عادت فلسطين إلى الصفحة الأولى… وبالأحمر!
على امتداد شهور الرعب الستة الماضية، كانت »الحرب الأميركية« المقرِّرة لمصائر دول منطقتنا وشعوبها قد طغت على كل ما عداها، فأحالت الحرب الإسرائيلية المفتوحة (منذ دهر!) على فلسطين، أرضاً وشعباً وقضية، إلى الصفحات الداخلية ونهايات نشرات الأخبار، كما جعلتها »ثانوية« بمفاعيلها قياساً إلى العاصفة النارية الهائلة المقبلة تحت عنوان »إسقاط صدام حسين في العراق«، والتي قد يعرف البعض متى تبدأ لكن أحداً لا يعرف أين وكيف ومتى يمكن أن تنتهي..
ومع أن إسرائيل »شريك استراتيجي« في الحرب الأميركية إلا أن انشغال كل دولة عربية بهمومها المصيرية قد ترك فلسطين لمصيرها في الحرب الثانية كما هي فعلياً في الحرب الأولى!
… وحين وصلنا الكويت مستبقين »ساعة الصفر« فوجئنا فيها بأن السؤال الأول كان عن »الحرب الإعلامية« في لبنان، وعن السبب في إقفال فضائية »التلفزيون الجديد« ودور السعودية ومصير »غسيل القلوب«، بينما جئنا لنسأل عن الحرب الأميركية الجديدة التي تظلّل المنطقة ومن ضمنها السعودية بخيمة سوداء من التخمينات والتقديرات المتضاربة ولكنها تشكل بمجموعها ينابيع للأحزان وافتقاد القدرة على تصور نتائجها، أي ما يتصل بمستقبل ضحاياها، ممّا يتصل بمصير هذه الأرض العربية ودولها جميعاً، وليس العراق وحده.
ولقد أفرحنا استمرار الاهتمام الكويتي بقضية الديموقراطية والحريات الإعلامية برغم سيادة جو القلق بل الرعب متعدد المصادر من نتائج حرب ليس العرب طرفاُ في قرارها وإن كانت أرضهم ميدانها وثرواتهم هدفها وشعوبهم وقودها… ولن تعوّضهم لعبة أميركية ذكية تتكلم وتغني وترقص وتعلّمهم الديموقراطية، بأسلوب »باربي« وتمنحهم أيضاً !! 29 مليون دولار!
* * *
تجلس إلى الرسميين، إلى السياسيين، في ديوانياتهم، إلى الأكاديميين، فضلاً عن رجال الثقافة والإعلام المحتشدين في ندوة »التحولات الدولية الراهنة وتأثيرها في مستقبل الخليج«، فيسبقونك إلى طرح الأسئلة التي لا يملك جوابها غير »بعض« الإدارة الأميركية: هل هذا الجو الحربي ضروري لإسقاط نظام صدام، أم أن إسقاطه سيفرض الحرب، وأي نوع من الحرب؟! وكيف ستكون تداعيات الحرب وأين تقف؟!
روح الانتقام ما تزال تسيطر على المنطق الكويتي: »نعم، نحن ما نزال نعيش في قلب الخوف، وطالما استمر هذا النظام فلن ننام في بيوتنا هادئين! إنه نظام قوي بجيشه وبقدراته، حتى لو لم يكن يملك السلاح النووي! إننا في مدى ذراعه… ومع أن لا رأي لنا في قرار الحرب، ولن يكون لنا دور فيها إذا ما قررها الأميركيون، إلا أننا لا نخاف من انعكاس نتائجها علينا… غيرنا أعظم خوفاً!«.
وتفهم أنهم ناقشوا في القمة المهيضة الجناح بالدوحة لمجلس التعاون الخليجي، قبل أيام، النتائج المحتملة لمشروع الحرب: »هل يكفي نشر مناخ الحرب، بكل الاستعدادات الضرورية لمباشرتها، لإسقاط صدام؟! هل ثمة »خطة ما« لتفجير النظام من داخله وسط قعقعة السلاح من حوله؟! هل لدى الأميركيين »عملاء« في الداخل سينجزون »المهمة« بغير قتال؟! هل في الجيش العراقي أو في الحرس الجمهوري »خلية متربصة« ستتحرك في اللحظة المناسبة فتغني عن الحرب، بفتح الباب لنظام جديد »عراقي« بأصله وفصله، وليس بقيادة جنرال أميركي، فيريحنا جميعاً ويكفينا شر القتال؟!«.
تفهم أن الأكثرية ليست مع الحرب إلا كقرار اضطراري.
وتفهم أن أكثرية المسؤولين الخليجيين يظهرون اطمئناناً إلى ثبات وحدة العراق، ولا تقلقهم مخاطر تقسيمه إلى دويلات على أساس طائفي أو عرقي الخ..
تفهم، بالمقابل، أن مصادر قلقهم تنبع من »طبيعة التغيير« ومن نتائجه على أوضاعهم الذاتية… وأن السعوديين هم الأعظم قلقاً، وبالتالي فهم الأشد اعتراضاً على الحرب، وبغض النظر عن المواقف المعلنة.
بل أن بعض من تتحدث إليهم لا يتردد عن الجهر بموقف قد تستغربه ومفاده: ليس من مصلحة السعودية تغيير الوضع في العراق!
لهذا المنطق عند أصحابه »حيثياته المنطقية«، وأبرزها:
1 السعودية هي المستفيد الأكبر من غياب نفط العراق عن السوق الدولية. إنها المنتج الأكبر، وبالتالي فهي تحقق دخلاً مرتفعاً تحتاجه كل الاحتياج للتعامل مع مشكلاتها الداخلية… وإذا عاد العراق إلى السوق سيتراجع سعر النفط، وسيتراجع إنتاج السعودية فينقص دخلها مرتين، وتتفاقم مشكلاتها بحيث قد يتعذر عليها علاجها..
2 إن عودة العراق إلى الساحة العربية ستجعله، كائناً ما كان شكل نظامه المقبل، مركز استقطاب… فإذا افترضنا أنه سيعود تحت راية الديموقراطية والانتخابات والحياة الدستورية، فإن حرج المسؤولين السعوديين سيبلغ ذروته، لا سيما أن دول الخليج الأخرى (من عُمان إلى البحرين وإلى قطر إضافة إلى الكويت) قد حلت هذه المشكلة واعتمدت أنظمة »ديموقراطية« بهذه النسبة أو تلك، ثم إنها اعتمدت الانتخابات قاعدة لمجالس نيابية أو مجالس شورى محققة »مشاركة ما« ولو رمزية للشعب في السلطة… الملكية.
3 إن الدور الأميركي في تحريض بعض الدول الخليجية على الخروج على طاعة السعودية ليس خافياً على أحد، و»التجربة القطرية« هي المثال الفاقع لكنها ليست المثال الوحيد، فمجلس التعاون لم يعد دائرة نفوذ بحت سعودية… ثم إن اليمن بدأت تحتل مكانة ملحوظة في الخطة الأميركية للمنطقة.
إذا أضفنا إلى هذا كله »عراق ما بعد صدام« فإن الدور السعودي سيتضاءل، وبالتالي وكنتيجة منطقية فإن المشكلات الداخلية ستبرز إلى السطح، وهي مشكلات اجتماعية اقتصادية سياسية جدية، يكفي للتدليل على خطورتها أن نسبة البطالة بين الشباب السعودي تناهز 30 في المئة من طاقة العمل.
* * *
ماذا عن الكويت بذاتها؟!
إن أنت اعتمدت الصحف الكويتية بعناوينها المثيرة والتي تتركز جميعاً على مسائل داخلية محاورها »أزمة السلطة« و»الفساد الإداري« و»حمى السلفية« وتعاظم التيارات المعبّرة عن »صراع اجتماعي« مضمر لا يجد متنفساً له إلا عبر »مجلس الأمة«.
.. إن أنت اعتمدت هذه المعايير أمكنك أن تفهم معنى التلويح بحل مجلس الأمة والدعوة إلى انتخابات مبكرة (يحدد بعض المسؤولين موعداً تقديرياً لها في شهر نيسان المقبل، بينما موعدها الطبيعي في تموز)…
إن القرار مشلول، لأسباب موضوعية، تتجاوز قدرة الكويتيين، حكاماً ومحكومين، ومعارضة بمختلف تلاوينها بين حدود الماركسية الملطفة بالدخول الذهبية وبين السلفية المخصبة بالإمكانات المادية الواسعة، وبالحرب الأميركية ذات الصبغة »الصليبية«.
مع ذلك فالكويت هادئة جداً، ربما أكثر مما ينبغي..
ويلفتك أكثر من »خبير« إلى واقعة كادت تضيع منك في سياق الانهماك بمتابعة التفاصيل اليومية للحرب الأميركية الجديدة على العرب، تحت عنوان صدام حسين، وبمشاركة إسرائيلية كاملة:
الواقعة أن القيادة الكويتية وحدها من بين القيادات العربية التي تربطها علاقات »تحالف استراتيجي« مع الولايات المتحدة الأميركية، لم تقم بأية زيارة رسمية على مستوى عال إلى واشنطن خلال الشهور الطويلة الأخيرة والتي حفلت بزيارات عديدة تجاوزت العاصمة الاتحادية إلى المنتجعات الرئاسية كما إلى المزرعة الشخصية »للرئيس الذي فاز بأكثرية مئتي صوت، تعرضت للطعن« والذي رفعه هوس الحرب ضد الإرهاب إلى الرئيس الأكثر شعبية في التاريخ الأميركي.
… وفي انتظار »نتائج« الحرب الأميركية الجديدة ستظل »البورصة« و»الصفقات الضخمة« والشلل الحكومي والفوضى السياسية، تحتل موقع الصدارة في اهتمام الكويتيين..
مع الإشارة إلى أن لبنان ما بعد الحرب عاد يحتل مكانة متميزة في عواطفهم كما في اتجاهاتهم الاستثمارية
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان