في الصحافة من شرف الرسالة ما يجعلها تستحق العمر
شاعر يختبئ في عباءة صحافي، العيش بالنسبة اليه مستحيل من دون الحب المفتوح على مصراعيه. هذا الحب رافقه في مسيرته العصامية ليصبح قامة إبداعية ظلّت مرفوعة على الرغم من محاولات اغتيال واعتداءات.
إنه طلال سلمان صاحب جريدة «السفير» ورئيس تحريرها، صاحب القلم الملتزم قضايا الوطن والناس والأمة. الصحافي الذي أخذته المهنة بكليته، فمارسها بشغف وإبداع.
الكلمة والنور
في شمسطار البلدة البقاعية الوادعة بين السهول غربي مدينة بعلبك، أبصر طلال سلمان النور العام 1938 من والدين فاضلين، إبراهيم (دركي توفي العام 1991) وفهدة الأتات، يدين لهما بالكثير، فالوالد كان صديقاً له منذ كان في الثانية عشرة من عمره، فتح أمامه باب القراءة في مكتبته المتواضعة، أما الوالدة فعلّمته محبة الناس وحب الأرض.
في شمسطار عرف أول ملامسة للعلاقة بين الإنسان والمكان، وتنبّه الى أي حد يتشابه البشر مع أمكنتهم. لا يمكن أن ينظر الى أهلها من دون أن يتذكّر العتابا والميجانا والشروقي.
عاش الطفل مع عائلته المؤلفة من أربعة أشقاء وشقيقتين حياة غير مستقرة، نظراً الى تنقلات والده الوظيفية، من رأس بعلبك الى عين زحلتا ورشميا وبعقلين ودير القمر والمتين وطرابلس والمنية والعبدة. وهكذا تنقّل الطفل بين مدارس رسمية متعددة في هذه المناطق، حتى أنهى المرحلة الثانوية العام 1955. عشق طلال سلمان الكلمة، وكان الكتاب أنيسه الوحيد في هذه الفترة، غرف منه ما يكفي من المعرفة والثقافة واللغة.
بدأ وعيه السياسي يتفتّح في بداية الخمسينيات مع ارتفاع موجة الإعتراض الداخلي على حكم أول رئيس جمهورية بعد الإستقلال، الشيخ بشارة الخوري. وكانت نكبة فلسطين قد نبّهت العرب الى خطر المشروع الإسرائيلي، فكان أول إنقلاب في سوريا (1949)، ثم جاءت ثورة جمال عبد الناصر (1952). وفي بعقلين ودير القمر والمختارة التي أمضى في مدرستها سنتين، عايش أول إنقلاب سياسي في لبنان، وهناك عرف كمال جنبلاط.
وجاء اليوم الذي أصبح الواقع المعيشي قد فرض على الشاويش ابراهيم أن يصارح ابنه البكر، بضرورة البحث عن عمل لمتابعة دراسته. منحه أربعين ليرة وقال له: «تدبّر أمرك وسكنك وإكمال دراستك، فهذا كل ما أستطيع تزويدك إياه».
الصدفة
توجّه إبن الـ18 عاماً الى العاصمة بيروت، مفعماً بمشاعر الغربة والفقر والحرمان، وهو لا يملك أية مهنة سوى إتقانه اللغة العربية.
مسيرة الكفاح والتعب بدأها طلال سلمان العام 1956 فاختار الصحافة اضطرارياً، حيث عمل مصححاً ومدققاً لغوياً في جريدة «الشرق» التي كانت تصدر ظهراً، ثم بائع خرضاوات كي يتسنّى له متابعة دراسته في المدرسة العاملية في بيروت. ومن ثم عمل كمخبر في الجريدة عينها يطوف على دوائر الشرطة والإسعاف والإطفائية، لمتابعة حوادث الجريمة والحرائق والسلب والنشل ومحاولات الإنتحار يأساً. وفي فترة أخرى أضيفت الى مهامه مهمة تغطية أخبار رئاسة الحكومة، حيث اقترب من السياسة من دون أن يغرق في تفاصيلها المنهكة.
العام 1957 تعرّف على الصحافي المرحوم سليم اللوزي، بواسطة والده الذي كان يحرس زنزانته في سجن الكرنتينا، فعمل في مجلة «الحوادث» كمصحح ومحرر لصفحة بريد القراء. ولكن إثر ثورة الـ58 هرب جميع العاملين في المجلة فاضطر الى المساهمة في العمل مع العمال في تركيب الصفحات، وأحياناً في إخراجها، بل وفي صفّ الحروف يدوياً.
الثورة أتاحت أمامه فرصة التعبير عن رأيه وإظهار قدراته المهنية، فباشر العمل في التحقيقات والريبورتاجات الخفيفة، وصولاً الى المقابلات والحوارات مع السياسيين في لبنان، حيث كان يذهب الى بيت الرئيس الراحل صائب سلام، مركز قيادة حزب الثورة، ويجري الأحاديث مع السياسيين ويكتب ما يشبه التعليقات السياسية. وعندما عاد الصحافي سليم اللوزي قدّر عمله وعيّنه في منصب سكرتير تحرير، حيث أصبح يكتب بعض التحقيقات والتعليقات السياسية، ولكن من دون زيادة راتبه، ما اضطره الى ترك مجلة «الحوادث» والالتحاق بمجلة «الأحد» لصاحبها النقيب المرحوم رياض طه العام 1960، مقابل حفنة من القروش ولقب مدير التحرير والمحرر الأول. في المقابل كان عليه أن يملأ ما تيسّر من التحقيقات والمقابلات والخواطر السياسية أو الأدبية، وهذه الأخيرة كان يهرب اليها تماماً كما يهرب اليوم في جريدته «السفير» الى صفحة «هوامش»، التي هي بمثابة واحة خضراء فيها القمر والورد والطبيعة والإنسان والمشاعر…
مهنة المتاعب
في صيف 1961، اعتُقل مع مجموعة من الإعلاميين كانوا يمدّون يد العون الى الثورة الجزائرية في بيروت، ووجّهت اليهم اتهامات خطيرة، منها إعداد إنقلابات في البلدان العربية وتزوير هويات وتهريب أسلحة، وأمضى بنتيجتها تسعة أيام في نظارة الأمن العام في المحكمة العسكرية، واثني عشر يوماً في زنزانة انفرادية في سجن الرمل وبضعة أيام في القاووش، ثم كانت البراءة.
المصادفات وحدها جاءته بفرصة العمل خارج لبنان العام 1962، إذ عرض عليه المرحوم عبد العزيز المساعيد، رائد الصحافة في الكويت ومنشئ جريدة «الرأي العام» الكويتية، مساعدته في إصدار مجلة بإسم «دنيا العروبة». ولكي ينهض بهذا المشروع كان عليه أن يتدبّر أمر مطبعة تطبع صفحات ملوّنة، وعمال طباعة وزنكوغراف، ومحررين ومصورين بالألوان، الى مصحح ومخرج وموظف للأرشيف. ولم تكن مثل هذه الوظيفة معروفة هناك قبل ذلك. كانت هذه التجربة بالنسبة الى طلال سلمان عظيمة، جعلته يتوغّل حتى الإتقان في مختلف مجالات إنتاج المطبوعة وإصدارها، لتكون الأولى في منطقة الجزيرة العربية والخليج العربي.
ويقول سلمان هنا: «بالرغم من أن ذلك كان قبل ست وأربعين سنة، فما زلت أشعر بشيء من الزهو، أنني استطعت مع نفر من الزملاء المحررين والفنيين، أن نصدر تلك المجلة المميّزة والتي كان لها فضل السبق في مضمارها ومكان صدورها. على أنه لم يتسنَ لي حصد ثمار تعبي، فاضطرتني بعض الوشايات ذات الطابع السياسي الى مغادرة الكويت، بجواز سفر بدل من ضائع وتذكرة استدنت ثمنها من صديق، وعدت الى بيروت عاطلاً عن العمل».
في تلك الفترة قدّم بعض التحقيقات والكتابات الوجدانية الى جريدة «المحرر»، التي كان يصدرها الراحل الكبير هشام أبو ظهر. وبعد أشهر قليلة طلبه الصحافي الكبير وأستاذه الراحل سعيد فريحة ليتولى منصب مدير التحرير في مجلة «الصياد»، ولكنه ما لبث أن اكتشف أن عليه كتابة نصف صفحاتها بمفرده، بالإضافة الى الغلاف. عمل لسنوات مع الأستاذ سعيد فريحة، فأضاف بذلك معرفة بموقع الكاريكاتور وأهميته، وبأسلوب السهل الممتنع والموضوعات الخفيفة، بينما أخذ عن أستاذه سليم اللوزي أهمية الصورة والمقال السياسي والحوار – المواجهة، مع من يعتبرون أنفسهم ويعتبرهم جمهورهم زعماء وقادة خالدين.
وعلى امتداد عشر سنوات تنقّل بين مجلتي «الصياد» و«الأحد»، كما عمل لفترة كخبير أجنبي في مجلة «الحرية» التي كانت تصدرها حركة القوميين العرب، ويرأس تحريرها الأستاذ محسن ابراهيم. هناك تسنّى له أن يلتقي المبدع الراحل غسان كنفاني وتنعقد بينهما صداقة، وأن يلتقي ايضاً رفيق عمره ناجي العلي. من ناجي العلي تعلّم أن التعبير عن الإيمان بقضية مقدّسة مثل فلسطين، لا يحتاج الى كثير من الكلام، بل تكفي مجموعة من الخطوط لتجسيد فكرة خارقة، ولتثير في مشاهدها مشاعر سخرية وضحك تقارب البكاء.
خارج حدود الوطن
أغنى سنوات عمر طلال سلمان المهنية، هي تلك التي امتدت بين أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات حيث عمل كمراسل، مهمته تغطية الأحداث العربية. فتسنّى له أن يجول محققاً ومحاوراً ومخبراً وكاتباً في الفن والثقافة في العديد من الأقطار العربية، وإن ظلت القاهرة مركز الدائرة. فخلال تلك الفترة اقترب من الشوامخ كما من المبدعين الجدد، أمثال: نجيب محفوظ، توفيق الحكيم، لويس عوض، صلاح عبد الصبور، صلاح جاهين، أحمد عبد المعطي حجازي وسعدالله ونّوس، محمد الماغوط، غادة السمّان، بدر شاكر السيّاب، مظفّر النواب، نزار قباني، أمين نخلة، الأخطل الصغير، سعيد عقل، عبد السلام العجيلي، أحلام مستغانمي، سهيل ادريس، توفيق يوسف عواد، وجورج جرداق وغيرهم…
كما سمحت له هذه الفترة باكتساب صداقات عالية ومعارف مؤثرة ومعلومات ثمينة، إذ تعرّف الى كثيرين ممن يعتبرون مركز القرار في بلادهم خصوصاً أن تلك الفترة شهدت تغييرات سياسية هامة في قمم السلطة في العديد من الأقطار العربية، منها عودة حزب البعث الى السلطة في العراق (1 تموز 1968) وثورة السودان الأولى (1 أيار 1969) ثم ثورة الرئيس معمّر القذافي في ليبيا (1 أيلول 1969).
اكتسب الصحافي طلال سلمان في تلك المرحلة، صداقة الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل وكذلك تقرّب من الراحلين أحمد بهاء الدين وإحسان عبد القدوس وفتحي غانم وأمل دنقل والرسامين المميزين في فن الكاريكاتور بهجت عثمان وأحمد حجازي ومحي الدين اللباد في مصر، وفي الخليج الراحلين تميم عمران وسامي المنيس.
