محاولة للإحاطة بعباقرة بطرام ممثلين بفيليب سالم
الحمد لله، بداية، على أنني المتحدث لا المتلقي، وعلى أنني أتحدث واقفاً وليس مبطوحاً على طاولة الفحص الطبي وأمامي هذا النطاسي الكوني ابن بطرام البار أصغي إلى تعليماته والتوصيات بل الإنذارات التي تخيّرني بين رحيل مبكر أو عذاب طويل.
والحمد لله، ثانياً، على أن مهمتي تقتصر على التحية وليس على دراسة هذه الظاهرة الأممية التي اسمها الدكتور فيليب سالم، ولست في مباراة معه كخطيب، أو كصاحب نكتة، أو كمفكر وأديب، أو كمربٍ وصاحب رسالة.. أو، وهذا هو الأخطر كمثقف خطير قرأ لكبار الفلاسفة والمؤرخين كما للمبدعين من الشعراء والأدباء الكبار، عالمياً ومحلياً، وإن كنت أشاركه في جبران خليل جبران.
والحمد لله، ثالثاً، على أن فيليب سالم قد صادر عوالم كثيرة ليس من بينها الصحافة، فترك لأمثالي مساحة للتنفس، وإن كان فرض نفسه عليها كنجم يفيض من صفحاتها إلى عدسات الفضائيات والمواقع الالكترونية.
والحمد لله أخيراً على أنني لست في موقع الخصم أو المنافس، ولا أطمح إلى ان أكون، وإلا لأصابني ما أصابه من الراحل شارل مالك الذي قال له ذات يوم: أنا وإياك نوازي ثلاثة أرباع الكون! وكان تعليق والده أديب سالم: شارل يقصد انه يشكل بذاته 74 في المئة وأنت واحداً في المئة.
وأديب سالم كان كاتباً بالعدل، ولعل شهادته هذه هي الأعدل!
على أنني أشارك هذا العبقري في أمور بسيطة بينها أنني أعشق ضيعتي شمسطار كما يعشق ضيعته بطرام، وإن كنت لا أحتفظ في مكتبي بحفنة من ترابها، لأنني أعرف انه في انتظاري، ولو بعد حين.. ولقد أعجزني زماني عن جعلها أشهر من بيروت، وأكثر جاذبية من فندق الفينيسيا كما جعل فيليب سالم من بطرام.
كذلك أعجزني زماني أن أكون جامعة دول عربية، عائلياً، وأن أكون أممياً في العلاقات الإنسانية… فلم أحظ بمن يرعاني ويأخذ بيدي، كما رعى الدكتور منيب شهيد، رئيس دائرة الهيماتولوجي في دائرة الطب الداخلي وأمراض الدم، تلميذه فيليب سالم. وهي رعاية شاملة قدمها هذا الحكيم الفلسطيني من عكا والمتحدر من أصل إيراني بمذهبه البهائي ووالد السيدة ليلى شهيد مندوبة السلطة الفلسطينية في فرنسا ثم لدى الاتحاد الأوروبي. ولقد امتدت الرعاية إلى الزواج فكان إشبينه حين عقد قرانه على الحسناء العراقية الجميلة وداد جبوري، وقد مثلها والدها الطبيب وديع، صديق نوري باشا السعيد، وهو من أصل آشوري، بروتستانتي المذهب.. أما والدتها نعمت الأمير فمن بغداد، وجدّتها لبنانية، وداد تبشراني من ضهور الشوير، وهي ابنة أخت يعقوب صروف ناشر «المقتطف» و«المقطم» في القاهرة، أيام كانت مصر دار لجوء الهاربين من السلطنة والكانتون الطوائفي الذي أسموه متصرفية جبل لبنان.
كذلك أعجزتني التقاليد عن اختيار يوم زفافي، في حين قرر فيليب سالم أن يكون الزفاف يوم الجمعة بدلاً من السبت ليكسب يوماً إضافياً في العسل.
أما في سياق التعرف إلى المشاهير وشبك علاقات الصداقة معهم فلا مجال للمبارزة لان كل أسماء الأصحاب اللامعة يعرفون فيليب سالم ويلجأون إليه في أحوال الشدة، في حين لا نجد لا من يداوي ولا من يعين في الزمن الصعب الذي يكاد يستهلك أعمارنا.
