يوما بعد يوم تتخذ الحرب الأميركية على »الإرهاب الدولي« بعنوان أسامة بن لادن وحكومة طالبان في أفغانستان، ملامح إسرائيلية..
وساعة بعد ساعة تتهاوى التطمينات الرسمية الأميركية وتختفي المجاملات وتسحب من التداول عبارات النفاق للعرب (والمسلمين..)، وتتخذ الحرب سياقها الفعلي فإذا أبطال الإرهاب بالتوصيف الأميركي هم هم أبطال المقاومة للاحتلال الإسرائيلي!
تُترك صورة أسامة بن لادن الهوليوودية و»شبح« أمير المؤمنين الملا محمد عمر لتسالي الإعلام والمسلسلات الحربية حيث تتصيد الطائرات الأميركية الذكية الأطفال من قبل أن يصيروا إرهابيين يفجرون الأبراج، ويتركز الاتهام على أولئك الذين تطاردهم إسرائيل بحوامات الاغتيال ودبابات القنص داخل الأرض المحتلة في فلسطين ومن حولها في لبنان (وسوريا؟!..).
الانتفاضة إرهاب!! حسمت واشنطن الأمر بلسان واحد من أبرز خبرائها في المنطقة عبر عمله كسفير ممتاز ومميز في لبنان لسنوات من المقاومة والمواجهة اليومية بين السيف والدم انتهت بهزيمة معلنة لأقوى الجيوش، حيث أجبر على الجلاء فانسحب ذات ليل تاركا عملاءه والسلاح والادعاءات السياسية حول حماية الأقليات مجرد أكاذيب تنشرها الريح في كل أرض..
الانتفاضة إرهاب، وكل من حمل السلاح ضد الاحتلال الاسرائيلي في فلسطين كما في لبنان، وكل من دعم أو ساند أو أيد بسيفه أو بيده أو بلسانه أو بقلبه هو إرهابي، في التصنيف الأميركي، ولا بد أن ينال عقابه على يد رسل الديموقراطية الغربية ومكافحة الارهاب الدولي من أبطال التنوير الاسرائيلي ونموذجهم الفذ ارييل شارون!
وإذا كانت الانتفاضة في فلسطين إرهابا فمن باب أولى أن يعتبر »المنطق« الأميركي »حزب الله« عصابات للقتل وترويع الآمنين وارتكاب الفواحش من زراعة المخدرات الى تبييض الأموال الى إدارة ألعاب القمار إلخ، وأن يطالب الحكم في لبنان بأن يسلمه »رأسه« وإلا…
لم تعد ثمة من حاجة للتخفيف من حدة تصريحات السفير الأميركي، وتكذيب ما أشارت إليه »السفير« عن تقديمه ما يشبه التهديد أو الإنذار الى السلطات في بيروت حول ضرورة تحويل »حزب الله« الى جمعية خيرية تعمل مثلا في تحديد النسل أو في تحسين إنتاج القمح أو في تطوير فنون الغناء والرقص، بعد أن يتم تسليم المسؤولين عن حقبة عملها المسلح ضد »واحة« الحضارة الغربية في صحراء التخلف العربي (والإسلامي): إسرائيل!
القتل اليومي برنامج عمل مفتوح لدى الإسرائيليين، والاحتلال في فلسطين، ودباباته تجتاح المدن والقرى والمخيمات، تدمر البيوت وتنسف المنشآت المحدودة، تقتل الأطفال في المدارس والنساء والرجال في الطرقات، لكن الاتهامات الأميركية تتجاوز هذه الوقائع لتركز الإدانة على العنف ومن ثم على الإرهاب على المنظمات الفلسطينية المجاهدة في »الداخل«، ثم تتجاوزها لتطال كل من عمل أو فكر في مقاومة الاحتلال الاسرائيلي في كل الأمكنة والأزمنة وتحت أي عنوان.
مع كل شمس يصلنا في المنطقة العربية موفد أميركي: تارة يكون بريطانيا وطورا يكون كنديا، وأحيانا يعوض الموفد بمقال أو تحقيق في بعض أهم الصحف الأميركية، أما الرسالة فتبقى بمضمونها واحدة وهي توجيه التهديد الى العرب بضرورة التنصل من عروبتهم وإسلامهم ومن فلسطين، وإلا فهم »لادنيون« و»طالبانيون« وقد أعذر من أنذر!
يستغل الأميركيون تهالك الأنظمة العربية وخوفها متعدد المصادر، من شعوبها ومن إسرائيل ومن الأميركيين ومن »البن لادنيين« و»الطالبانيين« في الداخل، ويحاولون جرها الى قفص الاتهام وإدانتها بالتستر على مقاومي إسرائيل، وأحيانا على رعايتهم واستضافتهم وتقديم المأوى الآمن لهم!
تدوس الإدارة الأميركية على ادعاءات الصداقة وتعامل »حلفاءها« العرب باستهانة بل وباحتقار، أين منه نمط التعامل الإسرائيلي معهم!.. ثم بعد ذلك تطالبهم »بتغطية« حروبها ضد العراق، بداية، والآن ضد أفغانستان ومن وما حولها، وربما ضد بعض دولهم غدا،
والتغطية المطلوبة تمتد من الفتوى الدينية الى التمويل ومن فتح القواعد العسكرية للجيوش الأميركية الى لعب دور »المقنع« بالإرشاد على »المقاومين« الذين سيصيرون »إرهابيين« والمساعدة في التضييق عليهم ماليا وسياسيا وأمنيا إذا ما تعذر إلقاء القبض عليهم وتسليمهم الى »العدالة بلا حدود« لكي يحاكمهم وفقا لمعاييرها »النسر الأميركي النبيل«، ودائما لحساب إسرائيل.
إن المعاملة الأميركية للعرب عموما تفوق فظاظة معاملة الإسرائيليين، خصوصا وأنها تمتد من سلاطينهم في عواصمهم الى »رعاياهم« الذين يتلقون العلم أو يعيشون أو يعملون أو يسوحون في الولايات المتحدة الأميركية، مركز الثورات العلمية والتقدم في الكون.
مع ذلك فإن العرب ما زالوا يأملون ويتوقعون أن يتكرم جورج بوش فيبلور »فكرته« حول »دولة ما« لفلسطين في بطن دولة إسرائيل العملاقة، فيريحهم من هم عظيم، ويكون له الأجر والثواب والولاء أبد الدهر.
ولقد أراحهم أسامة بن لادن في »رسالته الثانية« التي شتمهم فيها بأقذع الاتهامات، وأدانهم وحكم عليهم بالكفر والردة والشرك والخيانة. أي أنه »أخرجهم« من »إسلامه« وهذا فضل منه يشكرونه عليه،
بالمقابل فإن الولايات المتحدة تطاردهم وتحقرهم وتطالبهم بما لا يطيقون، ثم تتركهم لمصيرهم مع هذا السفاح الذي لا يفاوض ارييل شارون!
لكأنهم طلعوا لا دنيا ولا آخرة!
كيف وهم في هذه الحال سيدرك العرب أهمية موقعهم وموقفهم من هذه الحرب التي غرقت فيها الإدارة الأميركية وتريد أن تغرق فيها العالم كله؟!
كيف سينتبهون الى قوة موقعهم، والى أن لا تحالف دوليا من غيرهم، وإلا بات بالفعل »حربا صليبية«، وانهم وهم ضحايا الإرهاب بامتياز، ومنه هذا الإرهاب الأميركي المولد والنشأة والرعاية في أفغانستان وحدهم المؤهلون لتعرية ادعاءاته وإثبات الخطأ في شعاراته.
لكن الشرط الأول لكي يتمكنوا من مواجهته أن يكونوا في فلسطين ومعها، وان يكونوا في بلادهم ومعها، وان يكونوا في المقاومة للاحتلال ومعها، لا أن يكونوا عونا للاحتلال أو وسطاء بين الجلاد والشهيد؟
والهارب من ميدان مواجهة الاحتلال في فلسطين سينتهي مجرد »مرتزق« في هذه الحرب الأميركية، لا حصة له في النصر، ولا مجال لاعتباره شهيدا إذا ما سقط فيها، وأغلب الظن أنه سينتهي مدانا بتهمة الاتصال بالعدو أو بالفرار من الميدان في زمن الحرب.
لا دنيا ولا آخرة..
والبطل في فلسطين ومن حولها وليس في أفغانستان التي تقتل أمام عيون العالم وتدفن أطفالها بلا مشيعين.. وليس في واشنطن أو تل أبيب في أي حال.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان