قبل ان يهال التراب على اسحق رابين كان شمعون بيريز قد اختار الطريق لوراثته والانضمام الى نادي »القادة التاريخيين« في اسرائيل: للانتخابات الاولوية المطلقة اما »السلام« فيستطيع ان ينتظر.
ولأن معارك الداخل الاسرائيلي تحسم في وعلى حساب الخارج العربي، فقد اختار بيريز ان يوسع ميدان حربه الانتخابية من قلب فلسطين الى أقصى الخليج العربي، في مواجهة ايران، ومن أقصى حدود لبنان الجنوبية الى أقصى حدود سوريا الشمالية بالتحالف مع تركيا المهددة بكل حقائق التاريخ والجغرافيا التي سبق ان قمعها اتاتورك وعادت تفرض نفسها الآن على الورثة الاتاتوركيين الضعفاء والمرتبكين.
في الداخل الفلسطيني، كما على تخوم الاحتلال الاسرائيلي للجنوب اللبناني، لا بد من الدم… لا بد من شيء من الحرب، حصاراً واعتقالات وتجويعاً، او قصفاً بالطائرات او بالمدافع او اغتيالا بالعبوات الناسفة كما وقع امس الاول في برعشيت.
أما في الخارج العربي، فيمكن ان تلعب اسرائيل بيريز دور »الحامي« حيث تتفجر أطماع »الاخوة الاعداء« بأصحابها، ودور بائع الاوهام في شراكة اقتصادية لا يمكن ان تستقيم الا على قاعدة حلاق اشبيلية،
وأما مع تركيا فيمكن توسيع دائرة الحرب ضد سوريا لتشمل الماء والفضاء باستغلال الفشل السياسي للطبقة التركية الحاكمة برغم إفلاسها، وباستثارة الحقد الاسود على الاسلام الذي اعطى تركيا ولمرة وحيدة في تاريخها الدور والمكانة وكاد يرفع سلطانها الى مرتبة »الخليفة« على جميع المسلمين.
لحرب الانتخابات طائراتها والدبابات أيضاً.
والدم، اللبناني كما الفلسطيني، قابل للتحول الى »اصوات« تملأ الصناديق وتبعد شبح الخصم الذي يجيء من باب الحرب، ويبني »زعامته« على التعهد بإبعاد كأس »السلام« المرة عن شفاه الاسرائيليين.
وما زلنا في المقدمات، الآن، ثم سوف تتسع دائرة النار ويتكاثر ضحاياها بوتيرة طردية مع اقتراب الموعد المرتجى لارتقاء بيريز الى سدة الزعامة، بعيدù عن منافسه الذي بالكاد يجد في قاموس الاحقاد العنصرية ما يضيفه الى بلاغة بيريز.
وهكذا يمكن ان تلتهم حرب الانتخابات، المعززة بقمة شرم الشيخ وتداعياتها المنطقية التي ارجأت »السلام« الى ما بعد الفراغ من »مكافحة الارهاب«، كل الوعود والتعهدات والضمانات الاميركية، المعطاة للسوريين واللبنانيين، وكل الاتفاقات الاسرائيلية الموقعة مع سلطة عرفات بشأن مستقبل الفلسطينيين: الارض والشعب والقدس الشريف.
ومع ان تركيا اعجز من ان تضيف كثيرù الى قوة اسرائيل، الا انها اعطتها اقصى ما يمكن ان تعطيه: فتح الفضاء امام طيرانها، وتسخير المياه لحرب قذرة ضد سوريا والعراق لن يفيد منها فقراء الاتراك المطحونين بافتقاد الهوية، بل هي ستزجهم مرة اخرى في الحرب الغلط ومن الموقع الغلط، بحيث يقاتلون ضد انفسهم بالذات.
إن اسرائيل تحصد كل ما يخسره العرب والاتراك، وتزداد غنى ونفوذù بثروات الآخرين وقدراتهم التي يسلمونها من دون قتال، وبالتبرع غالبù ومن دون طلب.
المضحك المبكي ان العرب يبررون سخاءهم الفريد مع اسرائيل بأنه السلاح الأمضى لتقريب أجل السلام، بضمان الفوز »للحمامة« بيريز، ومنع »صقور« الليكود من الوصول،
كأنما هم يملكون بعد ما يمكن ان يعطوه او ان يطلبه الليكوديون منهم،
او كأنما بيريز الفائز بقدرته على سفح الدماء العربية من دون ان يخسر الاموال العربية، سيكون غدù »أرحم« منه اليوم، وأكثر إيمانا ب»السلام« الذي عطّله عمداً حتى لا يعترض طريق زعامته لقيادة اسرائيل نحو حلمه المعلن: اسرائيل العظمى في شرق اوسط يخضع لها خضوع العبد الذليل، وبتركه كما بعربه الكثيرين!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2025 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان