اختار »شعب ا” المختار«، ديموقراطيù، قائده »العلماني« الجديد الذي سيتولى قيادة إسرائيل في السنوات الأربع المقبلة،
لكن»شعب ا” المختار«، وزيادة في الحيطة الديموقراطية، أعطى موقعù ممتازù لممثلي التيارات الدينية الأكثر تطرفù وللاتجاهات التي تصل في تعصّبها إلى حد اعتبار الصهيونية نوعù من »الردة« والخروج على اليهودية.
مع ديموقراطية مرهفة إلى هذا الحد، لا يفسدها التعصب الديني ولا العنصرية »القومية«، يصبح مفهومù أن يستطيع أقل من واحد في المئة من المقترعين تحديد وجهة سير إسرائيل في المرحلة المقبلة، ومواقفها من قضايا مصيرية مثل مستقبل الفلسطينيين وعلاقتهم بأرضهم، و»العملية السلمية« على المسارين اللبناني والسوري، وإجمالاً صورة »الشرق الأوسط الجديد«.
ولأن الولايات المتحدة الأميركية جيَّرت لإسرائيل بعض أسباب عظمتها، فإن أقل من واحد في المئة من المقترعين الإسرائيليين يقرّرون الآن السياسة الكونية برمتها.
فهم قد يتحكَّمون، من خلال إنجازهم الانتخابي داخل إسرائيل، بنتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية وبالرجل الذي سيأتي إلى البيت الأبيض، في تشرين الثاني المقبل، والذي سيكون لبنيامين نتنياهو رأي مسموع فيه.
وهم قد يفرضون تبديلات وتعديلات في توجهات الاتحاد الأوروبي مجتمعù، وبعض دوله كفرنسا (وإيطاليا؟) منفردة..
أما على المستوى العربي فإن هذه النسبة الهزيلة من أصوات المقترعين الإسرائيليين كانت كافية لإحداث زلزال حقيقي،
تصدعت أنظمة كانت تطمح، بقوة الدعم الإسرائيلي (ومن خلفه الأميركي) إلى لعب أدوار قيادية تفوق قدراتها المتواضعة جدù، كالأردن.
ففي لحظة نشوة ملكية بالشراكة التاريخية مع صاحب مشروع الشرق الأوسط الجديد، اندفع النظام الأردني يهيئ نفسه لوراثة صدام حسين في العراق، ويتبرّع بدور الجسر بين إسرائيل والنظام التركي المتصدع لكي يكمل حصار الضغط السياسي على سوريا بالطائرات الأميركية في بعض المطارات الأردنية، إضافة إلى التحالف العسكري التركي الإسرائيلي الذي اتخذ صيغة »اتفاق التدريب« تمويهù وتخفيفù من وقعه على العرب والمسلمين، وربما على الأتراك أنفسهم، وهم في النهاية بعض المسلمين.
بأقل من واحد في المئة من أصوات المقترعين الإسرائيليين تبخّرت الأحلام الملكية الأردنية، وليس مؤكدù أن يستطيع الملك تعويض ما ضاع باستثمار »اللقاء العائلي« الذي رتّبه في العقبة، عشية الانتخابات الإسرائيلية، مستحضرù إليه بنيامين نتنياهو وزوجته سارة بطائرة خاصة، ربما للتهويل على صديقه الحميم شمعون بيريز، أو ربما لتوريط ياسر عرفات في المزيد من التنازلات المهلكة.
أما على الصعيد الفلسطيني فإن أضرار الزلزال الإسرائيلي لا يمكن حصرها، ولكنها ليست أقل من كارثة فعلية، بأي معيار قيست.
وبالمقارنة بين ديموقراطيتين، فإن أقل من واحد في المئة من المقترعين الإسرائيليين قد استطاعوا محو أي أثر لأصوات حوالى تسعين في المئة من المقترعين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وجعلوها ومعها السلطة التي »انتخبوها« هباءً منثورù،
… الهاجس الآن مصير »اتفاق أوسلو« البائس، ببنوده الشكلية، أما القضايا الأساسية التي تركها معلقة فمن المؤكد أن بنيامين نتنياهو لن يهتم أبدù إلا بمحوها من الذاكرة (حق العودة، مصير القدس، الدولة الفلسطينية)، وليس فقط من أي جدول أعمال محتمل.
لقد كانت أصوات أقل من واحد في المئة من المقترعين الإسرائيليين كافية لتبديل رئيس حكومة داخل إسرائيل، وهذا أمر مألوف ومعتاد يتكرّر مرة كل ثماني سنوات إن لم يكن مرة كل أربع سنوات،
فإسرائيل هي إسرائيل سواء أحكمها شمعون »النسر الملتحي«، وهذا معنى اسم بيريز، أو بيرزسكي، أو حكمها بنيامين »عطية ا”«، وهذا معنى اسم نتنياهو مترجمù من العبرية إلى العربية.
أما بالنسبة للأنظمة العربية »المعتقة« فإن أقل من واحد في المئة من أصوات الإسرائيليين ربما كانت كافية لكي تسقطها… ديموقراطيù!
إن ديموقراطية »العدو« أكثر تأثيرù على »أصدقائه« العرب منها على إسرائيل ذاتها،
هذا إذا ما نظرنا إلى هذه الديموقراطية مجرّدة،
أما إذا أضفنا إلى ديموقراطية إسرائيل نتنياهو قوة »الصوت المرجح« داخل حكومته، والذي ستحتكره التيارات الدينية الأكثر تعصبù والتي ستفرض عليه نهجù أكثر تطرفù من نهجه »الحديدي« المعلن، فلن يكون صعبù استنتاج ما يمكن أن يلحق بأصدقائه من الحاكمين العرب من أذى.
لقد تحوّل هؤلاء، في لحظة، إلى عبء على شمعون بيريز، وربما أدى »ثقلهم« إلى إسقاطه،
فكيف سيكون حال هؤلاء مع الآتي من موقع المحارب، الرافض مصافحة عرفات، والمعلن تمسكه بالجولان، والمؤاخذ بيريز على تقصيره في استئصال المقاومة في لبنان ولو ببحر من دماء أبنائه؟!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان