عملت في دار الصياد لمدة عشر سنوات متقطعة: مديراً لتحرير مجلة “الصياد” تحت رعاية مباشرة من المرحوم سعيد فريحة، ثم مراسلاً متجولاً في العواصم العربية بعدما تخليت عن ادارة التحرير لللامع، شفاهة وكتابة، جان عبيد.
ولقد أحدثت بعض المحاورات السياسية التي أجريتها مع ملوك ورؤساء وقادة احزاب ومفكرين عرب اهتماماً واسعاً، وأسهمت في توسيع رقعة انتشار “الصياد” واستطراداً “الانوار” التي كانت تنشر التغطيات والمحاورات السياسية.
ذات صباح من اوائل ايلول 1972 استدعاني المرحوم سعيد فريحة وقال لي: اريدك أن تجري حواراً مع الرئيس صائب سلام..
باغتني الطلب فحاولت الاعتراض: اسمح لي يا استاذي، لقد حققت محاوراتي مع المسؤولين العرب نجاحاً ملحوظاً، فدعني انصرف لمثل هذه المهمة التي تفيد مطبوعات دار الصياد، توزيعاً واعلانا، ولا تعيدني إلى هذا المستنقع المحلي الذي يقتل المبادرة ويلغي مبدأ الحوار..
قال سعيد فريحة بلهجة يختلط فيها التودد بالاستعطاف: ولكنني بحاجة لان اذهب إلى السعودية.. مفاتيح ابواب المملكة في ايدي صائب بيك..
قلت: ارجوك أن تعفيني من هذه المهمة، فصائب بيك لا يحبني، وقد يُسيء فهم ذهابي اليه فترتد المهمة بالسلب عليك..
قال: ولكنه هو من طلب أن تُجري انت بالذات هذه المقابلة..
ثم اغتصب ضحكة قبل أن يضيف: هل نسيت أنك قد غدوت من المشاهير؟
..ولقد حدد لك موعد اللقاء ومكانه… لسوف يخصك بان يستقبلك في بيته الريفي في الدوحة، على طريق خلده..
أسقط في يدي، فلم يكن امامي خيار… وهكذا كان هذا الحوار، الذي سجلته من دون أي تعليق بعد عودتي من الدوحة، وتركت للأستاذ سعيد أن يقرر ما يشاء بالنسبة إلى نشره، وقد امتنعت عن قصد عن التعليق او التقديم… لذلك، وحين فوجئت بقرار نشره، عمدت إلى كتابة سطور قليلة تحمل معنى الاعتذار عن غياب الاسئلة أكثر مما عن حضور الاجوبة.
*****
في مونولوج سجله طلال سلمان
صائب سلام يقول ما لا يقال: كرامي ولد تافه وجنبلاط دجّال وأنا زعيم الوطنيين!
الحكم في السعودية يعمل ما فيه الخير للملكة والعرب لكن العميل الامبريالي هو احمد زكي اليماني!
قال لي فرنجية: المخابرات سجلت رأيك في عبد الناصر ومن حوله فذهبت إلى عبد الناصر واسمعته رأيي
فؤاد شهاب مسح الوطن وحاول أن يمسح الوطنيين!
أنا انام لكميل شمعون؟ اعوذ بالله…
رياض الصلح لم يكن زعيما ولا وجه شبه بيني وبينه!
من الصعب أن تدير مع صائب سلام حواراً. انه يفضل المونولوج. ومن الصعب أن تخرج به من عالمه الخاص. فكل الآخرين، وكل الاحداث والاشياء تبدأ به او تنتهي عنده او تدور حوله.
وهو مريح للصحافيين الهواة لتمرسه بفن الكلام، ولسهولة دفعه او اندفاعه إلى الاستطراد: يكفي سؤال واحد حتى يغرق ويُغرق سائله في بحر من التفاصيل والحكايات يستخلص منها ما يستسيغ من الدلالات والتبريرات لموقف او قرار او تصرف سياسي.
على أن طلاقة صائب سلام وصراحته اللبنانية لكونه، حاليا، مركزها، تضفي على أي كلام يقوله حيوية واثارة.
وهذا الحديث يظل، رغم كل ما حاولته، مونولجاً يروي فيه صائب سلام بعض ما صدر عنه ووقع له خلال مئة وخمسين سنة تشكل ـ على حد قوله ـ عمره السياسي! فالزعامة جاءته من جد الجد.
وهو ليس تسجيلا لكل ما قاله رئيس الوزراء، ولكنه اختيار لاهم ما قاله في المواضيع والاحداث والاشخاص الذين تناولهم الحديث او الاستطراد.
قال عن لبنان:
انه “دار السعادة للتوليد”. تحبل المشاكل والازمات عند القذافي، وفي مصر او سورية او الاردن، وتلد في بيروت.
وقال عن سليمان فرنجية:
انه الرئيس الوحيد الذي لم يكن في انتخابه دور لا للسفير الاميركي ولا للسفير المصري ولا لأي جهة أخرى وعندما رشحناه عام 1964 لرئاسة الجمهورية اعتبر البعض ترشيحه مزحة.. لعلك تقول إن فوزه كان “ستروبيا”. ربما. لكن هيدا اللي صار. ولما عقبت بان السفير الاميركي لم يعد يهمه التدخل المباشر، لان مصلحته مؤمنة وهو في السفارة، قال صائب بيك: يمكن.
وسألته: هل النفوذ الاجنبي في لبنان الان اقل مما كان عند الاستقلال عام 1943؟
فأجاب: لا أستطيع القول انه اقل، ولكنه ليس أكثر.
هذا معناه أن قضية بناء الوطن وبناء الدولة لم يتقدما كثيرا في ثلاثين سنة استقلالية؟
الحق انهما لم يتقدما كثيراً.
وعن بشاره الخوري قال:
أن سبيرز كان يريدنا أن ننتخب كميل شمعون للرئاسة. وقد نام شمعون ليلة الانتخاب رئيسا. اجتمعنا نحن الاربعة: رياض الصلح، عبدالله اليافي وعبد الحميد كرامي وانا، لننقاش الموضوع. كان الثلاثة يريدون مماشاة سبيرز، ووحدي رفضت، رغم أن بيتنا تربطه علاقة قديمة بالإنكليز، وكنا محسوبين انكلو ـ سكسون. والذي أنقذ الموقف أن اميل اده رفض الانسحاب لشمعون، وهكذا فاز بشاره الخوري.
وعن رياض الصلح قال:
ما كان زعيما، “عمل زعيم”. ولقد مات وفي نفسه حسرة انه لم يستطع مرة واحدة أن يفوز بالنيابة في بيروت. أمضى عمره نائباً عن الجنوب. وكان يهرب إلى المجال العربي تعويضاً عن النقص في شعبيته اللبنانية. وليس من وجوه شبه بيني وبينه، ولست افهم أن يشبهني البعض به.
رواية عن عبد الناصر شاهُدها فرنجية!
وعن عبد الناصر قال كلاماً كثيراً…
قال: أن عبد الناصر لم يعلمني الوطنية. انا في الوطنية قبله، وفيها بعده. صحيح انه حمل راية القضية العربية ووصل بها إلى آفاق عالمية، لكنه لم ينطلق من فراغ. كنا موجودين قبله، وكنا نناضل ونتحمل تبعات النضال قبل أن يظهر على المسرح. لهذا قلت لك أن عمري السياسي هو 150 سنة، والسياسة تركة في بيتنا ورثتها عن ابي، فجدي، إلى جد الجد.
واستطرد فقال: وكان رأيي باستمرار أن عبد الناصر عظيم ولكن من حوله سفلة! ومرة قال لي سليمان فرنجية “هيدول ـ أي المخابرات ـ مسجلين لك على ساعة رأيك في عبد الناصر ومن حوله”، فركبت الطيارة ورحت إلى مصر وطلبت مقابلة مع عبد الناصر. وعندما دخلت عليه بادرته بقولي: عرفت انهم سمعوك تسجيلاً لرأيي فيك وفي معاونيك..
فقال: والله ما سمعتش حاجة..
قلت: بلى سمعت. وانا مستعد أن أعيد كلامي على مسمعك. أن كل من حولك سفلة!
كانت المخابرات هي كل شيء. وأذكر أن عبد الحميد السراج قال لي، في لقاء غير بعيد معه، انه اكتشف ـ متأخراً ـ أن صلاح نصر وسامي شرف كانا الحكام.
وعن اسباب خلافه مع عبد الناصر قال: كان لا يترك امور لبنان للزعماء اللبنانيين. ولقد قلت له أكثر من مرة: اطلب منا فنعطيك. ولكن الاجهزة كانت تريد تحطيم الزعامات، فعمدت إلى الاعتماد على الوليدات، والقبضايات. ولقد جنت هذه الاجهزة ما زرعت، ففي اول فرصة تركها هؤلاء وذهبوا إلى من يدفع أكثر.
وروى، على سبيل المثال واقعة معينة، قال:
عشية الانتخابات النيابية عام 1960، اجتمعنا في دارة الحاج حسين العويني للبحث في تركيب لائحة الدائرة الثالثة. كان هناك السفير المصري عبد الحميد غالب وعبدالله اليافي وانا. وكانت الاجهزة قد حضرت بعض الشباب البيروتي (الجارودي وغيره) على أن يشكلوا لائحة منافسة، ثم استخدمت ذلك للضغط كي تفرض علينا مرشحين معينين. والذي حدث في الاجتماع أن عبد الحميد غالب عرض أن يمنع تشكيل اللائحة المنافسة شرط أن نأخذ على لائحتنا رشيد الصلح. ولقد رفضت هذا العرض. وأصريت على موقفي رغم الحاح غالب، الذي “بق البحصة” في اخر الامر فقال أن رشيد الصلح يهم المشير عامر شخصيا. وبقيت على موقف الرفض معتبرا اننا أخبر ببلدنا من غالب وعامر وعبد الناصر نفسه. ولقد فوجئت بعبدالله اليافي يقول: يا أخي، ليس من الشهامة أن ترفض طلباً للمشير!.
وصرخت به: لا احد يحدثني عن الشهامة، انا نبع الشهامة… ثم قمت منصرفا، فلحقوني إلى الباب واسترضوني حتى عدت، ولكن لم اتزحزح عن موقفي، وبقي رشيد الصلح خارج اللائحة.
شهاب مسح الوطن والوطنيين!
وعن فؤاد شهاب وتلك العلاقة الخاصة التي كانت بينه وبين عبد الناصر، قال صائب سلام:
الف مرة قلت لعبد الناصر أن فؤاد شهاب يتستر بك لضرب الوطنيين والقوى الوطنية في لبنان..
واستطرد قائلاً:
من اسف أن الوطنيين، في هذا البلد، هم، بشكل ما، المسلمون.. وزعامة المسلمين في بيروت، باعتبارها العاصمة، وبيروت هي الدائرة الثالثة؟! وابتسم ابو تمام بسعادة غامرة وانا اضيف: الدائرة الثالثة صائب سلام…
ثم استطرد فقال: من هنا عظمة معركة المقاصد التي يذكرها، ولا بد، كل لبناني. طبعاً تعرف شو صار يومها. جند فؤاد شهاب والمكتب الثاني كل خصومي وكل المنتفعين بالسلطة ضدي لانهائي. لكننا أثبتنا أن في البلد وطنيين لا يخضعون للضغوط وتحكم العسكر. ووقتها اهتم المسيحيون بالمعركة مثل المسلمين وأكثر.
وعاد إلى فؤاد شهاب فقال فيه:
شو عمل فؤاد شهاب؟ كل اللي عمله انه مسح الوطن وحاول أن يمسح الوطنيين.
ثم عاد إلى عبد الناصر فقال:
رغم كل شيء، استمرت علاقتي بعبد الناصر حتى النهاية. ومن الاشياء التي لا يعرفها الناس انه كلفني، مرة، بالتدخل لحل مشكلة اليمن. وقبلت. وصدف أن عرفت أن الامير سلطان سيمر ببيروت، فذهبت إلى المطار وسط دهشة الناس وقابلته وتحدثت معه ووعدني أن يضم جهده إلى جهدي. ويومها قالوا عني، وربما في مجلتكم، ايضا انني عميل، فما همني..
واستمرأ كشف المخبأ فأضاف يقول:
ومما لا يعرفه الناس ايضاً انني، عندما أخرج عبد الناصر قوة الطوارئ الدولية عشية 5 حزيران، نصحت كميل شمعون بالسفر إلى القاهرة ومقابلة عبد الناصر.
يومها ارسلت وراء سليمان فرنجية وحبيب كيروز في اهدن وطلبت منهما الذهاب برفقة شمعون لهذه الغاية. ولقد ذهبا ووافق شمعون وقال: صائب معه حق.. ثم قطع تذكرة سفر، ولكنه فضل أن يذهب اولا إلى اوروبا للتمويه، من جهة، ولمقابلة الملك فيصل ومحاولة اقناعه الانتقال إلى القاهرة والوقوف إلى جانب عبد الناصر… لكن وقوع العدوان عطل المشروع.
واستطرد فروى جانباً من وقائع آخر لقاء له بعبد الناصر، وذلك في الساعة 12 ظهراً يوم الخميس الواقع في 8 حزيران 1967، قال:
بعدما انهيت حديثي معه، وقمت منصرفا، خرج جمال معي مودعاً إلى الباحة الخارجية، وقال لي: سلم لي على الاخوان كلهم…
وسألته: مين يعني؟
ـ قال سليمان ونسيم..
