عصي على المباغتة، هذا اليمني الذي رضع الحذر مع الحليب، وأخذ الصلابة من أرضه ومعها الحنكة في مواجهة الطبيعة الصعبة وطبائع البشر، وهي أصعب.
وعصي على الزمن، هذا الرئيس الذي قفز الى السلطة بالتوافق، واستقر فوق سدتها بالانتخاب، والذي أنجز الوحدة بالتراضي ثم أعاد تثبيتها بالحرب عندما حاول “الاخوة الشركاء والرفاق الاعداء” ان يبتزوه بها فقاتلهم بسيفها حتى أخرجهم من السلطة الى المعارضة… ديمواقراطياً!
انه، اليوم، وبعد ربع قرن ونيف فوق المقعد الخشن للحكم في اليمن الصعب، يتبدى في شرخ شبابه: لا شيب في شعره، ولا غضون فوق صفحة جبينه ولا تجاعيد في وجهه… أما الذاكرة فذاكرة فيل، لا تنسى واقعة أو اسماً، لا تهمل التفاصيل، سواء اتصلت بملوك أو رؤساء أو ملك الملوك والرؤساء جميعا، الاميركي، أو اتصلت بشيخ قبيلة في صعده، أو بقاض في تعز أو برجل أعمال ناجح متحدر من حضرموت…
علي عبد الله صالح: هل أنت الملك؟! هل أنت الإمام الجديد لليمن السعيد؟ هل أنت شيخ مشايخ هذا البلد العتيق، مصدر الحضارات الاولى، وريث بلقيس وسيف بن ذي يزن؟
يضحك الرجل الذي رفعته المقادير و”الحكمة اليمانية” الى سدة السلطة بعد مسلسل من الحروب الاهلية التي أعقبت انتكاسة الثورة التي خلعت الإمام في 26 ايلول 1962، والتي دارت بالسلطة بين المعارضين التاريخيين لحكم آل حميد الدين حتى استنزفتهم فاستهلكتهم جميعا لتعود مجدداً الى القادة العسكريين الذين تهاووا بالاغتيال واحداً اثر الآخر (الحمدي، الغشمي) لتستقر بين يديه في مصادفة قدرية، ثم لتبقى له بالكفاءة والمقدرة على التصدي لهذه المهمة شبه المستحيلة.
بل أنا رئيس الجمهورية بالانتخاب المباشر من الشعب، تحت إشراف مراقبين من مختلف أرجاء العالم. انها الديموقراطية! المعارضة موجودة في الشارع وفي مجلس النواب، وفي الصحافة… ولقد نافسوني فهزمتهم، في صناديق الاقتراع… أليست هذه ديموقراطية؟!
الجواب منطقي، لكنه لا يجيب عن كل الاسئلة: كيف استطاع هذا “العسكري” المتواضع في تعليمه، أن يحكم بلداً كثيرا ما استعصى على حكامه بضغوط محيطه وبأثقال واقعه المتخلف، والذي دخل إليه الصراع العقائدي (الطبقي!!) من بابه الخلفي وقرب خط النهاية فخسر “الحزب” الدنيا من غير أن يربح الآخرة؟!
كيف نجح هذا “اليمني الطبيعي” أن يسير ببلاده الفقيرة، بمواردها والمفقرة بالضغوط والحصار ومحاولة الهيمنة عليها، من الخارج، والمنهكة بالمنازعات القبلية وسائر وجوه التخلف التي تشمل العادات الاجتماعية والتقاليد القامعة لتحرر المرأة، والعيوب التي صارت طقوساً، كمثل مجالس تخزين القات التي تستهلك الصحة والدخل وما هو أثمن: الوقت، في مجتمع يحتاج في تعويض تخلفه الى الركض بكل طاقته نحو العصر؟!
ثم، كيف نجح هذا الرئيس الذي له الالقاب جميعا، في “رعاية” معارضيه: يقرب البعض ليبعده عن البعض الآخر، مستخدماً وهج السلطة، فإذا ما ضعف الاقوى قوّى الاضعف، حتى اذا ما تساوى الجميع في الضعف ساهم في توحيدهم كمعارضة ليحفظ للحكم وجهه الديموقراطي، برسم التصدير، كما برسم التواؤم مع طبيعة المجتمع الذي تتسع رحابته للجميع، بتمايزاتهم الفكرية والثقافية، الدينية والجهوية والقبلية؟!
هذا الحوار مع الرئيس اليمني علي عبد الله صالح لا يقدمه “كله”، ولكنه ربما يقدم صورة أولية عنه، في هذه اللحظة، وبينما المنطقة العربية جميعا تكاد تفتقد الاستقرار ومعرفة الطريق الى الغد… فهو يكاد يبدو وكأنه “ثابت” بين “متحركين”، والاقل قلقاً بين الخائفين إما على كياناتهم السياسية وإما على مواقعهم فوق سدة السلطة التي تتبدى في كثير من الاقطار وكأنها رأس حربة، أو هدف لرصاص متعدد المصادر، بعضه من الداخل وأكثره من الخارج، وعنوانه الرسمي المعتمد: مكافحة الارهاب على الطريقة الاميركية!
العلاقة مع أميركا…
بعد مقدمة اختلط فيها الترحيب بالعتاب، قادنا الرئيس علي عبد الله صالح الى “عريشة” تقوم أمام مكتبه الرسمي في “دار الرئاسة” بصنعاء، الذي يقع بين “النهدين”، وهما جبلان من السلسلة التي تطوق العاصمة، وفي مواجهة جبل “نُقم”، عند طرف ميدان “السبعين” حيث تم النصر للجمهورية بعد حصار طويل ودامٍ وهجمات شرسة شنها “الملكيون” حتى الموت.
جلس وهو يستفسر عن أحوال لبنان الذي كان آخر من استقبله من أهله الرئيس رفيق الحريري ومعه وفد اقتصادي كبير من الباحثين عن فرص للتعاون والاستثمار المشترك.
الى يساره جلس امين عام القصر الجمهوري وزير الدولة لشؤون الرئاسة اللواء عبد الله حسين البشيري ومسؤول التوجيه المعنوي في القوات المسلحة، رئيس تحرير أسبوعية “26 سبتمبر” العميد علي الشاطر، وبعض المعاونين في المكتب الصحافي.
اخترنا مدخلاً طريفاً، وكان تجاوبه ممتازاً. سألناه: لماذا ظهرت في قمة الثماني الكبار بثوبك اليمني التقليدي؟! قال: لقد طلبوا إلينا أن نجيء الى اللقاء من دون ربطة عنق، فوجدتها فرصة لان أتخلص من التقليد، وأن أشارك بثوبي.
سألنا من باب الاستطراد في استدرار الاجوبة الطريفة: قد تحرجك الانتخابات الاميركية، وأنت العائد حديثاً من زيارة بدعوة من رئيسها… هل أنت مع جورج بوش، ام مع كيري؟
ورد علي عبد الله صالح بغير تردد: كل واحد أفضل من الثاني!
باشرنا الانتقال الى الجد، فسألناه: هل أنتم حلفاء لأميركا؟ وهل تتقاضون ثمن هذا التحالف؟!
ورد الرئيس: نحن لسنا حلفاء لأميركا، ولسنا عملاء لأميركا، ولكننا نتعاون معهم ضمن الاسرة الدولية لمكافحة الارهاب وقد قدموا لنا مساعدات محدودة ليست بالكبيرة.
* ثمة من يقول إنكم أعطيتموهم أكثر من ذلك بكثير… لقد أعطيتموهم اليمن؟
ـ نحن لم نعطهم شيئا! لا موانئ ولا مطارات ولا قواعد عسكرية ولا أي شيء.
* ولكنهم قتلوا مواطنيكم؟
ـ السلطات الامنية هي التي قامت بالاجراءات بمساعدة التقنية العسكرية الاميركية، ولقد ألقينا القبض على الارهابيين وكان الاميركان يظنون ان اليمن أكبر بؤرة للارهاب بعد أفغانستان، لقد أنقذنا اليمن بسياسة واضحة وشفافية مطلقة، كنا مضطرين لمواجهة الارهاب سواء كان الاميركان متعاونين معنا ام لا، ولم نكن نخطب ودّهم، قدموا لنا مساعدات في مجال التدريب ومساعدات تنموية تقدر بـ 100 مليون دولار وحتى لو لم يقدموها كنا سنواجه الارهاب.
* كان ممكنا ان تأخذوا ثمنا أكثر بكثير؟
ـ هذا صحيح لو كنا حلفاء لكن نحن تعاونا معهم وقلنا… (هنا نعم) و(هنا لا) وهذا (خط أحمر) لا يمكن تجاوزه، وهم يعرفون هذا الموقف تماما ليس لأننا قوة عظمى ولكننا أصحاب قرار سياسي وإرادة سياسية وهما الاهم. خذ مثلا حادثة المدمرة USS COLE كانت الحادثة فاجعة لنا ولهم، عندما انفجرت السفينة كانت تحمل صواريخ كروز وقنابل استراتيجية وكان يمكن ان تدمر البلد… أنا كنت وقتها راجعا من فرنسا الى عدن… كنا نشك بأن الانفجار من داخل السفينة. وقمت أنا بزيارة الجرحى في المستشفى، كانوا في مستشفى خاص غير حكومي، ولم تكن معي حراسة سوى سيارتين لان الحراس كانوا يتناولون الغداء وكانت هناك خطورة لان الأميركان المرافقين للجرحى الذين أتوا من السفينة (كول) كانوا مدججين بالسلاح وموتورين وشاهرين أسلحتهم ولا يعرفون أحداً… ولم يعرفوا ان “الرئيس” هو الذي يزور الجرحى إلا بعد فترة… ونقل التلفزيون وقتها الصور. وكانت الادارة الاميركية في ذلك الوقت متفهمة بشكل كبير واعتبروها لفتة إنسانية… برغم انني كنت قاسيا في تصريحاتي التلفزيونية… بعد ذلك أعلنوا استنفاراً لقواتهم من البحرين وحتى المحيط واقتربت حوالى سبع سفن حربية من عدن. وطلب الاميركان منا الموافقة على وصول محققين فقلنا: لا مانع من وصول فريق للتحقيق المشترك مع المحققين اليمنيين… ووصلت طائرات النقل محملة بالمدرعات والكلاب البوليسية وقوات من المارينز مسلحين… وأصبحوا في مطار عدن.
* من دون التنسيق معكم؟
ـ كان هناك تنسيق وطلب بأنهم سيأتون بطائرات تنقل الجرحى وتنقل القتلى وبفريق التحقيق من الـ FBI، واذا بهم ينزلون عددا من طائرات النقل وعليها مارينز البحرية والكلاب البوليسية والمدرعات… وكان المطار مطوقا بقوات الأمن المركزي فانتشر الأمن المركزي وطلبنا منهم العودة الى طائراتهم ولم نسمح لهم بأي تحرك، وأعادوا كل شيء الى الطائرات، فالمسألة مسألة سيادية، وبعد مفاوضات مع السفيرة (وكانت ممتازة ومتحركة) وبعد اتصالات وأخذ ورد سمحنا لهم بأن ينزلوا بعدد من الاشخاص بالمسدسات الى جانب عشر بنادق فقط وبشرط عدم الظهور بالسلاح أو الخروج من الفندق بالسلاح وانما بحماية أمننا، ووضعنا احتياطات أمن مشددة عليهم… أقمنا طوقاً على الفندق واحتياطات من الأمن المركزي والخرسانات المسلحة تحسبا لأي عملية إرهابية ضدهم، وأمناهم وجاء عدد من طائرات الهيلكوبتر عبر البحر وسألنا: لماذا هذا؟ قالوا: تنزل على السفينة لتأخذ أفراداً وتحل محلهم أفراداً… فقلنا لهم بالمفتوح: هذا ممنوع! وأجبرنا طائراتهم على العودة الى سفنهم في البحر إلا بإذن مسبق فبدأوا يتعاملون مع الدولة ندا لند وأكدنا لهم اننا مستعدون لان نسهل لهم المشاركة في التحقيقات الاولية، أما مسألة القيام بالتحقيق المباشر مع المقبوض عليهم فغير ممكن وأي سؤال لديهم يقدمونه لنا ونحن نوجهه للمتهمين فاشتد الوتر بيننا وبينهم الى حد كبير.
* وماذا عن الحقائب؟
ـ الحقائب كانت تأتي وفيها مواد غير معروفة وعلى غير ما هو متبع ولم نسمح بها وظلت محجوزة شهوراً ونحن في أخذ ورد لان الحقيبة الدبلوماسية المتعارف عليها في اتفاقيات فيينا هي التي تدخل، والحقائب التي فيها أي مواد يراد لها الدخول تفتش فطلبوا ان تفتش في السفارة فرفضنا وأصررنا على أن تفتش في المطار.
* لقد شاركت قمة الثماني وكنت أنت والرئيس الجزائري والرئيس العراقي المؤقت وملك البحرين وملك الاردن. ان وجودك هناك ترك انطباعا عند الناس العاديين والمحللين السياسيين بأن أميركا جمعت حلفاءها… هل ترى ان أميركا اعتبرتك حليفا لها لأنك تعاونت ام الامر يختلف؟
ـ أميركا دعتني لا لأنني حليف أقدم لها تسهيلات لقواعدها في البر والبحر والجو فهي تعرف انه لا يوجد أي تسهيلات… والدافع لدعوتي الى مؤتمر الدول الثماني هو لتعاون اليمن في مكافحة الارهاب، ثانيا: ان اليمن من البلدان النامية التي تشكل نموذجا في الاصلاح الديموقراطي والاصلاح السياسي، فنحن بلد ديموقراطي متميز في المنطقة، ولهذا وجهت لنا الدعوة، فاليمن أجرى انتخابات نيابية لثلاث مرات وبحضور رقابة دولية وأجرى انتخابات محلية وانتخابات رئاسية، واحتضن مؤتمرا للدول الديموقراطية الناشئة برعاية اميركا… ومؤتمر الديموقراطية وحقوق الانسان ودور محكمة الجنايات الدولية في بداية عام 2004. ثم احتضن مؤتمراً لمجالس الشيوخ والشورى والمجالس المماثلة في الوطن العربي وافريقيا وهذا يشكل لدى الاميركان إنجازا جيدا، فاليمن شكل نموذجا للاصلاح السياسي والاصلاح الديموقراطي الى جانب ان اليمن كان جادا وغير مراوغ في مكافحة الارهاب، فهذه هي خلفية الدعوة التي وجهت إلينا من قبل الاميركان. فمثلا الجزائر من أجل ان نوضح الرد على سؤالك: الجزائر ما عندها لا موانئ ولا مطارات ولا تسهيلات للاميركان لكنه بلد يكافح الارهاب وأجرى انتخابات ديموقراطية برلمانية ورئاسية، وهذا في اعتقادي هو سبب دعوة القطرين الى حضور قمة الثماني.
فلسطين، إسرائيل وأميركا
* كانت اليمن وما زالت هي صاحبة المواقف المبدئية… وصاحبة الصوت العالي في تأييدها للقضية الفلسطينية وللنضال الفلسطيني والرئيس ياسر عرفات… وكان الرئيس علي عبد الله صالح هو الاستثناء الوحيد من كل الرؤساء العرب في مواقفه الشجاعة، والسؤال ماذا كان موقف الاميركان منكم من جراء تلك المواقف؟
ـ الامريكان كانوا يتضايقون من الهجوم عليهم، ومن أي تناول لأميركا في تصريحاتنا، وكانوا يرون بأنه بالنسبة لإسرائيل فنحن أحرار… واستمر هذا الحال لوقت طويل أي من الثمانينيات أيام الحرب الباردة، واستمر التهجم على الامبريالية الاميركية، وفي ذلك الوقت كان اليمن شطرين وكان الشمال متهماً بأنه مع الغرب ومع القوى الامبريالية الاميركية، والجنوب انه مع الشرق وضمن حلف وارسو في اطار الاشتراكية العلمية، وفي الحقيقة لم يكن الشمال مع أميركا ولا مع الشرق، كان ملتزما موقف الحياد، وكانت تصريحاتنا قوية على الاميركيان، وقد احتجوا علينا وقالوا لماذا تتكلمون علينا؟ اذا أردتم تكلموا عن اسرائيل من دون ان تتكلموا علينا… واستمر خطابنا الى الآن على أساس اننا نتكلم على أميركا انها منحازة كل الانحياز الى جانب اسرائيل وانها تنفذ قرارات الشرعية الدولية بمعايير مزدوجة، وموقفنا هذا ثابت مع الاميركان وصاروا متعودين على هذا الخطاب ليس من الآن ولكن من الثمانينيات.
* بعد اتفاق اوسلو دُفع دبلوماسيون يمنيون لزيارة اسرائيل باسم زيارة السلطة الفلسطينية، وهذا كان موقفا الى حد ما خارج تقاليد اليمن في علاقته مع اسرائيل؟
ـ لم يذهب أي دبلوماسي الى السلطة الفلسطينية بالرغم من طلب السلطة الفلسطينية ان نزورهم بصفة شخصية لمساعدتهم بعد اتفاق اوسلو، لكن لم يذهب أي دبلوماسي على الاطلاق.
* يقول البعض انهم رأوا صورا في تلك الفترة بالتحديد… ام ترى انها كانت مجرد شائعات؟
ـ مقاطعا: أنا أقول وأطمئنك ان هذا لم يحصل رغم طلب السلطة الفلسطينية منا.
* متى كانت آخر مرة تحدثت فيها مع ابو عمار؟
ـ أنا أتكلم مع ابو عمار باستمرار هاتفيا وعبر المبعوثين لأبو عمار.
الوحدة والمعارضة…
* لنا ثلاثة أيام في صنعاء لم نلتق وزراء أو مسؤولين… التقينا مثقفين وصحافيين وحضرنا ثلاثة مقايل، فقط، ولدينا مجموعة ملاحظات، اولا ولو متأخرين نهنئكم بالعيد الرابع عشر للوحدة، هل انت مطمئن ان هذا الانجاز التاريخي ثبت في الارض نهائيا وأبقى اليمن موحدا الى الابد دون أي إشكاليات ولا حساسيات؟
ـ أنا مطمئن… والحساسيات ليست إلا في رؤوس البعض وليست لدى الشعب. فمثلا هناك قيادات فقدت مصالحها سواء كانت في الشمال أو في الجنوب فلا بد ان تشكك في الوحدة وهذا على سبيل المثال… ونحن قناعتنا ان الوحدة أكثر من راسخة، لكن يمكن للصحافي أن يأخذ عينات من آراء الناس.
* بعض القوى مرتاح للوحدة وغير مرتاح للنظام؟
ـ نعم مرتاحون للوحدة وغير مرتاحين للنظام، لأنهم لم يصنعوا الوحدة ولم يشتركوا فيها ولا هم حققوها ولا كانوا يستطيعون حتى الكلام عنها، لكن جاء من حققها ومن أوجدها غيرهم ولهذا تجدهم غير مرتاحين فعلا.
* عقدة؟
ـ نعم… لماذا لا تعمل استطلاع رأي.
* أنا مثلا أشعر كعربي خارج اليمن عندما ألتقي يمنياً سواء كان شماليا أو جنوبيا أجد لديه اعتزازاً بأنه يمني أو لا وأخيرا.
مرة اخرى نتكلم عن المعارضة… لديّ انطباع شخصي من خلال المتابعة كوني أحب اليمن ومهتما بأحواله ومن خلال اللقاءات أنا أعتقد انه من السهل على الرئيس علي عبد الله صالح الذي يتمتع بكل الحنكة والجرأة والدهاء الذي لديه ان يستوعب هذه المعارضة، وفي رأيي ان كل هذه المعارضات اولا مسلّمة بالنظام وعندها ملاحظات لكنها لا تمس الجوهر، وأنا أعتقد انه كان من الممكن ان يكونوا شركاء كل بحجمه في السلطة، ابتداء من “الاصلاح” و”الناصريين” والاشتراكيين أو من تبقى منهم، وصولا الى كل التيارات الموجودة في المجتمع اليمني، كلهم قوى أقرب الى ان تكون قوى رمزية وليست قوى جرارة، والمجال يتسع للجميع حتى لا يكون أي حزب هو لغرض الحصول على ترخيص لصحيفة فقط، بل ان يكونوا شركاء فعلا في القرار السياسي ويرتاح الجو السياسي في اليمن أكثر، وفيهم شباب جيدون، لماذا النظام غير مرحب بالتعامل مع هذه المعارضة؟… لماذا التوتر في العلاقة التي بينكم وبين المعارضة؟
ـ السؤال وجيه وجيد غير ان الذي يحكمنا هو الدستور.
* دستور منك؟
ـ لا أنا أقول الذي يحكمنا هو الدستور، والاخوان في المعارضة كلهم متحمسون للدستور وللتعددية السياسية، وحزب الاغلبية هو الذي يحكم، ونحن جربنا الائتلاف والتقاسم مع الاشتراكي ثم الائتلاف مع (الاشتراكي و”الاصلاح”)، وجربنا الائتلاف مع “الاصلاح” فقط فوجدناهم “رِجل في السلطة ورجل في المعارضة”، صحيح يعتبر أمراً جميلاً لما تعمل توليفة لتشكل نموذجا، وكلنا تستوعبنا السلطة… لكن المشكلة لديهم عندما يشاركون في الحكومة لا يلتزمون بالبرامج والقوانين. فما الذي يحصل؟ تتعطل كل الامور وتبقى المشكلة، يحكم معنا في السلطة ويشتغل في الوقت نفسه معارضة، والقضية هي إما ان تكون شريكا في الحكم وتتحمل كل المسؤولية بسلبياتها وإيجابياتها أو تخرج الى المعارضة.
