عن فندق الأسرار الحربية والكلاب الأميركية والصقور العربية
يوم ان كانت الصحافة محاولة للمعرفة، وكان متاحا للصحافي أن يسأل وان يساعد في صوغ الأجوبة، كان له على امتداد هذا الوطن العربي الفسيح »بيت بمنازل كثيرة«،
كانت الفنادق، في كل من القاهرة والجزائر وبغداد والكويت ودمشق وبيروت، »أحزابا«، فكل صحافي »ينتمي« الى هذا الفندق أو ذاك، أو أن »الفندق« يصير أشبه »بالموقف« لا يدخله ولا يستقر فيه أحد بمحض المصادفة، بل بقصد مقصود، وكأنه يعبّر عن رأيه!!
نزلاء »هيلتون النيل« مختلفون أشد الاختلاف عن سكان فندق »شبرد«، وثمة حزب ثالث كان يبتعد »متقدما« نحو »شيراتون«، أما »المحافظون« فكانوا حكماً يرابطون في »سميراميس« القديم ويتوزعون بين صالونه الثقافي مساء وبين »نايت اند داي« ليلاً، ليستقبلوا ساعات الفجر من فوق سطحه الذي يهدهده صمت النيل المهيب فيأخذ أهله إلى النوم وما هم بسكارى..
فندق »الأوراسي« في الجزائر للعامة، أما الخاصة فلهم »السان جورج«، وللضيوف من ذوي المكانة »الميثاق«، في حين تحشد وفود المناسبات التاريخية في قصر الصنوبر.
في طرابلس كان »قصر ليبيا«، بداية، ومعه »الودان« لفترة، العنوان الأكيد لجميع الضيوف من رسميين ورجال أعمال وثوار وانتهازيين وصحافيين ومَن كان على باب الله.. ثم بعد إقامة »فندق الشاطئ« بات هو »دار الضيافة«، إلى أن قهره وحلّ محله »الفندق الكبير«،
في العراق كانت بدايات العز محصورة في فندق »بغداد«، في حين خصص »الأمبسادور« للأقل أهمية… ومع فورة النفط ونزوات »بيسمارك العرب« شيدت على عجل مجموعة ضخمة من الفنادق أشهرها »فندق الرشيد« الذي كان أشبه باستديو داخلي لحرب الخليج الثانية، حيث فيه ومنه تفرج العالم على سقوط »بروسيا العرب« المزعومة ما بين طرفة عين وانتباهتها، ولم تثبت على الشاشة إلا صور جنازات الأطفال العراقيين الذين قتلهم الجوعان: الجوع إلى الرغيف، وجوع الحاكم إلى الألوهة!
في دمشق وحتى نهاية السبعينيات تقريباً كان »أمية« هو فندق أبناء العز، و»سميراميس« يجتهد لوراثة »قصر الشرق« الذي كان له مجده التليد من قبل، في حين كان الضيوف الرسميون، لا سيما »أبطال« الحرب الأهلية في لبنان، يمضون »ما بين اللقاءين« في نادي الضباط.
وحين أقيم فندق »شيراتون«، الذي احتفل الاثنين الماضي بعيد ميلاده العشرين، بدأت حقبة جديدة في تاريخ السياسة العربية المعاصرة، والصحافة العربية، واللبنانية خاصة، من باب الاستطراد!
وبرغم أن الفرنسيين كانوا حاضرين عبر فندق »ميريديان«، إلا أن السياسة ظلت ترابط في شيراتون، باستثناء ما يرافق زيارات الرؤساء الفرنسيين (ميتران ثم شيراك) أو كبار المسؤولين كوزير الخارجية أو أولئك الذين بلا أسماء.
تزامنت إطلالة »شيراتون« مع انعقاد القمة الثانية للصمود والتصدي التي أنشئت على عجل للرد على زيارة أنور السادات للقدس المحتلة (1977)، وقد ضمت كلاً من ليبيا (وفيها تم التأسيس للجبهة) وسوريا والجزائر ومنظمة التحرير الفلسطينية والعراق الذي سرعان ما انسحب منها بذريعة رفضه القرارات الدولية المتصلة بالصراع العربي الإسرائيلي!
لم يكن الفندق »حربياً«، بأي معنى من المعاني، لكن فيه، ما بين الردهات والجناح الرئاسي، والأجنحة الأخرى والغرف الأنيقة، كُتبت فصول كثيرة من سيرة الحروب العربية العربية، وبالذات سيرة الحرب اللبنانية المتعددة الوجوه والمراحل والأبطال، ومعظمهم معروف وأقلهم حجبت خطورته اسمه وإن لم تحجب دوره!
أما في ما بين المطاعم والنادي الليلي فقد نشأت قصص حب عديدة، عدا عن المغامرات والتحرشات التي كان على الدوام أحد طرفيها »نجماً« معروفاً بينما كان الطرف الثاني في الغالب »فراشة« تحب الاحتراق بضوء المشاهير.
ولو قُدّر للفندق أن يكتب يومياته السرية لعرف الناس الطريف والمثير عن بضعة من وزراء الخارجية الأميركيين وأشهرهم »ملك البيتزا« وارن كريستوفر، الذي أقام فيه أكثر مما أقام في بيته ما بين 1992 و1996.
أما من لبنان فقد عرف الفندق معظم الرعيل السابق من السياسيين المخضرمين الذين كانوا يتوهمون أن الحرب »اشتباك« استطال أكثر مما يجب، كما عرف »الجيل الجديد« من أبطال الحرب التي رغب بعضهم وعمل لكي لا تنتهي، ولعله ما زال يعمل لهذا الهدف حتى الآن.
اللجنة الثلاثية. الوسطاء الدوليون. الوسطاء العرب. الموفدون الرسميون برسائل خاصة… وطبعاً الصحافيون الآتون من كل مكان، لا سيما في فترات التفجر، وبالتحديد عندما تكون إسرائيل طرفا مباشرا في »الاشتباك«.
ومع أن »الكلاب البوليسية« التي كانت تصحب الوزراء الأميركيين تظل أطرف الزبائن والأغلى كلفة، إلا أن الفندق الذي حافظ باستمرار على مستواه الجيد، قد استقبل بالمقابل أسراباً من »الصقور« التي كان يأتي بها (أو يشتريها) غواة »القنص« من عرب الجزيرة والخليج الذين يجيئون إلى »البادية السورية« سعياً وراء الرها والغزلان والنادر من حيوانات الصحراء.
* * *
من فندق شيراتون جاء الكثير من »زعماء« اليوم والرؤساء، وفي فندق شيراتون كتبت فصول من قصة 6 شباط الشهيرة.
ولفترة شهدت أجنحة الفندق جولات مقامرة صاخبة بينما كانت أجنحة أخرى تشهد جولات مقامرة صامتة، لكن نتائجها سرعان ما دوت في أنحاء لبنان مصطنعة له بعض صفحات تاريخه الحديث.
كثير من التحالفات العجيبة، الشبيهة بتزويج الذكر من الذكر، تمت في هذا الفندق المثقل بالروايات المذهلة للتاريخ السري للحرب اللبنانية،
من 17 أيار 1983 إلى 6 شباط 1984 الى الاتفاق الثلاثي (1985)، وبينها مؤتمر جنيف، ثم مؤتمر لوزان، كان فندق شيراتون أشبه بالمسرح، يتبدل فوق خشبته الممثلون، لكن الرواية المكتوبة ارتجالاً (في ما يبدو للمشاهد) والمحبوكة جيداً في الكواليس، تستمر فصولاً، وتتواصل معها المفاجآت المثيرة.
وبرغم أن الكثير من »الكبار« انتقلوا في فترة لاحقة إلى فيلات في المزة، أو إلى »أقبية« لها حدائق في بعض أرقى أحياء دمشق، إلا أن فندق شيراتون بقي أرض اللقاء بين المغامرين والمقامرين والعشاق والمطربات والمطربين وسماسرة الحرب والثوار المتقاعدين والباحثين عن دور أو المقدمين أنفسهم كبديل من المقصر أو المتغيّب أو من شُغل بنفسه عن »القضية«، أو من انتبه إلى أصله »السوري« أو البعثي« متأخراً، فارتضى بنصيبه من الغنيمة ولو كان قليلاً لأنه أفضل من أن يظل يمضغ اللاشيء والعبث في بيروت.
هل من روائي عظيم يكتب »القصة الداخلية« للحرب اللبنانية وللعلاقات الدولية، وللمماحكات العربية، انطلاقاً من هذا الفندق المهيب المبني على طراز قلعة حلب، والذي توارت صورة شركته الأميركية التي تتولى إدارته بالحصة، في خضم التحولات الهائلة التي عصفت وتعصف بالمنطقة في هذه المرحلة من تاريخه التي تكاد تخرجها من التاريخ؟!
