ربما لأن الفلسطينيين يفترضون أن »الديموقراطية« يمكن أن تعوّضهم بعض خسائرهم الفادحة، وطنيù وقوميù؛ يعقدون عليها الآن رهانهم الأخير حول المستقبل.
هكذا، وبينما تكاد تندثر الأحزاب السياسية العربية، وضمنها أو إلى جانبها »الفصائل« الفلسطينية، تؤكد القوى الفلسطينية »الجديدة« حضورها، فيعلن في وقت واحد عن قيام ثلاثة أحزاب سياسية،
وإذا كان إعلان حركة »حماس« عن تحوّلها إلى حزب يجيء منسجمù مع إعداد الذات للعب دور أساسي في المرحلة المقبلة، فإن الإعلان عن حزب فلسطيني إسرائيلي مشترك بقيادة بعض معاوني عرفات »السابقين« لا يفعل إلا الاستمرار في المقامرة إلى حدود الانتحار المادي!
الجديد هو أن الدكتور حيدر عبد الشافي ومعه معظم رفاقه في الوفد المفاوض، والعديد من القيادات »المدنية« للانتفاضة، والكثير من النخب الفلسطينية في الداخل وفي الشتات (الأميركي خصوصù) قد حسموا أمرهم وأعلنوا ولادة »حركة البناء الديموقراطي الفلسطيني«، ومن القدس المحتلة بالذات.
لم يفاجأ الدكتور هشام شرابي حين قال له بعضنا: إنه حزب الوفد (تذكيرù بحزب الوفد المصري، الذي قاد العمل الوطني في مصر بعد انتكاس ثورة 1919)…
ولقد تطلّبت ولادة »حركة البناء الديموقراطي« مناقشات مستفيضة في واشنطن كما في القدس، وفي أوساط الجالية الفلسطينية في كندا كما في معظم مدن الضفة الغربية وغزة،
»لسنا النقيض. لسنا الثورة ولا الكفاح المسلح. ولكننا نطمح لأن نكون »البديل«، وبالأسلوب الديموقراطي وعبر الانتخابات. لسنا مع اتفاق أوسلو، ولسنا خاصة مع تطبيقاته الشوهاء لنصه الأشوه أصلاً، إننا مع تحرير إرادة الفلسطيني ليقرّر مصيره فوق أرضه، وليقيم دولته«.
الفلسطينيون يغادرون »الاتفاق« الذي لم يقبلوه يومù. ولا يبقى في سجن الاتفاق إلا عرفات وجيشه وأجهزة مخابراته العاملة من داخل المخابرات الإسرائيلية.
ولعل الفلسطينيين يطمحون إلى أن »ينتزعوا« من الإسرائيليين هامشù ديموقراطيù أوسع بما لا يقاس من الذي أبقاه لهم عرفات وشرطته في غزة.
فلسطين الفلسطينية تبتعد أكثر فأكثر عن العرب،
وحزب الوفد المصري لم يأتِ بمصر إلى العروبة، ولكن فلسطين هي التي جاءت بها إلى العرب أو أخذت العرب إليها.
على أن التجارب جميعù أثبتت أن »الوطنية« في أي قطر عربي محكومة بأن تكون »عربية« وبالتالي »قومية« أو تلتهمها المحلية الضيقة والعصبوية التي كثيرù ما تكون طائفية أو مذهبية أو جهوية، وهذه نهاية »الوفد« أو الأحزاب الوطنية العراقية والسورية والأردنية والفلسطينية (السابقة) شاهد لا تدحض شهادته.
مع ذلك، لا بدَّ من التنويه بهذه الشجاعة الفلسطينية في المبادرة إلى محاولة التأثير في المستقبل بدلاً من إدمان البكاء والاستبكاء على أطلال الماضي.
* * *
الشعب المتطرّف..
تفاخر إسرائيل بأن تقدم نفسها للعالم »الشعب المتطرّف الذي لا يغفر ولا يتنازل ولا ينسى ولا يقبل بالحلول الوسط«!
إنها تحاسب دول العالم جميعù بمفعول رجعي يكاد يغطي ثلاثة آلاف سنة من التاريخ، وتفرض عليها »الكفارات« المادية والمعنوية،
أما بالنسبة للعرب، فهي تحاول أن تشطب مستقبلهم في أرضهم، وتشهِّر بهم بوصفهم »إرهابيين«، لأن بعضهم قد اندفع باليأس من أنظمته الحاكمة أو بالقهر من حالة العجز السائدة، إلى تفجير ذاته بدبابات احتلالها!
وترتفع الآن أصوات مسؤولين إسرائيليين داعية إلى »عدم الاستهانة بالأكثرية الإسرائيلية الصامتة والرافضة للانسحاب من الجولان«.
الشعب هو المتطرّف، والحكومة متساهلة بشرط أن تعطي ما ترضي به شعبها المتطرّف!
ولأن »الشعب الإسرائيلي« متطرّف يكاد إسحق رابين أن يطلب من حافظ الأسد قيادة معركته الانتخابية، وأن يضمن له الانتصار على بنيامين نتنياهو وكأن الصراع العربي الإسرائيلي يمكن تقزيمه بحيث يغدو خصومة شخصية مع المنافس الشخصي لإسحق رابين!
ولأن »الشعب الإسرائيلي« متطرف، يريد رابين أن يمتحن التزام الأسد، عبر اختبار يقرّره هو، قبل أن يلتزم بالانسحاب من »الجولان السوري«!
وبينما يباهي رابين بأن حكومته »هي الأولى المستعدة للحديث عن الانسحاب من الجولان« فإنه يبادر إلى طمأنة شعبه المتطرّف إلى أن بين المسائل التي لم تحسم بعد: مدى الانسحاب وإلى أي خط، وشروط الانسحاب وجدوله الزمني، إضافة إلى التطبيع الكامل وفتح السفارات والحدود المفتوحة الخ..«.
ولأن الملك حسين وياسر عرفات قد لبّيا شروط »الشعب المتطرّف«، فإن إسحق رابين يمتدح »شجاعتهما التي زادت بالتأكيد من قيمة الفاتورة التي يتوجّب على سوريا ولبنان أن يدفعاها لكي تهدأ خواطر الشعب المتطرّف فيقبل بالسلام!!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان