لافت هو التصريح المتلفز الذي أطلقه السفير الأميركي في بيروت جيفري فيلتمان، أمس، ومن الأرز، اثر زيارته قائد القوات اللبنانية .
لافت لأنه قد تجاوز، بقصد مقصود، وبتعمّد واضح وباختيار دقيق للزمان والمكان والمضيف، الشؤون المحلية العارضة ليتحدث عن تقرير بيكر هاملتون حول العراق تحت الاحتلال الأميركي، وما ورد فيه من مقترحات تستهدف إخراج الإدارة الأميركية من مأزقها الذي يتعاظم خطورة بقدر ما تتفاقم المجازر الجماعية التي تذهب بالمزيد من أبناء العراق، فضلاً عن تدمير مستقبلهم في وطنهم الذي خسر وحدته ودولته المركزية وبعض رصيده العظيم في صنع تاريخ الحضارة.
قال السفير الأميركي، بداية، إن تقرير لجنة بيكر هاملتون ليس قراراً، بل إنه مجموعة من المقترحات غير الملزمة تقدمت بها هيئة خاصة، قد تختار الإدارة بعضها فتعتمدها وتهمل ما عداها… (وهذا بديهي).
وقال السفير الأميركي في بيروت إن المقترحات التي تتحدث عن ضرورة فتح أبواب الحوار بين الإدارة الأميركية وكل من طهران ودمشق، إذا ما اعتمدت (وليس مؤكداً أنها ستُعتمد) لن تؤثر بأي حال على موقف واشنطن من الوضع القائم في لبنان، فهي ستظل على دعمها لشعارات ثورة الأرز في الحرية والاستقلال والديموقراطية والسيادة الكاملة…
وقال السفير الأميركي ما مفاده أن الإدارة الأميركية لن تتخلى عن أصدقائها في المنطقة جميعاً، وأنها لن تقايض بهم، ولن تساوم على أهدافهم… هذا في حال أخذت الإدارة ببعض مقترحات اللجنة فاعتمدتها كقاعدة جديدة لتأمين احتلالها العراق ضد المخاطر التي تأتيه من جيرانه. كأنما المقاومة في العراق مستوردة،
وكأن العراقيين بملايينهم قد استسلموا للاحتلال الأميركي واستكانوا وتخلوا عن حقهم في وطنهم وفي دولتهم التي كانت معقد آمال العرب جميعاً لولا أن الطغيان قد ذهب بمنعتها واختار وريثه في حكمها!
لطيف من السفير جيفري فيلتمان أن يكون حريصاً على بث الطمأنينة في نفوس من يعتبرهم أصدقاء إدارته، وأن يختار بالتحديد موضوعاً كمستقبل العراق تحت الاحتلال الأميركي لحديثه المتلفز، أمس.
فالنموذج الذي أعطاه يشيع الراحة ويعمم الشعور بالأمان ويؤكد النجاح المطلق لتجربة نشر الديموقراطية بالاحتلال العسكري بذريعة كاذبة، والتسبّب بمقتل أكثر من 655 ألف عراقي خلال ثلاث سنوات، بحسب تقارير قدمتها بعثة طبية أوفدتها جامعة جونز هوبكنز الأميركية، المعروفة برصانتها ومكانتها العلمية المميزة، وقد شاركها علماء من الجامعة المستنصرية في بغداد.
كل ما فعله جيف ، كما يحب أن يدعوه أصدقاؤه اللبنانيون، أنه أراد أن يطمئننا في لبنان عن طريق الإيحاء بأن تقرير لجنة بيكر هاملتون لوقف المذبحة العراقية قد لا يُعتمد، وإذا ما اعتُمد فإنه لن يلقي ظلاً أسود على لبنان بل… ستستمر مسيرة الازدهار التي ترعاها الإدارة الأميركية عندنا، محققة النجاح تلو الآخر!
وليت أصدقاء جيف يبلغونه أننا شبعنا ازدهاراً على الطريقة الأميركية، المكتوبة بدماء أخوتنا العراقيين وشعوب أخرى عديدة.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
What's Hot
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان