تستحق الارض المقدسة كل هذه الدماء، لتحفظ طهارتها من الدنس..
يستحق تاريخها الذي لا نظير له في عظمته أن يستنقذ الغد فيه احتراماً لكرامة الانسان.
إن امتهان فلسطين بالاحتلال ومعه القتل والجرائم الجماعية وتهديم المنازل واقتلاع اشجار الزيتون المباركة، والنخلة التي استظلتها السيدة العذراء وهي تضع مولودها المقدس عيسى المسيح، هو امتهان لكل ما له قيمة في حياتنا.
انهم يصلبون فلسطين، بل يصلبون العرب جميعهم، بنفطهم وغازهم وترددهم وجبنهم في خوض معركة المصير وحقهم في ارضهم ..
إن شبيبة غزة وكهولها، بالنساء والرجال والفتية الذين ولدوا لكي تبقى الارض المقدسة لأهلها، لن يتوقفوا عن مواجهة الغاصب والمحتل بكل ما يملكون: بالأرض وحجارتها، بالإرادة وفعلها المؤكد، بالإيمان الذي لا يسقطه قذائف دبابات العدو والذي كثيراً ما هزم مدفعيته وجنوده المذعورين.
إن فتية غزة، ابناء الشهداء، قد اسقطوا الخوف من الموت وكشفوا عجز العدو عن مواجهتهم: كلما سقط منهم بطلا حل محله عشرة ابطال عيونهم اقوى من الرصاص، وإرادتهم اقوى من الدبابات، وقد حسموا امرهم:
نعيش في ارضنا العربية احراراً ونسقيها بدمائنا لنحفظها للآتين بعدنا من الاشقاء والشقيقات، اصحاب الارض والغد.
من ساندنا ووقف معنا اكتسب شرف الانتماء إلى هذه الامة بتاريخها المشرف، ومن تخلى عنا او خاننا فهو اسرائيلي ولو كان عقاله مذهباً وكوفيته مفضضة وعباءته من الماس.
إننا أهل الارض، تكون بنا اولا تكون. لقد حاول الغزاة عبر التاريخ أن يغصبوا هذه الارض منا وفشلوا جميعاً. يكفي، كمثال أن نستذكر الصليبيين الذين استظلوا الصليب مخادعة وطمساً لهوية الاستعمار في حملاتهم الدموية التي قتلت الاهالي ونكلت بالنساء والاطفال وهدمت البيوت والمدارس.. لكنهم اجبروا على الانسحاب مخذولين.
لقد فشلت الحملة العسكرية الاستعمارية المتسترة، زوراً، خلف الصليب.. وكذلك ستفشل الحملة الجديدة التي جاءت إلى فلسطين، محتلة، وقد تسترت بالنجمة السداسية والدين اليهودي الذي لم يكن للمؤمنين به من اهل فلسطين وسائر الاقطار العربية ما يشكون منه.. بل كان العديد منهم من كبار المَّلاك والتجار، لا تنبذهم المجتمعات العربية ولا يعاملهم أهلها بعنصرية … بل أن بعضهم كان إلى جانب الخلفاء، في موقع الوزراء والمستشارين، وكان العلماء منهم (في الرياضيات والطب وعلوم الفلك، بل وفي قواعد اللغة العربية وتفسير القرآن يحظون بالاحترام الكامل، بحسب مكانتهم العلمية).
غزة هي الآن، الامة جميعاً،
هي فلسطين، بكامل مساحتها،
وهي لبنان وسوريا والعراق، هي الجزيرة العربية بالمملكة المذهبة والامارات المن نفط وقطر المن غاز، واليمن التي تنزف اهلها ظلماً وعدواناً.. هي مصر، رافعة نضال هذه الامة، صاحبة الريادة في اقامة دولة الوحدة، وهي التي قاتلت في فلسطين مرة، ومرتين وثلاثاً..
فلسطين هي الغد العربي، من تخلى عنها سقط في مزبلة التاريخ، ومن نصرها وساند جهادها كان يستنقذ مستقبل ابنائه واحفاده في هذه الارض المقدسة.