ـ ومين كمان؟
ـ وريمون اده..
ـ ومين كمان؟
ـ وبيار الجميل..
ـ ومين كمان؟
ـ خلاص، اللي انت عاوزه..
ـ راح سلم لك كمان على كميل شمعون؟
ـ كميل شمعون؟!
ـ أي: كميل مشعون..
ـ طيب، وماله.. انت أخبر ببلدك.
وأضاف صائب سلام:
ولقد سعدت بالجملة الاخيرة، لأنني شعرت أن عبد الناصر قد سلم اخيراً بمنطقي بترك الشؤون اللبنانية لزعماء لبنان!
ومما يسعدني الان أن زعماء المقاومة اخذوا، بدورهم، بهذا المنطق. وهكذا وافقوني على ضرورة الاتصال بزعماء المسيحيين، وبالفعل اتصلت، من هنا، من الدوحة، وهم عندي، بكميل شمعون، للاتفاق على موعد لقاء معهم، وكذلك ريمون اده وبيار الجميل.
أنا أنسى كميل شمعون؟
سادت لحظة صمت.. ومضيت ارقب ابا تمام وهو يداعب حاجبيه الكثيفين وينتزع بعض الشعيرات البيضاء، وفوجئت بالحديث ينعطف باتجاه اخر حين قال:
لا تظنني انني كنت، بذلك كله، أخدم شمعون، بل كنت اخدم وطني والعروبة..
انا أنسى ما عمله كميل شمعون؟ انا انام لكميل شمعون؟ اعوذ بالله راح اقول لك شي.. السنة الماضية انا اللي سقطت مرشحه لرئاسة المجلس. وكانت ضربة تكشف حقيقة موقفي وعواطفي نحوه.
وعن رشيد كرامي قال:
هيدا ولد تافه.. وهذا سبب بقائه في الحكم في عهد شهاب والمكتب الثاني.
وعن كمال جنبلاط قال:
هيدا دجال. وهو درزي اولاً وأخيراً، لا اشتراكي ولا شي.
عن السعودية طال الكلام واكتسب حرارة خاصة.. قال صائب سلام:
من زمان تجمعنا صداقة بآل سعود. ولكنني بعت هذه العلاقة، في فترة، من اجل عبد الناصر، وكمان بسبب اعمال الملك سعود.
وما اعدت وصل ما انقطع بسبب عبد الناصر الا بطلب منه. وأذكر انني كنت انوي الذهاب لتهنئة الملك فيصل، فجاءني ابنه عبدالله وقال لي: انت والدنا، ومن الضروري أن تذهب اليه وأن تتحدث معه، فذلك مما يفيد العرب..
وقلبت الامر على مختلف وجوهه، فرجح عندي صواب هذا المنطق، وبادرت أن أرسل وفد من المشايخ للتهئنة. اتعرف لماذا؟ كان ثمة وفد من المطارنة ورجال الدين المسيحيين قد ذهب مهنئا، واستبشعت أن يغيب المسلمون.. وبعد ذلك ذهبت بنفسي.
وانتقل صائب سلام فجأة من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم، قال:
بعدين ليش حملة التشكيك بكل اتصال او علاقة مع السعودية. إذا استقبلت انا سعودي تقوم القيامة، روحوا شوفوا مصر. كلما زارها امير سعودي تعمل له ما لا يعمل.
ثم .. ماذا اعطينا فيصل والسعودية في لبنان؟
صحيح اننا نظمنا له يوم جاءنا استقبالاً كبيراً، ولكن ذلك كان امراً طبيعياً وضرورياً فهو ملك.. أما عن موعد الزيارة كونها صادفت في الذكرى الأولى لوفاة عبد الناصر فيشهد الله أن ذلك تم عفواً. كنا في القصر الجمهوري بإهدن، لما جاء السقاف يبلغنا بموافقة فيصل على القدوم، وذلك قبل 20 يوماً من الزيارة.. وناقشنا، وحددنا الموعد دون ان ينتبه أحد إلى الذكرى.
وأخيراً احب أن اطمئنك إلى أن عبد الناصر وفيصل كانا اكثر صداقة وتحابا مما تظنون وتريدون..
هذا اضافة إلى انني اخذت من فيصل للبنان كل ما كنا نريده منه، وعلى سبيل المثال فان الملك كان معصلجا في موضوع الانفاق التجاري، ولكنني جعلته يبرق إلى السعودية قائلا لمن يعنيهم الامر: نفذوا ما يمليه عليكم صائب سلام.
والمصفاة؟ هيدي عروبة. شو الضرر، دخلك، أن تقوم مصفاة عربية إلى جانب الانكليزية والأمريكانية؟ خصوصا وقد جعلنا الاتفاق عليها بين دولة ودولة لمنع السمسرة وشبهات الصفقة.
وفوجئت مرة أخرى بصائب سلام يستدرك فيقول:
قناعتي أن الحكم في السعودية يعمل ما فيه الخير للمملكة والعرب، ولكن العميل الامبريالي الصحيح والحقيقي هو احمد زكي اليماني.
ـ وزير النفط؟!
ـ أي، وزير النفط المسنود إلى حد أن الملك مش قادر يشيله!
وعن اليسار ودوره في لبنان، قال صائب سلام:
أن الحركة الوطنية قد ضربت بعد 1958، فقبلها لم يكن ثمة حديث عن يسار ويمين، والتصنيفات لم تكن موجودة.
وختم الحديث بملحوظة حول الشباب الجديد فقال:
شو نضال هالزمان قدام نضالنا. شو شفتو انتو؟ النضال الصحيح كان على ايام فرنسا. يومها كانت الوطنية تعني التضحية، اما اليوم فالشباب متطرف وموتور، وكل من لا يعجبهم يدمغونه بالخيانة والرجعية والعمالة للإمبريالية.
العودة إلى العالم
وقمت فودعت الرئيس سلام ومرافقه الظريف مختار عيتاني الذي تنسيك ثقافته المنوعة عسكريته، وسكرتيره الرزين مصطفى بيضون.
في الباحة الخارجية كان ثمة حشد من سيارات الفرقة 16 والشرطة والامن العام والدرك وموتوسيكلات الموكب..
وكان لا بد أن يتكرم الدركي برفع الحاجز الحديدي حتى يمكنك العودة إلى العالم، بعد تلك الرحلة الممتعة في عالم صائب سلام الخاص.
نشرت هذه المقابلة في مجلة “الصياد” بتاريخ 9 تشرين الثاني / نوفمبر 1972.
الخاتمة … السعيدة!
مع صدور “الصياد”، ذلك الخميس، ضجت البلاد بتصريحات الرئيس صائب سلام، وانقسم الناس بين اكثرية معترضة واقلية مؤيدة، وسُمع اطلاق غزير للرصاص اختلط فيه المستنكر مع المبتهج، وتوعدني البعض بالويل والثبور وعظائم الامور.. واتصل الرئيس صائب سلام من حيث كان يمضي اجازته بالإذاعة الرسمية وتلفزيون لبنان ليقول ـ من دون أن ينفي او يستنكر ـ أن “الحديث مشوش ومشوه..” وانه سيوضح الأمور فور عودته إلى بيروت.
في اليوم التالي، الجمعة، فوجئت بافتتاحية لسعيد فريحة في “الانوار”، يعتذر فيها من صائب سلام، محملاً ناقل الحوار المسؤولية، مجدداً اعتزازه بوطنية رئيس الحكومة وصلابة مواقفه.
ولم يكن امامي، بطبيعة الحال، غير أن اقصد إلى دار الصياد لتقديم استقالتي وجمع حاجياتي الشخصية.. وفوجئت بوفد من أهلي جاء بدافع القلق للاطمئنان إلى سلامتي، وحين التقوا المرحوم سعيد فريحه خاطبوه كقراء: لماذا تتخلى عن اكفأ محرر لديك؟ ومما الخوف.. وغير الذي ركب هذ الرأس لا يستطيع أن ينال شعرة منه!
كان سعيد فريحة في غاية الحرج.. لكن الغاية تبرر الوسيلة.. وصار اقصى ما يطلبه أن اتراجع عن استقالتي، معلنا استعداده للسماح لي بكتابة رد على افتتاحيته، اشرح فيه حقيقة ما جرى..
لم تكن لدي فرصة عمل أخرى.. ثم أن الضجة التي اثارها حديث الرئيس صائب سلام حفرت اسمي في ذاكرة الناس أكثر من مجموع ما كنت انجزت من سبق صحافي في “الصياد” و”الانوار”، وقبلها في “الحوادث” و”الاحد”… واكتفيت بتعاطف جمهور القراء وتضامنهم وتصديقهم ما كتبت، وعدت إلى متابعة عملي، خارج كل ما هو محلي، مرفوع الرأس.