عن إسلام »فرقان« وأميركية السادة العلماء!
» سجِّل عندك: اكتشف رجال الدين المسلمون أميركا!
.. وهم يجوبون أنحاءها عشية القرن الحادي والعشرين الميلادي، أي القرن الخامس عشر الهجري، من أقصى الحدود مع الجليد الأبدي إلى آخر نقطة وصل إليها مستكشف إسباني أو برتغالي أو عصا فيها هندي أحمر!
.. وهم يتسابقون على الجاليات العربية هنا يدخلون إليها من باب الله والدين الحنيف حيناً ومن أبواب أخرى عديدة في غالب الأحيان!
ولأنهم في سباق فإن »المعارك« في ما بينهم محتدمة، و»المؤمنين« ضائعون، يدفعهم احترام الثوب الديني إلى احتضان »السادة العلماء«، ثم تنفرهم الصراعات والخلافات بين أصحاب العمائم، وهم لا يعرفون لها سبباً فينفضّون عنهم ولسان حالهم يقول: ج»يناك يا عبد المعين…«.
طلبت للصديق العائد من زيارة »عربية« للولايات المتحدة الأميركية فنجان قهوة، وأشعلت له لفافة تبغ ثم رجوته أن يوضح لي الأمر بهدوء وبلا انفعال.
قال: حسناً، سأروي لك واقعة واحدة كنت شاهداً عليها.
كانت المناسبة لتأبين فقيد عزيز وذي مكانة، وقد أقيمت في المسجد، إذ ثمة قاعة فسيحة للمناسبات ملحقة به. وكان ستة من العلماء الأفاضل يتصدّرون منصة الكلام قبل أن يصل ضيف الشرف، إن أحببت أن أسميه كذلك الداعية الإسلامي والزعيم الأسود لويس فرقان (أو فرخان)..
أتصدّق كان هذا الأميركي الأسود الآتي من البروتستنتية إلى الإسلام عن طريق داعية مزعوم هو الييجا محمد، أصدق إسلاماً، وأنضج فكراً، وأعظم إيماناً من مجموع »السادة العلماء«،
.. مع فارق جوهري: انه كان يتحدث عن إسلام الناس، عن المستضعفين وموقعهم من الإسلام وواجب المسلمين تجاههم، بينما راح أصحاب العمائم يهومون في فضاء الكلام الذرب والغيبيات والأحاديث المنسوبة إلى مَن لا يمكن أن يقول مثلها،
لمس فرقان، مثلاً، العلاقة بين السود الأميركيين والمسلمين الوافدين بشكل صريح ومباشر وعملي، أي يتصل بالواقع المعيش.. قال مخاطباً جمهوره من العرب:
»لنتفق أنكم لم تجيئوا إلى هذه الأرض البعيدة لنشر الدين الإسلامي بل هرباً من ضيق الرزق في بلادكم، وفي محاولة لتحسين أحوالكم الاقتصادية. على أن إيمانكم يفرض عليكم قدراً من المسؤولية تجاه إخوانكم السود، هنا، الذين اهتدوا مؤخراً إلى الإسلام. وأنتم ترون في أي حال يعيش إخوتكم هؤلاء، إنهم مضيّعون في فقرهم بالجريمة والمخدرات في أحيائهم المزدحمة والقذرة. إنهم على ما كان عليه العرب في الجاهلية. ولأنكم »كنتم خير أمة أخرجت للناس« فعليكم المحافظة على الدين ونشره صحيحاً، وبسيطاً كما جاءت به رسالة النبي محمد.
»ولنتفق أيضاً اننا لا نطالبكم بحلول للمشكلات الهائلة في أميركا، ولكن يمكنكم إذا أحسنتم الدعوة وصدقتم إخوانكم السود أن تساعدوهم بالامتناع عن بيعهم الخمور والمخدرات، وبنصحهم وإرشادهم لإبعادهم عن عالم الجريمة، وبتقديم المثل الصالح في الابتعاد عن الفحشاء، والمساهمة معهم في خلق مجتمع جديد، صحي ونظيف بالإيمان.
»ثم صرخ فرقان بالجمهور الذي كان مصعوقاً بهذا الخطيب المفوه، ذي المنطق القوي، والذي تنضح كلماته بالصدق والمرارة:
» لا تبيعوا شعبي الخمور ولحم الخنزير والخمرة والمخدرات.
أوليست هذه من المحرمات؟! لماذا تمتنعون أنتم عنها وتعرضونها على الزنوج البؤساء؟!