عشرون عاماً لشيراتون دمشق: إنها عصر عربي كامل!
من يرسل الفرح إلى ذاته.. ولو قليلاً؟!
أخضر لون الفرح، وبه لثغة شمس عسلية. يزهر الفرح في الطرقات وعلى السطوح وفي حنايا الصدور وفي أصص الحبق على الشرفات، ويتوهج بتلك التأتأة الطفولية تبتدع للاسم رؤاه المطلق.
يطل الفرح بدراً يرسم بالضياء الناعس ملامحك التي تختزل وجوه الذين عاشوا الحب وللحب وفي الحب وبالحب، حتى تماهوا بالناس فصاروهم اكتمالاً.
ينثر الفرح عطر ياسمين وتغاريد كناري وشحارير وحساسين مزركشة كزغرودة الجدة التي بك تستعيد دفء صباها.
يدق الفرح أبواب البيوت المقفلة بالصد، يروي العطاشى، يمسح حزن الأيتام، يرمي بذور الأمل في الوجوه التي أذبلها القهر.
يذهب الفرح إلى الأطفال الذين لم يعرفوه، فلا يغادرهم ولا هم يغادرونه، ويصير لهم وطناً.
يرف الفرح بجناحيه، يمسح عرق المتعبين ويرفعهم معه في اتجاه الأمنية فيزرعهم فيها، ويكشح اليأس والذلة والتفاهة فاتحاً باب الأمل لكل الذين يستحقون الحلم بالغد.
لا يفرح الفرح بنفسه.
مَن يحمل الماء إلى النبع؟
مَن يروي خضرة العينين بماء العيون فيصير للفرح عيد ونشتعل فيه شموعاً قبل أن نرسله إلى ذاته.. ولو قليلاً؟!
أصمتُ لكي لا تسمعي الآي
لا تستقرين ولا تستقر حدقة العين، تعابثينها فإذا ما احتضنتك مرقتِ منها الى نهم العيون الأخرى، وإذا ما تجاوزتك إلى غيرك سددت عليها باب الضوء، ورميتها في دوامة الانبهار، وتركتها تجذف داخل ابتسامتك المتحفظة، لا تريد أن تغادرها ولا تقوى على مواجهة التحدي فيها.
* * *
نتبادل التجاهل حتى لا يرى واحدنا إلا الآخر.
تحادثينني في غيري
وأصمت لكي لا تسمعي الآي،
ولا يصلنا من المغني الرديء إلا المعنى فيفتح كوة للتمني.
لكن الحر ثقيل الوطأة،
والصالة مزدحمة بالرغبة المكسورة.
يكفي الآن ما لم نقله،
حتى لا تلتهم طيور الليل ما كان ينبغي أن يقال..
تنساب الخطوط جسداً ثانياً،
تتعرّج مرتفعة فوق مكامن الشهوة أو تنخفض لتتماهى فيها،
تتخذ هيئة الدليل، ثم تنقلب إلى حارس شرس،
فإذا حان زمن الرقص صارت الخطوط حبالاً، صارت شبكة، وخرج عنكبوتك الى الصيد، بينما الأسرى يتباهون على الطلقاء: لقد اختارتنا ضحايا!
* * *
متى الفجر؟!
وكيف يأتي وأنت لم تدخلي ليلي بعد؟!
ومن ليلي تغزل الخطوط والأغاني وخطوات رقص الشهوات!
موعدنا القمر الثاني، بعد شمسين ونجمة!
لا يهم الاسم،
كلما ندت عنك »الآه« ستسمعين جوابي.
من أقوال »نسمة«
قال لي »نسمة« الذي لم تُعرف له مهنة إلا الحب:
مَن أغلق الباب على حبه، خوفاً من الآخرين، لم يدم له حبه. لا تحاول أن تمنع حبيبك عن الناس، ولا ترهقه بأنانيتك… الحصار، أو الاحتكار، أو المطاردة الدائمة، تضعف الحب وقد تغتاله.
حبيبي حبيبي هنا وفي آخر الأرض، معي ومع الملايين، لا هو يحتاج لأن يذكرني ولا هو ينساني لكي أذكّره بي.
الحب الضعيف الذاكرة حلم ليلة صيف!