بين ندوتين: الإعلام الذهبي الهارب إلى الدولية
ما بين احتفال جريدة »الاتحاد« في أبو ظبي بعددها الرقم عشرة آلاف، و»الندوة الإقليمية حول الإعلام وحقوق الإنسان« في القاهرة، أمضيت أربعة أيام طويلة من الاستماع الى كلام مثقل بالهموم والتطلعات والآمال والمواجع حول الحاضر والغد.
فأما في أبو ظبي فقد رغبت الزميلة »الاتحاد« بعد ما آلت رئاستها الى صاحب السمو وصاحب المعالي الشيخ عبد الله بن زايد بن سلطان، أن تسعى لتحويل احتفالها الى »عيد«، والى حلقة نقاش حول »مستقبل الصحافة المكتوبة في عصر الوسائط المتعددة«.
البادرة طيبة أن تشرك الصحيفة المذهبة الأطراف رصيفاتها التي لا تقل عنها غنى بالإعلان والإمكانات الطباعية المتطورة، وبعض صحف الفقراء الغنية بالأفكار والقضايا، قليلة الصفحات، شحيحة الإعلانات، في عيدها الذي تحول الى ندوة مفتوحة على مدى يومين، بمشاركة عشرات من الكتاب والعاملين فيها أو من ضيوفها المستقدمين من بعض العواصم العربية القريبة أو الأجنبية البعيدة.
محاور النقاش كانت متعددة، لكن الهاجس واحد: كيف تصل الصحيفة العربية الى المستوى الغربي (والنموذج هنا كما في كل مجال آخر، أميركي) في مستواها المهني، وبالذات التقني، والى مزيد من القراء، وكيف تقاوم الاجتياح متننوع المصادر: الأنترنت، الصحيفة الألكترونية، الفضائيات الخ..
صارت الصحيفة »التقليدية« البنت اليتيمة، وثمة من يتعجل زوالها بذريعة مجاراة التقدم، وكأن استخدامها الحبر والورق والأفكار بين علامات الموت أو مبرراته: من لديه الوقت، بعد، ليمسك بهذه »الملاحف« ليقرأ؟! بكبسة زر تأتيه المعلومات والأخبار والآراء صاغرة، على طريقة »لبيك مولاي«؟!
استعرض الأخوة الأغنياء عضلاتهم الدولارية أمام أقرانهم الفقراء، لا سيما أولئك الآتين من مصر ولبنان والمغرب العربي والمهاجر الفلسطينية.
ولقد شرفني الزملاء في »الاتحاد« فأوكلوا إليّ رئاسة واحدة من الندوات، وكان معي فيها الزميلان عبد الرحمن الراشد (رئيس تحرير جريدة »الشرق الأوسط«) والدكتور طارق المومني، نقيب الصحافيين الأردنيين ونائب رئيس التحرير في جريدة »الرأي« بعمان).
للرئاسة أصول لا تتقنها »الدهماء«… وهكذا فقد اندفعت أؤكد اعتزازنا بالانتماء الى المهنة الرسالة، أي الصحافة المكتوبة، وإيماننا بالكلمة، كسلاح ديموقراطي فعال في مهمة بناء مجتمعاتنا، واستنقاذها من جموح النزعات الدكتاتورية كما من براثين التخلف الفكري للسلفيين في الداخل، من دون السقوط في شرك دعاة الحروب الصليبية الجديدة بذريعة مكافحة الإرهاب، وريحها العاتية تهب علينا من الخارج، تكاد تقتلعنا من أرضنا وبيوتنا وهويتنا كما في فلسطين، على سبيل المثال لا الحصر، خصوصا وأن الحرب علينا فيها كانت المقدمة فحسب، وها نحن نعيش في قلب الحرب الثانية، في مسلسل دموي جديد سيقتحم علينا بيوتنا بين أدنى أرضنا وأقصاها، انطلاقاً من العراق.
أما التعويض فسيكون، وكما أعلن رسمياً، بناء الديموقراطية للعرب أجمعين بتسعة وعشرين مليوناً من الدولارات (7 سنت لكل مواطن!).
»وأنها للحظة فرح نادة ننتزعها مع زملائنا في »الاتحاد«، من قلب القلق على المصير، لنشارك صحيفة عربية رائدة في منطقتها، هنا في الخليج العربي، احتفالها بصمودها عشرة آلاف مرة متوالية، لحوالى ثلاثين سنة متصلة، وقد صمد معها جمهور قرائها، برغم كونها مطبوعة »رسمية« يشرف على سياستها وزير الإعلام مباشرة فيحاسبها بقسوة على أي نقص مهني فيها، كل يوم، بينما تُحاسب ويُحاسب معها على أخذها بأصول المهنة، ألف مرة في اليوم«.
لم تتعرض الندوة، مع الأسف، للموضوع المأساة: التناقص المتواصل في أعداد القراء في الوطن العربي… ولا هي انتهت إلى خلاصات محددة قد تفيد منها الأجيال الجديدة من الصحافيين. كان الانبهار بالتقنية الحديثة وبالطبعات الدولية التي تصل الى كل البلاد (في الخارج) وتنسى ضرورة تغيير الأحوال في الداخل.
وكان بديهياً أن يقال: إن المطبوعات، لا سيما غير السياسية، والتي تدعي التخصص »أكثر من الهمّ على القلب«، وأن قراء مجلة فنية (أي مجلة مطربي ومطربات الأورغ والراقصات الأوكرانيات والرومانيات والروسيات) يزيدون على مجموع قراء الصحف في المشرق والمغرب… وليس لأن الناس يهربون من السياسة، بل لأنهم لا يجدون في الصحف سياسة.
صارت السياسة لأصحاب القرار. وأصحاب القرار يكتبون بالإنكليزية ولا يقرأون العربية.
… والقراء الفقراء إلى حقوق الإنسان في إعلامهم!
وأما ندوة القاهرة فكانت »معرضاً حياً« لبعض همومنا الحقيقية والثقيلة: حقوق الإنسان، من خلال تعامل الإعلام العربي معه.
كانت الدعوة من المنظمة العربية لحقوق الإنسان واتحاد الصحافيين العرب وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي والمفوضية السامية لحقوق الإنسان.
كانت المسافة أوسع مما يجوز بين الندوتين اللتين يشكل الإعلام العربي ركيزة أساسية فيهما: في الأولى كان حاضره الصعب ومستقبله الغامض موضوعها، وفي الثانية كان قارئه المفترض المبتعد عنه لخيبة أمله فيه هو »القضية«.
وليس من باب مجاملة الصديق أن نقول إن محمد فائق وصلاح الدين حافظ وبعض رفاقهما الاصفياء في مصر، من أمثال السفير (المتقاعد) ابراهيم علام ،محسن عوض، معززين ببعض »المجاهدين« من أجل حقوق الإنسان في مغرب الوطن العربي ومشرقه، من أمثال الدكتور الطيب البكوش (تونس) وبو جمعه غشير (الجزائر) والدكتور تركي الحمد (السعودية) وأحمد الديين (الكويت) وحافظ البرغوثي (فلسطين) وحسين العودات (سوريا) والدكتور عبد الحسين شعبان (العراق) والدكتور عبد الخالق عبد الله (الإمارات) ومحبوب علي (اليمن) والدكتور محمد محجوب هارون (السودان) ومحمد العربي المساري (المغرب) وكذلك محمد نبرز، ومختار الطريفي (تونس) وغيرهم كثير…
ليس من باب مجاملة الصديق القول إن هؤلاء المقاتلين المجهولين، أو المفروض عليهم وعلى نشاطهم المبارك، التعتيم، انما يحفرون بأظافرهم مجرى في الإعلام الرسمي وغير الرسمي، لفرض حقوق الإنسان العربي كقضية على الحكام الذين يتجاهلونها عمداً، بل ويغيبونها ويمتهنونها وقد يغتالونها قصداً، كما على أصحاب القضية الذين تخلوا عنها إما عن خوف وإما عن يأس من أن يسمعهم أحد ناهيك بأن يستجيب لمطالبهم من بيده ان يقرر »الحقوق« لرعاياه، بينما يترك مصير البلاد والعباد فيها لأصحاب القرار في البعيد.
كيف تخترق المستحيل: أن تعقد ندوة يشارك فيها الممنوعون من السفر من أقطارهم، أو الممنوعون من الدخول الى المركز حيث الندوة؟!
كم من المساومات والتنازلات ستقدم من أجل الاجتماع، ثم من أجل الكلام، ثم من أجل نشر ما لا ينشر (ولو مبتسراً) لأن الصحف لا تعتبره موضوعاً مثيراً للاهتمام… أو لعلها تراه مسألة خطرة أو متفجرة.
ولقد ساعدت مشاركة الأمم المتحدة، عبر برنامج التنمية المستدامة والمفوض السامي لحقوق الإنسان في تأمين انعقاد هذه الندوة المهمة على مدى يومين، بأقل قدر ممكن من الاشكالات والمشاكل المادية والفنية… فضلاً عن السياسية؟
أهكذا، ببساطة تريد ان يقرأ الناس (الدهماء) مثلاً:
»اعتبار أن الديموقراطية والتنمية البشرية واحترام حقوق الإنسان والحريات السياسية كل مترابط ذو تأثير متبادل، استناداً الى أن الحرية السياسية لا تنفصل عن الحريات الاقتصادية.
»تأكيد الترابط الوثيق بين حقوق الإنسان والإعلام، فالحريات الإعلامية في ذاتها حق من حقوق الإنسان.. وأن الحفاظ على الحريات الإعلامية هو قضية المجتمع ككل، وليس قضية مهنية للإعلاميين وحدهم..«.
تحية للصامدين في نضالهم المجهّل والمطموس عمداً، محمد فايق وصلاح الدين حافظ ورفاقهما في مصر ومختلف أرجاء الوطن العربي.
إنه نضال في مستوى العمليات الاستشهادية…
فأن تجاهد من أجل حقوق الإنسان في وطنه يكاد يماثل في الصعوبة أن تجاهد لتحرير أرضك من الاستعمار (السابق) أو لحمايته من الاستعمار الآتي بحاملات طائرات الديموقراطية الأميركية وجرافات شارون التي تكره بيوت الفقراء في فلسطين وكامل الأرض العربية.
حكاية الراقصة حزناً.. خارج حجابها!
بعد وصلة الرقص الأولى التفتت كأنما تسأله فقال: شكراً للمجاملة!
نظرت كأنها ترد إليه التحدي ثم قامت تسكب لنفسها كأساً جديدة.
بعد منتصف الليل كان الضجر قد أخذ معظم الساهرين الى النعاس فقاموا للانصراف واستبقته بغمزة من عينها مع »الصفوة المختارة« من أصدقائها القلة. غابت لفترة وحين عادت وقد تخففت من »الثوب الرسمي« أطفأت معظم النور وأدارت شريطاً لأغنية تحبها لتبدأ وصلة اكتمالها.
رقصت بجسدها مجتمعاً، قبل أن تباشر التثني متيحة للرأس أن ينطلق في حركته الحرة، ثم لعنقها فصدرها في حين كانت الساقان تضبطان الإيقاع.
ومع تدفق الموسيقى تبدى وكأن جذعها الضخم قد استدق حتى صار ظلاً، وتهافتت حركتها حتى باتت كانهمار المطر المداري يرطبك ثم يغادرك متبخراً قبل أن تمد إليه يدك بالمنشفة.
كانت قد غدت وحيدة في قلب نشوتها تتمايل بتناغم مع أحزان داخلها، مع صبوتها التي لا تجد مداها إلا في الرقص. لم تكن ترانا، وكنا نرى منها طيفها يتلوى كأنما من وجع العزلة التي فرضتها على ذاتها حتى لا يؤذيها جمالها في سمعتها.
خفتت الموسيقى حتى تلاشت تماما في حركة انطوائها على ذاتها، قبل أن تنسحب عائدة الى معتقلها خلف أسوار الثوب المتوج بالحجاب.
عند الباب قال مودعا: شكراً أنك قد أشركتنا في أسرارك. جبارة أنت، حتى لقد جعلت الحزن ينبوعاً للفرح بالحياة.
تهويمات
ضاقت الأمكنة بالعاشقَين فانحصرا في سماعة الهاتف.
وذات مكالمة انقطع الخط تحت رهافة الصمت.
الحب زمان كامل… مع ذلك قد تتسع له همسة او تنهيدة!
إذا جاء الحب مبكرا، قالت الناس: هذه مراهقة، زهر لا يثمر…
وإذا جاء الحب متأخرا قالت الناس: هذا الجيش، نار تحرق ولا تدفئ…
من قال إن الحب يأتي جاهزا بالطلب. لا يستخدم الحب الساعة. إنه العمر. وبعضنا يذهب قبل ان يعيشه.
من أقوال نسمة
قال لي »نسمة« الذي لم تُعرف له مهنة إلا الحب:
الحب هو النعيم، لكن البعض يريده كله لنفسه، أو يرى نفسه مصدره ومرجعه ومحوره الأوحد فيخسره. الحب اثنان، وهو لا يقبل القسمة. لا تقل أعطيت. لا تقل أخذت. قل فقط: أحببت. الحب مفتاح لباب الجنة، بل هو الجنة بلا حاجة لأبواب وأقفال ومفاتيح.=أ؟