تفاهات السياسة اللبنانية والحرب الأهلية المعلنة ضد الدولة على أيدي «رجال»الدولة أنفسهم، تصبح مهمة فقط من ناحية واحدة هي كون لبنان إحدى دول المنطقة التي تعيش جواً من عدم الثقة بالنفس، وبالمستقبل، على أيدي طبقة سياسية فاسدة لا تكتفي بذلك بل تعلن فسادها على المنابر وشاشات التلفزيون وفي الإذاعات.
السمة العامة للوضع العربي الذي تتعاطى معه السياسة الأميركية، هو وجود دول يغالبها شعور عام بالاهتزاز، تنتج السياسة بمعناها اليومي، وغالباً ما يغيب أي أفق استراتيجي: لبنان والعراق والأراضي الفلسطينية المحتلة والسودان، قد تكون نماذج صارخة ولو متفاوتة الخصوصيات على هذا الوضع.
ولو شاء يا ترى دبلوماسي أميركي أن يكشف فعلاً حقيقة مشاعره وهو يتجول في معظم المنطقة ورأيه الصريح بقماشة السياسيين الذين يلتقيهم، هل كان سيدلي بغير القول أن «الاحتقار» الفعلي وغير المعلن الذي تمارسه السياسة الأميركية حيال عدد من الأوضاع العربية، وتسليمها شؤون المنطقة لإسرائيل واستراتيجيتها، هو الثمن الفعلي الذي تستحقه دول ركيكة كهذه؟
لسنا لنتكئ على هذا الاحتقار الأميركي كمسلَّمة… لأن التوكيل الكامل للإدارة الإسرائيلية للدبلوماسية الأميركية في المنطقة يحمل أيضا.ً. وربما أساساً تواطؤاً أميركياً مع الأنظمة ضد الشعوب.
إنه حلف «الأميركي البشع» مع طغم محلية حاكمة، تتساقط أمامه كل إدعاءات التبشير بالديموقراطية التي تحفل بها ألسنة «المبشرين» الأميركيين.. ودائماً تحت شعار أن «الإستقرار» هو الهدف الأساسي الذي لا ينسجم معظم الأحيان مع الديموقراطية في منطقتنا.
من لبنان المفتت مناطق وطوائف تتناهش حساسياتُها «الدولة» نفسها التي أصبحت أكثر من مزرعة.. بل سيركاً للتهريج بلا رادع..
إلى العراق «المتماسك» الدكتاتورية والمتلاشي مجتمعاً وإمكانيات، حيث تحاصر المجاعة ما تبقى من الشعب العراقي، وينصرف الأكراد الى إقليم من الحروب الأهلية المتواصلة، يدخل فيها الآن أكراد تركيا،
إلى الأرض المحتلة المنتقلة من تنازل إلى تنازل تبرره سلطتها «الوطنية» يكاد يحوّل القضية الكبرى التي شغلت العرب ثلاثة أرباع القرن إلى قضية «نقابية» من التسويات اليومية…
إنها مشاهد لكيانات سياسية خائفة، هشة وقمعية..
نشر هذا المقال في جريدة “السفير” بتاريخ 1 أيلول 1995