الليل والشعر وأرجوجة الحزن العراقي المفتوح كباب الديان تأخذنا من الوجع إلى الوجع وتعود فتشلحنا في عتمة الأعمار الشقية التي انصرمت من قبل أن يطل القمر ونسيم الصبا ويتفتح وعد المقهورين حباًدافقاً كالفراتين،
الجرح أفصل من ”المحاضر”، والوجع أبلغ من طبيبه الشارح.
سعدي الحديثي يقول بنظارتي الأستاذ الزائر، بيدي المعلم في الصف وأوراقه والدفاتر أمامه، يلجأ إليها فلا تعينه، بل تغيبه والعراق.
تربت كف مظفر النواب على كتفي، ويهدر صوت محمد مهدي الجواهري في أذني والقاعة ثم تترامى أصداؤه خارج المسرح إلى المدينة، إلى البلاد جميعاً، يملأ الريح والفضاء والزمان: أنا العراق!
يتفجر مظفر النواب مجلجلاً كالعاصفة. يمخر ”الريل” السهول والسهوب والأهوار، يمزق القبائل وأحقاد التاريخ وغضب الآلهة، ثم تهزه رفة جفن فيهدأ، ويبتلع صوته لينساب فوق القضبان كالنسمة مخلياً الأفق للحب وهو يرفع عقيرته بالغناء.
يتهادى الصوت رجراجاً، عفياً، ثم يرق همساً مندى، ثم يهسهس قبلات مخطوفة مع انعطافة الخصر الهارب من اليد الراعشة إلى الحضن الطافح بأماني الزمن الغارب.
العراق لا يكون هادئاً إلا في القحط والسياب.
كل يوم يبنون أسواراً جديدة من حول النهر. يطوّقونه بالدبابات والنوايا السوداء. يقصفونه بالطيران والبغض. يحتجزونه في ”الموقف الرقم واحد”. يريدونه أن يصمت. يريدونه أن يتجمد فلا يجري. يريدونه أن يهتف باسم الصنم.
لا ينطق النهر. يهدم الأسوار، يقلب الدبابات، يطوق الظالم فيحجزه، ويكمل رحلته ”الريل” وقصة الحب التي كلما قاربت الاكتمال أبعد ”الغزاة” الخاتمة، وعاد الحبيب يستكشف الزمان الجديد لحبيبه بالآهات.
خلف آهتين وتصل.
بعد قصيدتين من مظفر النواب ويكون العيد… ويعرف العراق أخيراً طعم الفرح، ويتلاقى الأحبة.