجراح؟!
هي حرب مفتوحة اذù، وان ظل عنوانها »السعي الى السلام«!
وهكذا، تستعيد المأساة صورتها الكاملة بتفاصيلها اللوجستية البائسة: إحضار السيارة، حمل الضروري من اللازم، حشو بعض الملابس في صرر، تأمين بعض الحليب للأطفال ثم الاندفاع في خط معاكس لموجة القصف… نحو التيه العربي الشامل!
لكن الكل سيعود غدù الى بيته في قريته: يعيد بناء ما تهدم، وينغرس أعمق فأعمق في أرضه، منتظرù الاجتياح الجديد الذي يؤكد »ان التاريخ وأحداثù كثيرة تعيد نفسها، ولا شيء سيكون مثل الآخر، على وجه الدقة، ولكن لن يكون هناك جديد«، كما تقول بعض الصحف الاسرائيلية!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2025 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان