اكد ناشر ورئيس تحرير صحيفة السفير اللبنانية الصحفي طلال سلمان في حديث لوكالة انباء الجمهورية الاسلامية الايرانية ردا علي سؤال حول احتمالات شن واشنطن حرب عسكرية ضد ايران اكد بانه لا احد مستعد لمغامرات عسكرية ضد ايران.
واضاف بان الثورة الاسلامية في ايران انتصرت بفعل استثنائية قائدها الامام الخميني من جهة واستجابة الشعب الايراني وايمانه ببلده وسعيه نحو الحرية والكرامة. ولفت سلمان الي ان دعم الجمهورية الاسلامية الايرانية للقضية الفلسطينية ينبع من المنطلقات العقائدية للثورة ومن العلاقة المميزة التي تربط الشعب الفلسطيني بالقدس الشريف. سلمان استبعد امكانية حصول حوار ايراني سعودي في هذا التوقيت وذلك بسبب غياب الحكمة لدي حكام الرياض وابو ظبي مؤكدا ان من صنع قوة اسرائيل هو ضعف الدول العربية.
وفيما يلي نص المقابلة كاملة:
ارنا: انتم تعتبرون من الشخصيات العربية التي واكبت الثورة الاسلامية الايرانية منذ بداياتها ويبدو واضحا لمن يتابع عملكم الاعلامي انكم تعرفون ايران جيدا. كيف بدأت قصتكم مع الثورة الايرانية؟
سلمان: البداية كانت من خلال احد اصدقائي الذي يدعي محمد صالح الحسيني وهو مناضل استشهد فيما بعد في لبنان. كانت علاقتي به وثيقة ومن خلاله تعرفت علي مجموعة من الشباب الايراني الثوري، وقد طلبوا مني التوسط لدي القذافي لمنحهم اذاعة كان قدمها لجماعة بازركان.. جاء محمد صالح الحسيني مع محمد منتظري وذهبت معهم الي القذافي وبالفعل وافق القذافي علي انتقال الاذاعة الي الحسيني ومنتظري وهما من الثوار المحسوبين علي خط الامام الخميني.
فيما بعد عندما نفي الامام الخميني الى فرنسا في نوفل لوشاتو ذهبت الى هناك وصليت وراءه احد ايام الجمعة ثم تمكنت من الجلوس معه حوالي الساعة والنصف اجريت معه خلالها مقابلة.
نشرنا الحديث حينها في جريدة “السفير” وعندما انتصرت الثورة ارسلنا باسم السبع الذي كان يومها احد الصحفيين العاملين في “السفير” الي فرنسا ليعود في نفس الطائرة التي اقلت الامام الخميني الى طهران. اما انا فقد توجهت مباشرة الى طهران لألاقيه في قم في مدرسة الروضة.
ذهبنا الى الامام الخميني في مدرسة الروضة واذكر انها كانت مجاورة لمدرسة ثانية ويفصل بينهما سور حديدي. انتظرنا امام المدرسة من الساعة السابعة صباحا وعند التاسعة انهار السور الحديدي جراء ضغط الجماهير التي اصطفت للقاء الامام. القى الامام يومها خطابا وجلسنا معه كما استطعت حينها اجراء مقابلات مع معظم اعضاء الحزب الجمهوري واخرين من احزاب اخرى. وهذا مكنني من تكوين صورة واضحة لاني رأيت مجموعة كبيرة واراء متعددة. طبعا اكثر ما اسعدني هو اني استطعت اجراء لقاءين صحفيين مع الامام الخميني.
ارنا: ما هي الانطباعات التي تكونت لديك حول شخصية الامام الخميني؟
سلمان: لا شك انه قائد حقيقي، رجل في الثمانين من عمره واثق بنفسه ولديه ايمان واصرار بالانتصار. هذا امر خارق وهو في عمر الثمانين يثق بالانتصار. هو ايضا رجل دين وليس قائد سياسي عادي. شخصية الامام باهرة. لا اضيف شيئا اذا قلت ذلك. هو قائد تاريخي. وكان واضحا ان الثورة كانت خطة في ذهنه منذ ثلاثين عام. كان يسعي اليها ويدعو لها ويبشر بها.
وعندما اتت اللحظة الحاسمة اقدم. وقد وقف الشعب الايراني معه. الفقراء نزلوا الى الشارع وشاركوا بتظاهرات هائلة وكبيرة. لو لم يستجب الشعب الايراني لكان الامام الخميني مبشرا فقط وكان تعرض للاعتقال او النفي ولكن الزخم الكبير مصدره الشعب الذي استجاب لقائده بوفاء وتضحية.
ارنا: هل كونت صورة عن حالة الشعب الايراني في تلك المرحلة؟
سلمان: رأيت الشارع الايراني واحسست بنبضه. في احد الايام كنا عند سفير الثورة الفلسطينية في طهران هاني الحسن. وعبر عن شعوره بالجوع امامنا وبحضور مرافقيه الايرانيين. بعد وقت قصير سمعنا ضجة خارج الغرفة لنفاجأ بعدد كبير من الايرانيين اتوا الينا يحملون مختلف اصناف الطعام ليقدموه للحسن. فهمنا فيما بعد ان مرافقي هاني الحسن ابلغوا ان السفير الفلسطيني جائع لتأتي ردة الفعل الشعبية لتقديم الطعام له.
ما لفتني ايضا انه بعد انتصار الثورة قصور الشاه لم تمس ولم تتعرض لاي تخريب ما يعكس المستوي الحضاري الراقي لدي الشعب الايراني الذي اعتبر ان هذه القصور اصبحت ملكا للدولة الايرانية ولا ينبغي تخريبها.
واود ان اشير ايضا الي ان السير في شوارع المدن الايرانية في تلك الاثناء ومشاهدة البؤس الذي كان سائدا بسبب سياسات الشاه افهمنا المعني الحقيقي للثورة واعطى تفسيرا لما جرى.
انا من خلال عملي كصحفي كنت متابعا لما يجري في ايران ولسلوك الشاه ومهرجاناته الباذخة في مقابل غرق شعبه في حالة بؤس وفقر شديدين. لقد كانت واضحة الفوارق بين الاغنياء والفقراء.
ارنا: ولكن الثورة لم تكن ثورة فقراء فقط؟
سلمان: صحيح فالبازار كان حليفا للثورة وكان رافضا للاحتكارات ولكن الفقراء كانوا هم اكثرية الشعب الايراني.
ارنا: من هي الشخصيات التي التقيتها وتاثرت بها غير الامام الخميني؟
سلمان: التقيت بشريعتمداري الذي لم يكن محبا للامام وبالطالقاني صاحب التجربة النضالية المميزة من خلال سجنه لمدة 14 عام وقد سجنت معه بناته اللواتي تعرضن لاسوأ انواع التعذيب. التقيت السيد بهشتي وايضا بني صدر.
ارنا: استاذ طلال حضرتك رجل قومي عربي فما الذي جذبك في ثورة دينية؟
سلمان: انا برأيي ان الامام الخميني هو قائد ثورة. اما كونه رجل دين فهذا بالنسبة لي هو مجرد اضافات. طبعا هو قائد الثورة المؤمن بالله وايضا بالشعب. لو لم يستجب له الشعب الايراني لما تحققت الثورة. الشعب الايراني شعب عظيم وهو لم يتحرك فقط بدافع ايماني. لقد كان جائعا وفقيرا ومحروما من ابسط حقوقه. وقد ثار الشعب من اجل تحصيل حقوقه بشكل رئيسي. وطبعا الاسلام كان حافزا عظيما.
ارنا: متي بدأ سوء التفاهم مع العالم العربي؟
سلمان: برأيي ان المشكلة بدأت مع فكرة تصدير الثورة التي اعتبر انها خطأ ارتكب وفيه نوع من الاستخفاف او عدم الاحترام للشعوب الاخرى. انا مثلا معجب بالثورة الايرانية ولكن لدي ملاحظات. يمكن ان استفيد منها ويمكن ان تعطيني زخم وقوة ومعنويات ولكن للثورة الايرانية لديها مناخها الثقافي الخاص في المقابل الشعوب الاخرى لديها محيطها الخاص وتكوينها الثقافي المتمايز.
ارنا: الا ترى ايضا ان الانظمة العربية هي التي اصرت على معاداة ايران وساهمت بخوض الحروب ضدها وخاصة الحرب العراقية؟
سلمان: نعم الانظمة العربية معادية للثورة. هم كانوا مؤيدين للشاه ويشاركون في احتفالاته. اصلا هم ضد مفهوم اي ثورة فالحكم عاقر. الانظمة ضد التغيير. الزعماء العرب يخافون على عروشهم من اي ثورة في اي مكان.
في البداية جاملوا الثورة الايرانية من موقع الخائف والمرعوب. هم يعرفون ان عروشهم ليست افضل او اقوي من عرش الشاه. اما الجمهور العربي باكثريته فكان مع الثورة عاطفيا واعجابا وانبهارا. لكن اثارة النعرات المذهبية والكلام عن تصدير الثورة ساهما يتغيير المزاج العربي واعتقد ان كثيرين في العالم العربي لم يؤيدوا صدام في حربه على ايران لكنهم في نفس الوقت لم يكونوا مع ايران.
ارنا: الم يكن لدي الشعوب العربية تقدير للجمهورية الاسلامية الايرانية بسبب دعمها الكبير لفلسطين؟
سلمان: علاقة الثورة بفلسطين اعتبرها طبيعية ولا يمكن الا ان تكون كذلك. القضية الفلسطينية هي قضية الارض والايرانيون شعب مرتبط بارضه ومؤمن ببلده. هم صنعوا الثورة بايمانهم فاعطتهم خبزا وكرامة وحرية. كما ان الدعم الايراني لا يمكن ان يكون بديل عن الثورة الفلسطينية نفسها. الاساس هم الفلسطينيون الذين انتجوا ثورة كانت عظيمة في بداياتها وانا عاصرت الكثير من تلك المحطات. طبعا الدعم الايراني مهم وينطلق من مشتركات عديدة ابرزها الانتماء للاسلام. اخبرني الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل ان القائد العسكري البريطاني الليمبي تحدث في مذكراته عن انه حين دخل القدس فوجىء بوجود مجموعة ايرانية تدافع عن المدينة المقدسة.
ارنا: ولكن الم تدفع ايران ثمن دعمها للقضية الفلسطينية؟
سلمان: انا رأيي ان فلسطين لا تخسّر اي طرف او جهة او دولة تقف الى جانبها. على العكس من ذلك فلسطين تضفي ربحا للثورة سواء في الداخل الايراني او لدى الشارع العربي. فلسطين ايقونة. والامام الخميني قائد ثوري معادي للصهيونية وللكيان الاسرائيلي والشعب الايراني مرتبط وجدانيا ببيت المقدس مسرى الرسول واولى القبلتين وثاني الحرمين الشريفين والقدس راسخة في التراث الاسلامي وهي تكسر الحواجز المذهبية بين السنة والشيعة. كما ان الوقوف الى جانب فلسطين هو ذكاء سياسي وتناغم مع الشعارات التي رفعتها الثورة الاسلامية.
ارنا: ما هو ردكم على الذين يحملون الثورة الاسلامية مسؤولية اثارة النعرات المذهبية في المنطقة؟
سلمان: من الطبيعي ان تثار حملة على الثورة على خلفية انتمائها المذهبي الشيعي وان يتم التشكيك باسلاميتها والترويج لفكرة انها تستهدف السنة وانها ثورة فارسية لمواجهة العرب. هذه مجموعة ذرائع لاقت رواجا ووجدت صدا عند المتعصبين.
اليوم نلاحظ ان لبنان وسوريا والعراق واليمن يدفعون ثمن كبير بحجة انتمائهم الشيعي والعلوي والزيدي. للاسف الدين يستخدم اليوم كسلاح سياسي ونحن نرى نتائج هذا الاستخدام.
ارنا: هل ترى ان موازين القوي اليوم في المنطقة تميل لصالح ايران ومحور المقاومة في مواجهة العدو الاسرائيلي؟
سلمان: نعم هذا الكلام صحيح بشكل نسبي. انا مع ايران وضد اسرائيل وانا اريد ان تتحرر فلسطين ولكن هذا لا يكفي. على الشعب الفلسطيني مسؤولية تاريخية. ايران تقوم بواجباتها تجاه القضية الفلسطينية ولكن المطلوب مبادرة عربية. لا يمكن لايران ان تحل محل شعوب المنطقة. تجربة الثورة الايرانية تعلمنا ان الشعوب هي الفاعلة وان الثورات لا تؤجر.
ارنا: هل يمكن ان نشهد قريبا حوارا ايرانيا عربيا وتحديدا ايرانيا سعوديا؟
سلمان: لا اري هذا الامر قريب. فالنفوذ الاميركي في الخليج هائل ولدى الاميركيين قواعد عسكرية في الدول الخليجية العربية. واليمن اليوم تستنزف السعودية بشكل كبير.وهناك خلاف اماراتي سعودي في اليمن اضافة الى الصراع مع قطر بالمقابل هناك انفتاح قطري ايراني. كما ان اداء الحكام الحاليين خاصة محمد بن سلمان ومحمد بن زايد يفتقر الى الحكمة وبالتالي فان هذا المشهد المعقد لا يوحي بامكانية حوار قريب.الا اذا شعر محمد بن سلمان بان المجتمع في السعودية يتخلخل وان ما يقوم به من استعراضات لا يكفي لايصاله الى العرش. قد يرى نفسه مضطرا لفتح العلاقات مع جيرانه واعادة ترتيب العلاقات معهم.
ارنا: الاميركيون يرفعون مؤخرا لهجة مواقفهم تجاه الجمهورية الاسلامية الايرانية. هل يمكن ان تصل الامور الى شن حرب عسكرية ضد طهران؟
سلمان: لا اعتقد ان الخيار العسكري مطروح. لا احد مستعد لمغامرات عسكرية ضد ايران. حتى الرئيس الاميركي ترامب يرى الخيار العسكري مكلفا خاصة اذا لم يجد من يؤيده في الداخل الايراني. ايران بلد كبير والحرب العسكرية ضده ليست نزهة. وواشنطن غير مستعدة لارسال مليون جندي ليشاركوا في مثل هذه الحرب.
ارنا: الا يمكن للعدو الاسرائيلي ان يقوم بهذه المهمة؟
سلمان: اسرائيل قوية ولكن لا اعتقد ان قوتها وصلت الى حد شن الحرب على ايران. اسرائيل تكثر الكلام عن ايران لتخيف الدول العربية. وانا اعتقد ان اسطورة اسرائيل القوية هي من صنع الضعف العربي والهزيمة العربية.
ارنا: اين مصر من كل ما يجري في المنطقة؟
سلمان: انا من عشاق مصر. 80% من اصدقائي وصديقاتي مصريين من الكتاب والادباء والصحفيين والفنانين من نجيب محفوظ الى توفيق الحكيم وامل دنقل وعلاء الاسواني ولكن للاسف مصر اليوم غائبة.
ارنا: في الذكرى التاسع والثلاثين للثورة الاسلامية الايرانية ما نصيحتكم للشعب الايراني وللقيادة الايرانية؟
سلمان: انا لا اسمح لنفسي بان انصح. انا اتمنى. واقول للايرانيين ان الثورة حقل الغام وليست ارض منبسطة وفيها الاشواك والعقبات والصعوبات المخيفة. ايران اليوم قطعت شوط كبير. طبعا هي دولة اقليمية كبرى ولها دور اقليمي ولكنها ايضا تحتاج للعمل من اجل التقدم والازدهار في الداخل. الانجاز الداخلي هو الذي يصنع الوهج والاستقرار. انا زرت ايران وهناك تقدم كبير في الداخل. النجاح في الداخل هو الذي يستقطب ويجذب.
انا رجل صريح واود ان اقول للايرانيين ان 80 بالمئة من المجموعات التي تدعمونها قد تترككم اذا تعرضتم لازمة مالية باستثناء “حزب الله” طبعا. الانظمة العربية افسدت الناس من خلال لعبة المال. لذلك اتمنى على الايرانيين الانتباه لهذه المسالة.
ايضا اتمنى ان يتعاطوا بهدوء وتواضع والابتعاد عن الفوقية تجاه الاخرين لانه كلما ركزت على البعد الايراني سيصبح الاخر عربيا اكثر. المطلوب الهدوء والتعقل والاقناع والتفاهم بالرضا والتركيز على المصالح المشتركة والاعداء المشتركين والاهم الابتعاد عن الغرور لانه المهلكة.
اجراء الحوار: محمد خواجوئي ـ بثينة عليق
تنشر بالتزامن مع موقع وكالة الجمهورية الاسلامية للانباء (ارنا)