* هل تكرر الامر؟
ـ تكرر الامر اولا بين الاطراف الثلاثة وثانيا مع حزب “الاصلاح” الذي دخل الانتخابات عام 1993 وعام 1997م. فتكررت الحكاية، كنا نتحدث معهم: يا اخوان نحن شكلنا الحكومة من هذه الاحزاب، المفروض نلتزم بالبرنامج لأننا كلنا أقررناه، فما دمنا أقررنا البرنامج في الحكومة يتم الالتزام به، ولا يصح أن تقر معي البرنامج وتشتغل معارضة، لان هذا غير سليم، إما ان نحكم سويا في إطار وثائق وبرنامج ونتحمل المسؤولية، وإما نسير الى المعارضة، فهم اختاروا المعارضة، وفي الحقيقة كنا حريصين على المشاركة الواسعة رغم ان الدستور والقانون يجيز لحزب الاغلبية ان ينفرد بالسلطة طبقا للدستور وبحكم الاغلبية مثل أي نظام سواء كان أميركياً أو بريطانياً أو غيره، فأردنا ان نعمل توليفة لكن هذه التجربة لم تنجح وهذه حقيقة الامر.
* هل صدر منهم ما يوحي بأنهم يراجعون تجربتهم ثم هل تراجعون أنتم تجربتكم؟
ـ نحن ليس عندنا مشكلة اذا التزموا بالبرنامج وما يتم الاتفاق عليه، ومع هذا هم مشتركون على كل حال في كل أجهزة الدولة فيما عدا المناصب التي حددها الدستور وهي الحقائب الوزارية.
* أنا كنت أسأل هل هناك فصل عام بين الحكومة والدولة؟
ـ نعم… هم موجودون في كل مفاصل الدولة ما عدا قيادات السلطة التنفيذية التي هي الوزراء والمحافظون فقط.
* والجيش؟
ـ لا… الجيش غير محزب لا لهذا ولا لذاك، فهو يضم كل أبناء الشعب وهو مؤسسة رائدة للوحدة الوطنية ومحظورة فيه الولاءات الحزبية.
* هل تحس ان هناك مشكلة سياسية في البلد نتيجة هذا الوضع؟
ـ ليس هناك مشكلة مستعصية فهي مسألة رأي ورأي آخر، كل واحد يعتقد ان هناك مشكلة وبعض القوى السياسية تجعل من أي مشكلة قضية سياسية بالرغم انها مشكلة بسيطة.
المؤتمر: الحزب والسلطة
* هل تعتقد ان المؤتمر صار حزباً؟
ـ المؤتمر تنظيم سياسي رائد تتجمع فيه مختلف التيارات السياسية التي تؤمن بالميثاق الوطني وبرنامج العمل السياسي، وهو اليوم منبر يتسع لكل القوى الوطنية، وكل القوى التي جربت الحزبية والانغلاق لجأت الى المؤتمر حيث داخل المؤتمر توجهات متعددة قومية وإسلامية نعتبر انها خلاصة القوى السياسية الوطنية والوسطية المستنيرة.
* هناك سؤال بالنسبة للمؤتمر، انه مؤتمر حزب حاكم وهذا شيء عادي، غير ان هناك وباء كبيرا اسمه أمراض الحزبية، بمعنى ان الانسان عندما يزور أي دولة، خصوصا دولنا في العالم الثالث، ويكون فيها حزب حاكم لديه مقاليد السلطة والدولة موجودة فيه، ينخرط ويعمل معه كثير من الناس المصلحيين والانتهازيين، هل تعتقد ان ذلك يحتاج جهداً لإبقاء المؤتمر صورة للمجتمع اليمني حيث لا يوجد عاطل بدلا من ان يعكس صورة سلبية عن المجتمع اليمني وان يكون المؤتمر رقيبا على السلطة بدل ان يكون هو السلطة في وجه المجتمع؟
ـ فعلا الخطورة تكمن في ان يكون جزء من الحزب يحكم والبقية يراقب وفي ان تكون السلطة رهينة للحزب… فعندما أعيّن وزيرا وأعمل عليه رقيبا حزبيا فهذه هي الخطورة أو الخطأ… وممارسات الاحزاب الشمولية سببت مشاكل ولم تحقق أي نجاح لأنه حينما يعين أي وزير ويأتي ليحاسبه كادر حزبي في داخل الحزب وكأن الحزب هو الدولة هنا المشكلة، وهذه عقلية النظام الشمولي، والاحزاب الموجودة هي على هذا الاساس، فحينما كانت تدخل معنا في الائتلاف يأتي الوزير يقسم اليمين الدستورية أمامي ويشارك في صياغة برنامج عمل الحكومة ويتم الاتفاق على ذلك وغيره من التفاصيل، ويأتي الحزب فيملي عليه خلاف ذلك لان برنامج الحزب يفرض على الوزير الذي يمثله عدم الالتزام، فعندما يسأل يقول “هذه أوامر من حزبي”، فهنا تأتي الخطورة، والمؤتمر ليس لديه هذا الاسلوب ولا يستند الى الحزبية بتعصبها الضيق.
*هل معنى هذا انه بلا رقيب؟
ـ بالعكس عندنا رقابة أهم وأكثر فعالية، غير الرقابة الحزبية، تتمثل في مؤسسات وأجهزة الدولة الدستورية، وهي:
1 ـ المؤسسة البرلمانية: وهي السلطة التشريعية التي تشترك فيها كل الاحزاب وهي المؤسسة الرقابية المشرعة وتملك حق السؤال والاستجواب ونزع الثقة.
2 ـ مؤسسة جهاز الرقابة والمحاسبة وهذه مؤسسة محايدة.
3 ـ السلطة القضائية.
هذه هي القنوات التي تحاسب كل أجهزة الدولة لأنه لو وضعنا جزءا يحكم وجزءا كرقيب في الحزب وهو ما كانت عليه الانظمة الشمولية في كثير من البلدان العربية من دون تسمية… فهذا جانب سلبي… لكن الجانب الايجابي الذي يبعدنا عن عقلية الحزب الشمولي هو ان لا يكون هناك حزب حاكم من دون رقيب وان تقوم بالرقابة مؤسسات الدولة وعلى رأسها السلطة التشريعية والرقابية والتي تتمثل فيها خمسة أحزاب الى جانب المستقلين بالرغم من ان الاغلبية للمؤتمر، وغيرها من المؤسسات التي سبق وان ذكرتها.
* عدد ممثلي الاحزاب يتناقص عما كانوا في الماضي؟
ـ وجودهم لا يتناقص بقرار جمهوري، فهذه برامجهم التي أمام الناخب والناخب هو الذي يقول لا او نعم… وكل حزب له برنامج يقدمه للناخبين.
وأعود الى الاحزاب وبرامجها: عندنا الآن في البرلمان حزب الاصلاح والحزب الاشتراكي والناصري والبعث الى جانب المؤتمر الشعبي العام زائد المستقلين وهذه هي الرقيب… فما هو الافضل هل نقسم الحزب الحاكم الى نصفين، جزء منه يحكم وجزء منه يراقب وندخل في عراك داخل الحزب ويصاب النظام بالشلل، ام نبعد نشاطه الحزبي وأدبياته عن السلطة وعن أجهزة الدولة ونترك قضية الرقابة للمؤسسات المختصة.
* في العادة يتحول الحزب الحاكم الى جمعية خيرية، ولا يعود رقيباً على السلطة، يصبح مورطاً في السلطة؟
ـ الحزب كمؤسسة سياسية من مؤسسات المجتمع المدني والتداول السلمي للسلطة الغرض منه الدفع بالناخبين ليصوتوا يوم الانتخابات! كيف يجمع أصواتا للحزب في أوساط الشعب ويحصد أصوات الحزب والجمهور والانصار، فليس الغرض ان نتعصب ونتقاتل في الشوارع، كأي حزب عقائدي متطرف سواء أكان في اليسار او في اليمين… نحن نريد أمة وسطا، فمهمة الحزب تتجلى في يوم واحد هو يوم الانتخابات سواء الرئاسية أو الانتخابات البرلمانية أو الانتخابات المحلية.
* كم حجم “الاصلاح” اليوم؟
ـ حجمه في البرلمان!.
* قوة شعبية مؤثرة؟ تيار سياسي مؤثر؟
ـ اسأل عليهم فلا أستطيع أن أجيب عليك وأعطيك مقياسا أعلى ولا أوسط ولا أدنى.
* كانوا في فترة من الفترات في موقع الحليف معكم؟
ـ نعم.
* حاليا في أي موقع هو؟
ـ في المعارضة.
* والاشتراكي؟
ـ والاشتراكي في المعارضة وهم مع الاصلاح، وبعض الاحزاب الاخرى يشكلون أحزاب “اللقاء المشترك” لهم برنامج لمعارضة السلطة وهذا شيء طبيعي، وهناك حوار معهم بشكل منتظم ولقاءات وليس هناك قطيعة.
* لا بد ان نمر على الوجع اليمني، الحوثي؟
ـ هو لا يشكل رقما حتى تسأل عليه.
* حركة تمرد منذ شهرين؟
ـ اسأل، لكن أنا أقول لك ليس هو بهذا الحجم الذي تتصوره… تفضل اسأل.
* في ما يتعلق بالصورة الخارجية تقول ان هذا الحوثي الذي انت تسميه متمردا كان حجمه صغيرا… فسوء إدارة الموضوع وبالتحديد في الجانب العسكري جعله كبيرا وجعله يستقطب قوى وأطرافا لم تكن معه في البداية… وأصبح اليوم اكبر بكثير من مساحة انطلاقته. هذا الكلام موجود: ان هناك سوء ادارة في التعامل مع هذه الظاهرة وان السلطة حملته اكثر بكثير من حجمه في المعنى السياسي والفكري مما جعل حجمه الآن كبيراً… وفي نظر الناس فإن دولة مركزية بكل اجهزتها وجيشها وجماهيرها لا تستطيع القضاء على هذه العصبة، فتحولها الى ظاهرة سياسية كبيرة… ويشعر الواحد أحيانا بالتعاطف معها لان الجيش في البداية كبرها أكثر من حجمها لأغراض سياسية، فلما عجز عن قمع هذه الظاهرة انتشرت شعبيا وصار لها مريدون ومتعاطفون ومويدون لمّت كل معارضي السلطة… لماذا تركتم هذه الظاهرة تتعاظم وتكبر وتزداد حجما؟
ـ التحالف الاميركي الدولي في العراق حوالى 36 دولة، كل يوم يشنون هجمات على مقتدى الصدر وهو في مكان محدود لا يتجاوز الامتار، فمن هو الصدر أمام 36 دولة… ومع ذلك لم تحل المشكلة مع الصدر.
* هذه مشكلة محدودة لم تحلوها حتى الآن.
ـ الحوثي هو شخص نقول عليه متمرد خارج عن الشرعية خارج عن طاعة ولي الامر… لأننا بلد إسلامي علينا أن نطيع ولاة أمورنا (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم) فطاعة ولي الامر واجبة… وهو لم يتجاوب مع ولاة الامور في التواصل مع السلطة المحلية في صعدة ولم يستجب لهم ليعرفوا منه ماذا يقوم به من أعمال في المنطقة، لقد رفض فرفعت القضية الى الحكومة وطلبنا من الحكومة التواصل معه فرفض، فهذا الرفض كله الى جانب المعلومات المتوفرة أوجد لدينا قناعة بأن عنده شيئا يخفيه وان هناك خطورة ليس اليوم لكن ربما للمستقبل، تابعنا الحوار معه لإقناعه مدة حوالى سنة ونصف السنة ليسلم نفسه وهو آمن ومطمئن، وذلك لغرض ان نستفسر منه عن الاشياء التي يقال انها موجودة عنده، وان لديه ميليشيات، ودراسات معينة، وتحصينات دفاعية، ومالا واقتناء أسلحة، فهذه المعلومات كانت بحوزتنا، فنتيجة لعدم تجاوبه جعلنا نعتقد ان هناك شيئا ما وإلا لماذا يتمرد؟ فلو كان بريئا كان استجاب ودحض كل هذه المقولات، اتخذنا القرار بالحصار عليه وتطويقه لكي يسلم نفسه، فعندما بدأ التطويق قام بالعدوان المسلح على الجيش والأمن ففرض على الجيش والأمن الذي كان يحاصره، فرض عليهم القتال برغم انه لم يكن هناك قرار بالقتال بل ان القرار هو تطويقه لكي يسلم نفسه، وكانت الوساطات مستمرة، وبين وفود الوساطة اخوه عضو مجلس النواب لإقناعه بتسليم نفسه فرفض، فأصبح مفروضا على القوات ان تتعامل مع هذا الوضع. طبعا المنطقة محصورة الآن في “العزلة” التي حدث فيها التمرد… بعد ان كانت مديرية كاملة اسمها مديرية حيدان، فعندما جاءت قوات الأمن والشرطة طوقت المنطقة وحاصرتها في “عزلة” محدودة تعرضت فيها قوات الأمن والجيش الى اعتداءات متكررة، مما فرض على القيادة العسكرية والأمنية والسلطة المحلية إنهاء التمرد والسيطرة على المناطق والمرتفعات التي كان يحتمي بها أو يسيطر عليها الحوثي… الذي أجبر أصحاب المنطقة على القتال معه مكرهين، وكلما حاولوا ان يستنجدوا بالدولة أو يقنعوه بالتسليم قتلهم، لقد قتل بعض الشخصيات المهمة من أصحاب المنطقة الذين حاولوا إقناعه بتسليم نفسه وان يجنب المنطقة الخراب والدمار، وبالنسبة للتعاطف لديه مجموعة ثانية في بعض المناطق، وعندما يسألون لماذا لا تسلمون أنفسكم للدولة وتلتزمون بالنظام والقانون يقولون: “لم يأمرنا سيدي حسين نفسه”. وستتضح الحقيقة بعد أيام قليلة وهو ليس كما يقال انه ادعى الإمامة لكن هو أكثر من ذلك: انه يدّعي انه المهدي المنتظر! وهذه أخطر من الإمامة… أما المتعاطفون معه فمنهم السياسيون المتضررون من النظام، وليس حبا منهم له، فكلهم يكرهون الحوثي ويريدون القضاء عليه، لان لهذه القوى السياسية إشكالات مع النظام، فبعض الانفصاليين من الاشتراكي وغيرهم لهم إشكالات مع النظام لأننا أنهينا الشطرية وأنهينا الانفصال ولم يكونوا مستجيبين لما يريده النظام، هذا اولا، و”الاصلاح” الذي كان حليفا للسلطة وكان شريكا فيها وكان يسيطر على عدد من المعاهد العلمية يدرس فيها ويستفيد منها سياسياً، فعندما اتخذت الحكومة قراراً بتوحيد التعليم الأساسي ليكون لدينا تعليم واحد لا تعليمان، صارت لديه مشكلة مع السلطة.. فبالرغم أنه أصلاً ضد الحوثي، لكنه طالما أن الحوثي مختلف مع السلطة فلم يحدد الإصلاح موقفاً واضحاً منه.
* يقولون انه بسبب الشعار “لا لأميركا لا لإسرائيل”؟
ـ هذا كلام غير صحيح.
* والاشتراكي دخل شريكا ثم خرج معارضا؟
ـ عندما خرج بعد الانفصال خرج الى المعارضة ولم يدخل في انتخابات 1997م. ومن ثم اقتنع ودخل انتخابات 2003م. وحاورناهم وجلسنا مع الاشتراكي ومع المعارضة وقلت لهم: أحسن شيء أن تشكلوا تحالفا واحدا كأحزاب معارضة، فشكلوا اللقاء المشترك وكان المبعوث إليّ من الاحزاب الاستاذ جار الله عمر.
* من الذي قتله؟
ـ الذي قتله واحد من الارهابيين المتطرفين، ومحاكمته علنية يمكن ان تطلعوا عليها وكنت قد قلت لجار الله عمر: أنتم جالسون كأحزاب متعددة وكل واحد عنده برنامج، يمكنكم أن تعملوا برنامجا وتكونوا حزبا واحدا معارضا، فلم يتفقوا على ان يشكلوا حزبا واحدا فشكلوا تجمعا وسموه (أحزاب اللقاء المشترك) كل واحد ينطلق من (لكم دينكم ولي دين)، كل واحد له برنامج لوحده، وفي النهاية وجدوا نقطة التقاء حول أي شيء ضد السلطة وهو ما تم الاتفاق عليه بينهم ورحبنا بهم.
العلاقات مع العرب: العراق!
* كيف علاقتكم مع السعودية ومع ايران؟
ـ علاقتنا مع السعودية جيدة جدا وكذلك مع ايران.
* مع من ليست جيدة… مع اريتريا؟
ـ وجيدة مع اريتريا.
* العراق اين موضعه؟
ـ العراق مريض ومحتل ونحن نتابع الوضع ونتمنى له العافية والتحرر، ولا أحد يستطيع ان يحل مشكلة العراق لا الولايات المتحدة الاميركية ولا قوات التحالف ولا دول الجوار… وحدهم العراقيون أنفسهم يستطيعون اذا ما اتفقوا في مؤتمر وطني يضم كل التيارات السياسية وكل التوجهات ويضمن إصدار قرار موحد، فهذا ما نتمناه للعراق وللعراقيين.
* ولكن كل محيط هذا المؤتمر جثث؟
ـ أنا أتمنى اذا انعقد هذا المؤتمر ونجح ان يمنع سقوط الجثث لان المؤتمر يجب أن يكون مؤتمرا وطنيا يمنع سقوط الضحايا ويحدد الرؤية فهو الذي سيفشل كل المؤامرات.
* هناك مبادرة سعودية تضمنت إرسال قوات عربية وإسلامية للعراق… هل تفهم على انها غمزة تجاه جورج بوش في فترة الانتخابات ومحاولة التخفيف عليه… أنتم أصدرتم تصريحات الى حد ما ترحب بها ومصر كذلك؟
ـ لا هذا غير صحيح، الاخوان في السعودية لهم وجهة نظر ونحن لنا وجهة نظر. نحن اتخذنا قراراً هو انه لا يجوز ان نشارك في أي قوة تساعد الاحتلال، لكن في حالة انتهاء الاحتلال واذا ما طلب الشعب العراقي بمختلف قواه الوطنية في إطار مؤسسة شرعية ان تأتي قوات إسلامية أو دولية أو عربية تساعده وعبر الجامعة العربية أو منظمة المؤتمر الاسلامي، في هذه الحالة نحن حاضرون وهذا واضح، لكن في ظل وجود الاحتلال لا يمكن بأي حال من الاحوال أن نذهب.
* الانسان يعجب بحضور البديهة لديك على قدر ما انت مشغول ومهموم فلديك جواب جاهز، ثانيا العفوية نحن كنا معجبين بالحركة مساء امس ونحن نتابعك في التلفزيون، تابعناك وانت تتسلق الجبال والقلعة في تعز، ما شاء الله صحتك جيدة وحركتك جيدة وأهم شيء صراحتك؟
ـ شكراً.
* 26 سنة حكم ما تعبت؟
ـ لا والله تعبان… وأنا بعد نهاية الفترة الرئاسية يمكن أترك الرئاسة.
* هل ترشح نجلك أحمد؟
ـ لا… أترك الرئاسة للمؤسسات والهيئات والاحزاب السياسية.
* ما رأيك في النظام الجمهوري الملكي الذي صار في الدول العربية، جئنا الى صنعاء قبل سنتين في مؤتمر (كتاب في جريدة) رحنا الى الشيخ عبد الله الاحمر، لأننا نحبه… رحنا اليه في المجلس وصحبناه الى البيت، سألناه سؤالا مشابها قال (الله يطول عمره جورج بوش الاب، هذا أرقى نظام ديموقراطي في العالم، جاء ابنه يحكم أميركا وهذا ما يحدث، الله يرحمك يا حافظ الاسد عمل التجربة على ابنه ونجحت، وهذا القذافي يحضر ابنه وهذا صدام يحضر ابنه، حسني مبارك يحضر ابنه، لماذا لا يكون أحمد علي عبد الله صالح).
ـ لكن بالنسبة لنا نحن بلد ديموقراطي وبلد يختلف عن الآخرين، ليس هناك محظور ان يترشح هذا أو ذلك… لكن نحن لا نحبذ هذه العملية، نحن نحبذ ان نترك الاختيار للشعب، والشعب عنده تعددية حزبية وعليه ان يختار له رئيسا.
* يمكن المؤتمر ينتخبه؟
ـ أنا أقول ليس هناك حظر دستوري، ولكن لست مرشحا له ولا هو سيرشح نفسه، وهذا رأيي القاطع وفي نهاية الامر هو كمواطن حر مثله مثل غيره، لكننا نرفض التوريث في إطار نظامنا الجمهوري.
* المشكلة في تقديرنا ان الحاكم العربي عموما لم يجد نظاما حتى الآن يحفظ له كرامته بعدما يتخلى عن السلطة؟
ـ هذا موجود في لبنان فأمين الجميل موجود وهي تجربة جيدة.
* هو موجود والياس الهراوي موجود، كان الرئيس الراحل شارل الحلو موجودا الى ما قبل فترة، ثلاثة رؤساء سابقين؟
ـ عدم بناء المؤسسات السليمة النظيفة التي تضمن للملوك والامراء والرؤساء كرامتهم بعد تخليهم عن السلطة هو الذي سيجعل الاوضاع كما هي عليه… والحل هو البناء المؤسسي والمشاركة الواسعة للشعب، وواضح عندما نقول تشكل مؤسسات.. فلا يجب أن تكون صورية، والانظمة يجب أن تتيح الفرصة وتعمل تعددية سياسية وتقيم عملا مؤسسيا بشكل جيد وفي اطار التعددية والبرامج ليتعود الناس على المنافسة وحق الاختيار والتداول السلمي وأفضل من المؤسسات الصورية، فإذا بنيت مؤسسات صحيحة فهي ضمانة للحكام بعد ان يتركوا الحكم ليس الى المنفى أو الى القبر وهذا ما لا نريده… نريد لهم خيارا واحدا هو ان يتركوا السلطة ويخرجوا مواطنين صالحين يستطيع الواحد منهم ان يعيش حياة اعتيادية، يذهب الى البحر يتجول في المتنزّه ويصعد الى الجبل.
* ويلتقي بناس يحبونه من قلوبهم وليس لأنه في السلطة؟
ـ نعم هذا هو المطلوب.
***
كانت لدينا اسئلة كثيرة بعد، خصوصا في جو الرحابة الذي يشيعه هذا الرئيس الذي تحار في أمره ثم تريح نفسك بأن تعتبره “شيخ اليمن”، أي ما فوق “الملك” و”الإمام”… بل لعله “ملخص” اليمن السعيد.
مقابلة نشرت في “السفير” في 19 آب 2004