ثم.. لا تخاطبونا من خلف زجاج مصفح، مفترضين أن كل زنجي قاتل إلى أن يثبت العكس.
وأخيراً، كفوا عن التعرض للجميلات من فتياتنا، خصوصاً أنكم لا تريدون من التحرش بهن التعارف بقصد الزواج، بل بعد أن يقضي واحدكم من السوداء وطره يلقيها في الشارع!«.
كانت حبات من العرق تتدحرج على جبيني وأنا أستمع إلى صديقي وقد أكبرته على انفعاله الصادق، وقبل أن أعلق أضاف يقول:
» قبل فرقان كان بضعة من أصحاب العمائم قد تعاقبوا على الكلام فرووا من القصص الخرافية والحكايات التي لا يقبلها عقل والأساطير التي تسيء الى الأنبياء وأولياء الله الصالحين ما لا يقع تحت حصر… كانوا غرباء عن العصر غربتهم عن المنطق وكانوا، عملياً، يحتقرون عقول سامعيهم، وكانوا يلحقون برسالة الإسلام أذى عظيماً!
»ونعود إلى فرقان الذي روّج له الأميركيون، ولأسباب سياسية، صورة مشوهة فصدقها العديد من العرب، وباتوا ينظرون إليه على أنه مجرد »صرعة« أميركية جديدة، أو مجرد مرتزق اختار الإسلام »عدة شغل« للنصب على العرب وابتزازهم أو دغدغة مشاعرهم الدينية لكي يعطوه بعضاً من مالهم.
»والله انه أشد إسلاماً من أمراء المؤمنين عبر التاريخ!
ثم انه أنضج سياسياً من معظم المفكرين العرب، وليس من سلاطينهم فقط.
»لقد سمعته، مرة ثانية، يتحدث عن تجارة العبيد، فيقول موجهاً كلامه إلى جمهور عربي: نعم لقد عمل العرب في تجارة العبيد… وعمل في هذا الحقل بل كانوا الرواد غربيون وافدون من معظم دول أوروبا. كذلك فقد شارك بعض العبيد في هذه التجارة الحرام. تلك وقائع تاريخية لا يفيد أن ننكرها. إنها جرائم حصلت في زمن مضى، ولسنا هنا الآن لنحاسب عليها.
»المهم أن ننتبه إلى مستقبلنا فوق هذه الأرض الأميركية. إنكم، أنتم العرب المسلمين، مطالبون وتقدّرون، فهيا لنتعاون معاً، ساعدونا بإسلامكم على ممارسة إنسانيتنا وحقوقنا فنغيّر الكون. علينا التركيز على ممارسة حق الانتخاب. هيا سجلوا أنفسكم. لنكون قوة، يجب أن نصل إلى الكونغرس والبيت الأبيض. لا بد لنا من الانخراط في الحياة السياسية. إن التحالف طبيعي بين العرب والسود، ومعهم الوافدون من الصين والكوريتين وأنحاء أميركا اللاتينية.
العرب المسلمون مع السود، وبقوة الإسلام الصحيح، يمكنهم ان يكتبوا التاريخ الجديد للعالم الجديد انطلاقاً من هنا«.
صمت صديقي قليلاً قبل أن يختم كلامه قائلاً:
» ولكن أين الإسلام الصحيح؟! وإذا كان الأمر متروكاً لأمثال من صادفت هناك، أو للعديد ممن نصادف هنا من »السادة العلماء« الذين يفضحهم ويفضحنا جهلهم بالدين كما بأسباب الحياة، والذين يعملون ويعيشون بالفتنة وبث الفرقة بين المؤمنين، والذين لا يعرفون أصول اللغة العربية فيلحنون ويخطئون في قواعد الصرف والنحو، عدا عن أن أحداً منهم لا يعرف لغة أجنبية، وبهذا فهو يحرض على انعزال المتحدرين من أصل عربي عن المجتمع الذي باتوا الآن منه والذي لا بد لهم من قدر من الاندماج فيه..«.
كتابة على عيون الليل في صحراء الشعر!
صار للصحراء عيون. صارت تَرى وتُرى..
صارت الصحراء تنطق ليلاً فتقول الشعر. مقفى وموزوناً، وربما فرطته فصار مثل قصيدة النثر!
من قلب العتمة تنبثق عيون الضوء، تتراصف مستطيلة أو تتكاتف مربعة لترسم كما الخطوط الهندسية الشوارع والبيوت الموزعة في أحياء حدودها مدى النور.
والنور يتقطر حتى يذوب كخيال شاعر، بينما البيوت التي تنتظم كأشطار القصيدة ستظل خرساء إلى أن يمر عليها ظل امرأة فيترنم بها سراة الليل.
كلما تكاثرت عيون الليل كان ذلك تأكيداً ان هذه الأرض الجدباء كانت حبلى، وها هي غزيرة الولادة الآن، تفيض نضاراً لناس غير الذين أحبوها فاحتملوها وتغزلوا حتى في جدبها ولم يغادروا هرباً من مواتها بل ظلوا يتجولون ويحفظون بعيونهم بقع الخضرة فيها.
لكأنها نوافذ في جدار العتمة الصلد، تشهد للذين عاشوا فيها من قبل. لقد صارعوا الصعب حتى غلبوه، بلحمهم الحي، بإرادتهم العارية، بفقرهم المدقع، وبقلوبهم المشرعة على الحب.
الأسماء فضّاحة، انها تدل على »طبيعة« الأمكنة وظروف الحياة فيها أكثر مما هي معالم جغرافية: الدمام، المحرَّق، المنامة، حائل، الجوف، حفر الباطن، الدوحة، المنامة، العقير الخ…
وأنت في الطائرة معلق بين العتمتين، ترسل بصرك كشافاً فيرتد إليك خائبا بعدما يصطدم بآخر المدى ولا أثر للحياة، ثم فجأة تنبثق الأرض (والناس) كأنما من خارج الأرض.
تتعرف من محارق الغاز، ثم من المرفأ النفطي الفخم، الى الظهران.
ولا تتوقف عينك عند الحدود بل تتخطاها بغير قصد إلى المحرق فالمنامة في البحرين: مسافة ما بين الحاجبين، مع ذلك فقد أمكن أن يفصل »الضوء« المدى الى دولتين.
وثمة خط من الضوء الشاحب على الطرفين، اللامع في الوسط، يربط بين »الأرضين« من فوق »البحرين«: ذلك هو جسر السكارى… عتمة ما قبل المغادرة، وعتمة ما بعد الإياب، وفي المنتصف ذروة الانتشاء ووهدة الشقاء بانقضاء إجازة اللذة الحرام.
الألوان بيضاء، صفراء، برتقالية، وقليلة هي الحمراء، وبعضها الأقل زرقاء، تخترق السواد والدثار السميك لليل الذي يوحد البحر والسماء، تاركا هامشاً ضيقا ًلطائرة تجتاز مصادر الثروة التي تعلن عن نفسها بناتجها، فالمولود يحفظ نسب الوالدة ويؤكدها.
لقد أزهر اليباب، يمكنك أن تغادر الأوهام إلى النوم!
تهويمات
قال مبتئساً:
لماذا لم أعرفكِ من قبل؟! لقد وصلنا إلى المحطة بعدما غادرها القطار..
قالت: إذن تحملني وأحملك فنصل، تفقد قلبك إن كان بعد سليماً فلا تخاف الضياع!
* * *
قالت: متى موعدنا التالي؟ أتريد أن نحدّده الآن أم نتركه ينبثق من قلب المصادفة!
قال بلهفة: ما رأيك أن نحدد للمصادفة موعدها!
وتدخلت المصادفة لتسألهما: وماذا عن الآخرين الذين يطلبونني ويمكثون دهراً ينتظرون! وداعاً، سأصادفكما مرة أخرى!
* * *
قالت: أعرفك ولا تعرفني، فلماذا حرجك!
قال الحرج: وهل من الضروري أن تستخدماني ذريعة!
* * *
عندما يفقد الرجال الأمل في نيل النساء المشاركات في اللقاء يتدفقون بالنكات الجنسية المكشوفة، كأنهم حسموا أمرهم فقرروا: كلنا سواء، جنس واحد!
من أقوال »نسمة«
قال لي »نسمة« الذي لم تُعرف له مهنة إلا الحب:
ليس الحب عالماً خرافياً لا يدخله الناس إلا متى غابوا عن الوعي. حبيبي هو العلم والمعرفة والرغبة في مزيد من الثقافة. الحب فسيح كالفضاء، يتسع للناس جميعاً، ويرتقي بهم جميعاً. وحين أقول إن حبيبي هو الناس، فلا يختزل في شخصه أفضل ما فيهم، من تذوق الشعر والموسيقى، الى الإقبال على التعلّم دائماً، إلى متابعة آخر مبتكرات الثورة العلمية الهائلة، إلى الأخذ بيد الضعفاء والمساكين ومساعدة المحتاجين.
لولا خوف الغلو لاعتبرت الحبيب في مرتبة الأنبياء.