من حق اللبنانيين وقد عادت الحكومة »حكومتهم« الحائزة ثقة مشروطة بهويتها قبل برنامجها، أن يطالبوها بتعويض الوقت الذي ضاع في جدل مخجل حول بديهيات وجودها ومن ثم دورها في إنجاز المهمات الثقيلة الملقاة على عاتقها.
لقد كان الامتحان قاسياً ومكلفاً:
÷ قاسياً لأنه كشف هشاشة »التحالف« بين مختلفين… خصوصاً بعدما تصرف بعض الحكومة وكأنه لا يتورع عن التواطؤ على »شركائه« الذين دخلوها بوجوههم مكشوفة ومبادئهم معلنة لإحراجهم في علة وجودهم وإخراجهم بوهم الانفراد بالقرار… مع وعي هذا البعض بعجزه عن إنجاز مثل هذا الهدف الذي افترض أنه سيقدر على بيعه للعواصم البعيدة، ومن قبل أن تطلبه منه!
.. وهو كاد يسقط، في لحظة معينة، صفة »العدو« عن العدو الإسرائيلي!
÷ وقاسياً لأنه أشاع في البلاد مناخاً مسموماً يحرّض على الفتنة، طائفياً ومذهبياً، بينما كان الأمل في الحكومة أن تكون سداً في وجه مثل هذا المناخ الموبوء، الذي تعاظم وكاد يسود المنطقة جميعاً كبعض من تداعيات الاحتلال الأميركي للعراق، وأخطرها الاندفاع نحو التقسيم (ولو تحت اسم الفدرالية) سواء على قاعدة عنصرية أو مذهبية وكأن الوحدة كانت هي العيب في وضع العراق تحت الطاغية وما قبل »التحرير« بالاحتلال الأميركي.
÷÷ ومكلفاً لأنه ضيّع على اللبنانيين الذين يعيشون حالة قلق غير مسبوقة على يومهم وغدهم، على خبزهم ومستقبل أجيالهم في وطنهم، وقتاً ثميناً جداً كانوا يحتاجون فيه لأن تتصدى حكومتهم لمعالجة مشكلاتهم اليومية وهي ثقيلة جداً وتشمل مختلف مناحي حياتهم: من فساد الإدارة إلى اضطراب الأمن، ومن كساد الزراعة والصناعة إلى الخلل المؤذي في العلاقات اللبنانية السورية بانعكاساته الاقتصادية، إلى »هرب« المستثمرين لخوفهم المزدوج، على أرواحهم وأموالهم…
ثم إن التصدع الذي ضرب وحدة الحكومة، وحملات تشهير الشركاء بالشركاء والزمن المهدور الذي ضاع، وتداعيات الخلاف التي لامست الثوابت الوطنية، كل ذلك قد أضاف أعباءً إضافية إلى الأعباء الأصلية لهذه الحكومة التي استولدتها الصعوبة والتي من قدرها ومن مهماتها!! أن تعيش في الصعوبة.
لقد فقدت هذه الحكومة، نتيجة التصدع الذي أصابها، الكثير من الزخم الذي رافق ولادتها »العجائبية«، والذي توفر لها في الداخل ومن الخارج، القريب منه والبعيد، بسبب من افتقادها مشروعاً متكاملاً للإصلاح لا يمكن أن يعوّض النقص فيه الدعم الخارجي، حتى لو تمثل بمؤتمر دولي مهيب ارتجل على عجل في واشنطن وأطلقت فيه وعود مذهبة عن المساعدات والمعونات والهبات، فضلاً عن »الرعاية« السياسية المباشرة.
ثبت، مرة أخرى، أن المختلف عليه بين قوى التمثيل الحقيقي في الداخل لا يعوّض عنه الخارج مهما كان حميماً في »صداقته«.
وثبت، للمرة المليون، أن التماسك والتكاتف والتحالف الحقيقي على قاعدة من توكيد الهوية والدور، كل ذلك من شروط إثبات الجدارة بدولة قابلة للحياة وبالتالي فهي تستحق أن تحظى بدعم الخارج (العربي قبل الدولي) بغير أن يعرّض شعارات الاستقلال والحرية والوحدة الوطنية إلى خطر جدي قد يذهب بها جميعاً، وينتهي »بالدولة« إلى أخذ مكانها في طابور الدول المتهالكة أوضاعها اقتصادياً واجتماعياً، والتي تعيش وأي عيش!! على الهبات و»المساعدات« التي يتوزعها عملياً أهل السلطة و»الخبراء« الآتون من دول الرعاية السخية على مبعوثيها المتخصصين في تعليم الشعوب الجاهلة أصول الديموقراطية والازدهار الاقتصادي.
إن الحكومة الآن أمام الامتحان الأخطر: أن تثبت جدارتها بالمهمات التي طرحتها على نفسها، وأولها برنامج الإصلاح الموعود الذي نسمع عنه كثيراً والذي لا نعرف عنه بعد ما يكفي، ثم اننا لا نعرف إلى أي حد سيتوافق عليه أطرافها وستندفع به إلى غاياته »حكومات« الحكومة الائتلافية، قبل أن نصل بالحديث إلى »مؤتمر بيروت 1« الذي من شروط نجاحه الإجماع على خطة الإصلاح وموجباتها الثقيلة.
لقد نجح الرئيس فؤاد السنيورة، في ابتداع حل بديهي لمشكلة الوزراء الذين خرجوا بسبب طرح تلك البديهيات لنقاش سرعان ما انتهى إلى شقاق…
لكن الإصلاح قضية عظمى، لا يستطيع أن يقدم عليها إلا المتطهرون، الذين لا يتوسلونها طريقاً إلى مناصب سامية فإذا ما يئسوا من الوصول أطلقوا نيرانهم على الإصلاح، كما أطلقوها بالأمس على المقاومة.
فلتقدم الحكومة، موحدة ومتماسكة، ببرنامج جدي، يمهّد لبيروت 1، بما يجعله عوناً للبنان لا عبئاً عليه، فتجد اللبنانيين معها ومن حولها، وإلا ضاعت فرصة الإنقاذ، فحذار!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان