هل بين العرب وأميركا »علاقات«؟!
لولا شيء من التحفظ بدافع من الأمانة، لجاز القول أن لا علاقات جدية، بالمعنى المتعارف عليه، بين الولايات المتحدة الأميركية ومجمل الدول العربية.
واذا كان تجاوزا للحقيقة ان توصف علاقات معظم الدول العربية مع الولايات المتحدة بأنها علاقة تابع ومتبوع بالمطلق، فإن الحقيقة ان هذه العلاقات غير متكافئة، وغير صحية، وغير فعالة، وغير منتجة.
لا علاقات جدية بين العرب والولايات المتحدة الأميركية لأسباب بديهية أولها أن العرب في مجال العلاقات الدولية عموما، والأميركية خصوصا، ليسوا واحدا، وليسوا خمسة او عشرة، بل هم اثنان وعشرون عربا… على الأقل (حتى لا ننسى ان ثمة اكثر من دولة تبدو، عبر حكامها المتناكفين، كما عندنا، دولا شتى.).
ليس العرب واحدا لا في السياسة ولا في التجارة، لا في الاقتصاد ولا في العسكر.
العرب مجرد مشترين، وليس ثمة تبادل جدي في المجالات الاقتصادية كافة، تستوي في ذلك الصناعة والزراعة والتجارة… اللهم الا اذا اعتبرنا اننا نبادلهم شبابنا ببعض صادراتهم الينا! خصوصا وأن النفط هنا »اميركي« تماما، ليس لأن الأميركيين يسيطرون على أسواقه وأسعاره ومنابعه ووسائط نقله، فحسب، بل وعلى »ارض« الدول المنتجة وسياساتها، ايضا.
ومع ان البحاثة والدارسين العرب، يعرفون نادي الحكم ومراكز القوى داخل الولايات المتحدة الأميركية،
ومع أن بعض اللامعين من الدبلوماسيين العرب قد نجحوا في حالات محددة في إحداث اختراقات محدودة داخل السور الاسرائيلي للإدارة الأميركية،
الا أن العرب عموما محاصرون في واشنطن ومعزولون عن دائرة القرار فيها… من يعرف لا يملك القدرة على التأثير، لأن الجهد الفردي هنا ضائع، أما في العواصم فإن ما يعني الحكام يقتصر على أن ينالوا رضا البيت الأبيض والبنتاغون، تاركين مصالح الأمة في رعاية الله، وهو على كل شيء قدير. القاعدة دائما: يا رب رأسي، حتى لا نقول: أنا ومن بعدي الطوفان!
هناك تجارب شجاعة حاولت وتحاول، لكنها لا تجد من يرعاها ويساندها، الا في النادر.
ليس هناك عرب في العالم، هناك دول عربية، وكثير بينها يحاول التخفف من عروبته. كل دولة تعمل بالاستقلال بل الانفصال وأحيانا بالتضاد مع شقيقاتها القريبات او البعيدات، بالجغرافيا والمصالح والافكار، لا فرق.
وبالتالي فلا يمكن الحديث عن علاقات عربية مع الولايات المتحدة او مع الاتحاد الاوروبي، وآخر مثال فاقع ما وقع في مؤتمر الشراكة العربية الاوروبية في برشلونة قبل ايام، اذ غاب لبنان وسوريا احتجاجا على مشاركة اسرائيل في حين حضر الوفد الفلسطيني الى جانب وفود عربية كثيرة، مصر وتونس والجزائر والمغرب، وتعشى الجميع مع رمز السلام شيمون بيريز.
* * *
ان الاقوياء هنا على شعوبهم ضعفاء هناك، كما هم ضعفاء في مواجهة اسرائيل دائما. ان الضعف في مواجهة اسرائيل هو معيار للعلاقة مع الولايات المتحدة الاميركية. فمن يلجأ الى واشنطن طالبا النجدة لمواجهة اسرائيل كمن يهرب من الرمضاء الى النار… او في السياسة فهو كمن يهرب من الميدان الى الاستسلام بالصلح المنفرد او اي شكل من اشكال اتفاقات الإذعان.
اما عن مستقبل الصراع فلا بد من كلمة صريحة:
لولا الحرص على شيء من الموضوعية لجاز القول ان الطرف العربي يكاد يغيب عن الصراع على الشرق الاوسط. انه الغنيمة وليس طرفا في الصراع.
ما يحدث الآن في فلسطين يكشف كم ان العرب كمية مهملة.
لم تستطع الدول العربية تقديم خدمة مثل وقف اطلاق النار للفلسطينيين.
بسبب الغياب العربي وقع تطابق كامل في الموقفين الاميركي والاسرائيلي، لقد بلغ الضعف العربي نقطة العجز المطلق فتبدت الادارة الاميركية بوجه اسرائيلي، وهذه نتيجة مؤهلة لان تصبح سببا لنتائج أمرّ وأدهى.
* * *
في حزيران من العام الماضي أتيح لي ان أتعرف عن قرب الى بعض النخب من الجاليات العربية في الولايات المتحدة الاميركية المتلاقين في المؤتمر السنوي للمنظمة المناهضة للتمييز العنصري، والتي تعتبر المشروع العربي لإقامة تجمع فاعل يتنامى مع الزمن وتتعاظم قدراته، اذا ما تمت رعايته ودعمه بحيث يتمكن من الدفاع عن قضايانا، حتى لا نحمله فوق ما يطيق بادعاء انه سيواجه المنظمات اليهودية العديدة والقادرة وذات الامكانات الهائلة، ماديا وسياسيا، وأشهرها »الايباك«.
كان في البرنامج ان ضيف الشرف، في الافتتاح، سيكون وزير الخارجية الاميركي كولن باول…
وكان في التقدير ان حوالى الاربعين من رجال الكونغرس سيلتقون في مؤتمر المنظمة الى عشاء يقام في بعض الاجنحة الملحقة بالمبنى الروماني للكونغرس الاميركي، تيمنا بامبراطورية القياصرة، على الارجح.
لكن باول لم يحضر، وجاء واحد من مساعديه ليعتذر عن عدم حضوره،
كذلك فان قلة لا تزيد على عدد أصابع اليد من أعضاء الكونغرس حضرت العشاء. وكان التبرير الذي قيل همسا وغمغمة ثم انفجر مدويا لان العملية الاستشهادية التي جرت، قبل أيام قليلة، من موعد المؤتمر، عند شاطئ تل أبيب قد أحرجت المسؤولين الاميركيين، فصار حضور اي منهم تحديا لإسرائيل… وهذا أمر فوق طاقة اي منهم!
بالطبع لم يكن بين المؤتمرين من له علاقة بالعملية، ولعل أكثرية المؤتمرين كانوا لا يقرونها، ولهم اعتراضات جوهرية على اختيار مكانها وزمانها وأهدافها.
لكنه كان عليهم أن يتحملوا العقاب، وان تضيع عليهم ثمرة جهود حثيثة ومضنية استهلكت زمنا طويلا من الاتصالات والمساعي والشروح والردود ومحاولات اعادة تظهير صورة الحقيقة.
* * *
ليست صورة الحاضر زاهية، مع أنها متوهجة بدم الشهادة،
اما صورة الغد القريب فقاتمة، ذلك ان الانفصال بين الجمهور والقيادات الحاكمة والذي كاد يصل الى حد التصادم على امتداد الشهر الماضي، ليس سلاحا للتغيير.
لقد نزلت الجماهير الى الشارع معلنة يأسها من حكامها المتخاذلين والمرعوبين من نجدة اخوتهم في فلسطين. لكنها في الشارع اكتشفت انها ليست قادرة على أخذ السلطة، فلا قيادات ولا احزاب مؤهلة ببرامجها والقوى السياسية مبعثرة وضعيفة، القديم منها استهلكته السلطة، والجديد يستنزفه التطلع الى السلطة.
وها هي الجماهير قد عادت الى بيوتها اكثر يأسا لانها اكتشفت مرة اخرى انها عاجزة عن الفعل داخل أقطارها، فكم بالحري في مواجهة اسرائيل.
لكن هذا النزول الاول لن يكون الأخير.
لقد اعادت فلسطين الروح الى الانسان العربي، واعادت اليه شعوره بالانتماء. واكتشف كل منا انه ليس وحده، وان فلسطين تشكل للجميع القضية والارض والشعار.
وستعود الجماهير الى الشارع بعد اليوم كثيرا، فلقد سقط وهم انفصال الوطني بل الكياني عن القومي او العربي، وأكدت اسرائيل ما لم نكن بحاجة الى التثبت منه، انها عدوتنا جميعا، كما أكدت الولايات المتحدة الاميركية، انها ستظل اسرائيلية السياسة في منطقتنا طالما غاب العرب عن وعيهم بغدهم وبمصالحهم الاساسية.
(من كلمة في ندوة في طرابلس)
اللجنة الفاحصة لعاريات الصدور
الشاطئ ساحر بامتداده الذي يتجاوز مدى نظرك، تغلفه غلالة من الضباب الخفيف تضفي مسحة شاعرية على المشهد الذي تتدرج زرقته من حافة الرمادي الى حدود البنفسج.
أما البحر فصندوق لازوردي ممتلئ حتى حافته بغابات من الزبرجد والفيروز والعقيق تجوب وهادها وتعتلي ذراها قبائل من الأسماك في مهرجان من الألوان البهيجة تستولد منه الحركة الدائبة لوحات مذهلة الروعة: لكأنك ترى طيوف الأحلام مواكب مواكب لا تكاد تكتمل أشكالها حتى تذوب وقد ملأت عينيك وخيالك بمتعة الإبداع المعجز لهذه الطبيعة، التي لا نعرف عنها إلا القليل، ولا نستمتع بعطاياها، لأننا مشغولون عنها بهموم حياتنا الداكنة.
الشاطى شريط طويل من الأجساد التي جاء بها أصحابها من البعيد طلبا للراحة في ظل الكسل اللذيذ.
مع ارتفاع الشمس الى كبد السماء يزدحم الشاطئ برواده متعددي الهوايات، لكن المطلب الأخطر لجميعهم هو إكساب الجسد سمرة مغرية تضيع معها بصمات العمر: يكبر الصغير ويصغر الكبير ويصير الجميع شبابا يتحركون في ظلال اللذة الموعودة.
مع الغربة تسقط حواجز كثيرة ويسود نوع من ألفة العري بين هؤلاء الذين تركوا همومهم خلفهم وجاؤوا الى جنة النسيان في قلب غابات الشعب المرجانية.
جلس الى ظله يسامره ويتأمل ما ومن حوله بفضول الوافد الى عالم غامض لا يعرف كيف ينتمي اليه ويتحرك براحته فيه.
سقطت عيناه بالمصادفة على جسد جارته الممددة خارج دائرة الظل…
فارتبك وأشاح ببصره عنها مستشعرا شيئا من الحرج. كانت قد عرت صدرها، وأخذت تدلك نهديها برفق، مستدرجة نظر الرواد جميعا، عابرين أو مستكينين تحت ظل »الشماسي« أو فضوليين أو باحثين عن مغامرة صيفية تمتد حكاية مع الموج وتنتهي زبدا تمتصه الرمال السمراء.
قبل أن يفيق من صدمته الأولى جاءته الثانية متعجلة: عبرت به الصبية الايطالية راكضة ونهداها العاريان يترجرجان فوق صدرها، وقد تبدى الفارق في درجات اللون، فالمخبوء في بياض الحليب بينما المكشوف للشمس في لون العقيق.
هرب بنظره الى البحر، لكن عابرة ايطالية ثانية كانت تركض خلف رفيقتها بصدرها عاريا هي الأخرى، وهي تهتف بصوت يتخطى العري إثارة وإغواء.
قال في نفسه: الراحة مطلب صعب المنال!
قالت له نفسه: الى متى ستبقى، أيها الشرقي، أسير عقدك؟ تلك حياتهم يعيشونها وفق هواهم. ماذا لو نظرت، أو نظر العالم كله الى عريها؟! هي مبتهجة فلماذا انزعاجك وضيقك بالمكان ورواده؟
في اليوم التالي، وقبل أن يتمدد على فراش البحر، جال ببصره يبحث عن ذوات النهود العارية. لم يجد إلا واحدة.. فهدأ باله. بعد حوالى الساعة جاءت عارية نهدين ثانية، فوجد نفسه يغوص في عقد مقارنة جمالية بين العاريتين، أما حين جاءت الثالثة فقد التفت الى المحصنات بأثواب السباحة مستغربا هذا التزمت والإغراق في المحافظة عندهن.
قال في نفسه: لعلهن عربيات، أو مسلمات!
قالت له نفسه: لعلك تبحث عن عذر لتخلفك في هويتك!
في اليوم الثالث كان قد عين نفسه خبيرا في اللجنة الفاحصة لاختيار ملكة جمال النهود، وكان قد بات بإمكانه أن يحدد الفوارق بين الصدور عارية كانت أو محجوبة، فضلا عن المواقع الحساسة الأخرى في الأجساد التي جاءت تسبح في الشمس.
رجال السراب في مملكة الحريم!
اكتمل عقد الرجال، أما النساء فقد تخلفن إلا واحدة، دخلت محتجة ثم ارتضت أن تنصب نفسها »ملكة« في غياب سرب »الحريم« اللواتي »لا يحترمن المواعيد« ولو كانت بعد منتصف الليل.
لم تكن جميلة، فاكتفى الرجال بداية بمجاملات خفيفة، لكنهم مع احتدام النقاش نسوها تماما حتى اضطرت الى تذكيرهم بأن بينهم »سيدة« وعليهم تهذيب ألفاظهم والإقلاع عن هذا الاستخدام المبتذل للتوريات الجنسية.
بعد حوالى الساعة جاءت صبيتان، ثم لحقت بهما ثالثة كانت هي الأجمل.
بغير تقصد رقت لغة الحوار الرجالي، وتاه المتحدثون عن مواضيع النقاش، وأقبل الجميع على النكات، قديمها والجديد والمستحدث، وعلت القهقهات مع سريان الشراب في الأوصال العطشى.
قامت »السيدة« لتنصرف وقد تملكها الغضب وكأنها قد أنزلت فعلا عن عرشها. قالت تودعهم: هكذا أنتم معشر الرجال، تحبون الركض خلف السراب وتكرهون الحقيقة. سأذهب الى رجلي، أما أنتم فستنامون داخل كوابيسكم!
واعتبرها الرجال نكتة حريمية جديدة، واخذوا يستولدون منها المزيد من النكات الرجالية لعلهم يسمعون كركرة ضحكات الصبايا اللواتي ما زالت مواعيدهن مع الأحلام بعيدة.
من أقوال نسمة
قال لي »نسمة« الذي لم تعرف له مهنة إلا الحب:
الحب اقتحام. من تردد أو خاف من الحب أضاع عمره في غياهب الندم. لا تعريف للحب ولا توصيف. لا بداية له ولا نهاية. هو بذاته القدر. هل يستأذن القدر، وهل تملك أن تساومه وتفرض عليه شروطك؟ الحب أن نعيشه لا أن نموت من أجله أو أن نموت دونه.