لا مجال للمنافسة مع فيليب سالم، فهو يعرف الحمراء عند ولادتها، وهو يعرف محيط الجامعة الاميركية بيتاً بيتاً وشجرة شجرة، وهو زبون مؤسس في مطعم فيصل، ولعل طاولته كانت مجاورة للصديق العزيز «البيك» الشهير باسم منح الصلح.
ثم انه خارق حارق، درس في الجامعة الاميركية، لكنه نال مساعدة من المجلس الثقافي البريطاني لمدة خمس سنوات مع غرفة وحمام مستقلين… أما الآن فهو من يساعد وقد رتب لسفر أكثر من عشرين طبيباً لبنانياً وعربياً لمتابعة تخصصهم في أهم مركز للسرطان في أميركا… وحقق معجزة التعاون والتنسيق بين الجامعة الاميركية والجامعة اليسوعية في بيروت، متجاوزاً كل الفروق والخلافات الدينية والثقافية واللاهوتية، فزاوج وهو الأرثوذكسي الكاثوليكي والبروتستانتي، وهو محترف خرق المستحيل.
ولأن بطرام تنجب الفلاسفة كما شارل مالك فقد أضاف فيليب سالم إلى ألقابه لقب الفيلسوف.. ولعله سينشئ قريباً مركزاً للفلسفة إلى جانب مركز البحوث السرطانية الذي أنشأه قبل ثلاثة عشر عاماً في الطابق 16 من البرج الطبي التابع لمستشفى سان لوك، وتحت شعار: لا تيأس ولا تفقد الأمل. وهو يعترف بأن المرضى علّموه أكثر مما علّمته الكتب. لقد علّموه كيف يمكن مواجهة الموت.. ربما لهذا انتهى إلى استنتاج مرير: كنيستي هي عيادتي، وعملي هو صلاتي. أما علاقتي مع المريض فهي علاقة سماوية وشبه مقدسة.
والله سبحانه وتعالى يوفر شهادة النجاح لمن طبب فشفى وشهادة العذر لمن حاول فأخفق… وقديماً قيل: من اجتهد فأصاب فله أجر ومن اجتهد فأخطأ فإن له أجرين.
لست في حاجة إلى أن أحدثكم عن فيليب سالم الكاتب، فلطالما نشر المقالات والمحاضرات في الزميلة «النهار».
أما خلاصة رأيه السياسي في ما يعني منطقتنا فهو:
سياسة أميركا تتحكم بها مصالح كبرى، أولا أمن إسرائيل، ثانياً النفط، ثالثاً الإرهاب… والثلاثة واحد كما لا بد تلاحظون.
لقد كلفتني هذه الكلمات ثلاث ليال من القراءة، عن هذا الطبيب، الأديب الخطيب المهيب المصيب العجيب المنيب…
وأشهد أن الدكتور ايلي سالم قد وفّر عليّ الجهد إذ قال في أخيه الدكتور فيليب سالم ما يُغني عن كل خطاب، فله وجه أدبي فلسفي. وهو مُطلع بعمق على أعمال كبار الفلاسفة من الإغريق الى المعاصرين. ثم إن الكل يعرف عنه جرأته في التعبير عن أفكاره، فهو لا يرحم في تهجمه على الظالمين والفاسدين الذين يبيعون ويشترون بحسب أسعار السوق.. وهو المحدّث المشوّق، صاحب نكتة بامتياز، خطيب جهوري، طبيب معالج، باحث، عالم، مفكر، وأديب مربٍ، وصاحب رسالة، صادق في كل ما يفعل.
يبقى أن نشير إلى أن حظ بطرام في أهل العلم أفضل بكثير من حظها في أهل السياسة.
والدكتور ايلي سالم شاهد وشهيد.. ومن قبله الدكتور شارل مالك.. إذ كادت وزارة الخارجية مع رئيس أساء استخدام السلطة تصيب بالأذى من كان في موقع الترويج لها. والأفضل لبطرام وللبنان أن ينصرف اللامعون من أبنائها إلى العلم والتعليم وإدارة الجامعات الناجحة، وأفترض أن الدكتور ايلي سالم يوافقني الرأي.
وأشهد للكاتبة مهى سمارة أنها عرّفتني على المخبوء من كنوز فيليب سالم، مع أنها لم تأخذني في الرحلة المفتوحة ما بين بطرام والولايات المتحدة الاميركية جميعاً، فلها الشكر، أما الثواب فعليه.
وأختم بالشكر لدار النهار، ودار الساقي اللتين نظمتا هذه الندوة، حول كتاب مهى سمارة «فيليب سالم – الثائر والعالم والإنساني»، داعياً الله ألا يحتاج أحدكم اليه كطبيب وإن ظلت الحاجة إلى الثائر فيه ملحّة، والى العالم فيه طبيعية.. أما الإنساني فيه فليس بحاجة إلى شهادات خارجية.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، داعياً لكم بطول العمر وانتفاء الحاجة الى لقاءات مع الطبيب فيليب والاكتفاء بلقاءات السَمر في خمائل بيته في بطرام الكورة، ولكل من يقصدها قنينة زيت كاملة الدسم… مع خطاب قصير في فن الحياة.
(كلمة قيلت في حفل تكريم الدكتور فيليب سالم لمناسبة صدور كتاب «فيليب سالم الثائر والعالم والانساني» لمهى سمارة)
حكاية/ عرض بالتبني
كان الصديق ثرثاراً فلم يترك لها فرصة الكلام، ولو للتعريف عن نفسها. هو الذي يقول. هو الذي يرد على الأسئلة التي توجه إليها. هو الذي يتحدث عن كفاءاتها. هو الذي يطلب لها القهوة… وهو الذي يشربها خطأ، ويترك فنجانه مليئاً إلى حافته.
قال: ـ هي فنانة ممتازة. لكن حظها يخونها دائماً. كلما ذهبت إلى تجربة الصوت، غناء، وجدت أن الداعي قد استضاف حشداً من المطربين فلم تتح لها الفرصة لكي تثبت أنها الأفضل. أما حين ذهبت مرة لإجراء التجربة كممثلة فقد مرض المخرج، واكتفى المصور بأن يلتقط لها الصور حسب مزاجه… بل لقد طلب منها أن تخلع بعض ملابسها لتظهر مواقع الفتنة في جسدها، فخلعت بعضها، ولما أشار بأن تخلع المزيد نهرته أنا، وانصرفنا مغضبين.
سأل الصديق: ـ وماذا يمكنني أن أفعله، كيف أساعدك؟
رد بسرعة: ـ لا أريدك أن تساعدني، بل ان تتبناها فهي خير من يساعدك في مختلف المجالات!
بهت، فنظر في عيني صديقه متسائلاً، وهمّ بأن ينطق فإذا الصديق يسبقه إلى الكلام: هي تستطيع أن تفعل أشياء كثيرة. نسيت أن أقول لك إنها شاعرة..
وهنا التفت إليها يشجعها فقالت بشيء من الزهو: أتريد أن تسمع الشعر مغنى أم أتلوه تلاوة كما الصلاة؟!
لم يعرف كيف يتصرف، ولكنه أشار إلى أنهم في مكتب مزدحم بالفضوليين، ومن الأفضل إرجاء السماع إلى وقت آخر..
وقاطعه الصديق قائلاً: كنت أعرف أنك ستضيّع هذه الفرصة كما ضيّعت كفاءات ممتازة في الماضي، وأنا منها!
ثم التفت إليها وأشار أن انهضي، فنهضت.. وخرجا بلا وداع..
مـن أقـوال نسـمة
قال لي «نسمة» الذي لم تُعرف له مهنة إلا الحب:
ـ ليس للحب عمر… بل ان لكل عمر حبه. مع الفتوة تتدفق المراهقة عواصف رعناء، ومع الشباب يدخل «الحساب» عنصراً مهدئاً. مع الكهولة تغلب «الحكمة» في الخيار.. أما بعدها فتلك هي المعركة بين العقل والعاطفة. وغالباً ما يسقط «الحب» شهيداً.
أما وانك من يقرر عمرك فإن قلبك قادر على توليد الحب كل يوم.