العام 1967 اقترن بتوأم روحه السيدة عفاف الأسعد من بلدة الزرارية في جنوب لبنان، وأنجبا أربعة أولاد، هم: هنادي (صحافية)، ربيعة (في المركز العربي للمعلومات)، أحمد (المدير العام المساعد لجريدة «السفير»)، وعلي (رسام ونحات).
صوت الذين لا صوت لهم
أواخر العام 1973، بدأ طلال سلمان يعدّ العدة لتحقيق حلم المستقبل، ولإصدار جريدة «السفير» المنبر الذي يعبّر فيه عن آرائه وفكره وخطه السياسي، وعن نفسه ايضاً، والمساحة التي تعالج هموم الناس وتكون لسان حالهم. وبعد مشاورات وحوارات مستفيضة مع اصدقائه وذوي الخبرة، وبعد دراسات كثيرة وتجارب متنوعة، صدرت «السفير» في 26 آذار 1974، وحملت شعار «جريدة لبنان في الوطن العربي وجريدة الوطن العربي في لبنان»، فضلاً عن شعار رديف هو «صوت الذين لا صوت لهم». ومع صدور العدد الثاني من «السفير»، أي في 27 آذار 1974، رُفعت ضدها أول دعوى قضائية، وكانت جهة الإدعاء «جمعية أصحاب المصارف في لبنان» ثم توالت الدعاوى حتى بلغت 16 دعوى في العام الأول.
وفي الأول من تشرين الثاني 1980 نسفت مطابع «السفير» في مبناها الجديد، وكانت قد انتقلت اليه للتو، أمّا السبب يومها فموقفها المعترض على الحرب التي شنّها صدام حسين ضد إيران.
خلال الإجتياح الإسرائيلي للبنان العام 1982، كانت الجريدة اللبنانية الوحيدة، التي لم تتوقف عن الصدور على الإطلاق، وكانت تُعاد كتابة عناوينها اليومية على جدران بيروت، كواحدة من علامات صمود هذه المدينة. وأشهر هذه العناوين: «بيروت تحترق ولا ترفع الأعلام البيضاء».
خاضـت «السفير» معركة حرية الصحافة، فقد صدر العام 1983 قـرار عـن النـائب العام الإستئنافي فوزي أبو مراد بتعطيـل جريـدة «السفـير» عـن الصـدور لـمدة أسبوع، وكانت التهـمة «نشر وثيقة تتضمّن معلومات يجب أن تبقى مكتومة حرصاً على سلامة الدولة»، والمعلومـات المشار اليها، هي الترجمة العربيـة للإقتراح الإسرائيلي، الذي قدّمه رئيس الوفـد الإسرائيلي المفاوض مع لبنان الى الوفد اللبنـاني في واشنطـن. وقد أثار هذا التعطيـل الإداري والتـوقـيف الإحتياطي استنـكاراً عارماً، كما تحوّلت «السفـير» الى معركة نجحـت خلالهـا الصحافـة اللبنانيـة، في أن تفرض على الحكـومـة اللبنـانية إلغاء المرـسوم الإشتراعي الرقم 104، وكتب طلال سلمـان تعليقاً على قرار التعطيل يقول: «إنه قرار سياسي وليس قراراً قضائياً. بل إننا نبرّئ القضاء ورجاله من أن يكونوا بأي حال، ضد الصحافة وحريتها».
مهما حصل
نجا الصحافي طلال سلمان من محاولة اغتيال أمام منزله في منطقة الحمرا في 14 تموز 1984، وأصيب بجرح في فكه وفي بعض أنحاء جسمه، وكان سبق هذه المحاولة عدة عمليات اعتداء استهدفت منزله بصواريخ موجّهة وبسيارة مفخخة. كل ذلك لم ينهه عن الثبات في مواقفه الوطنية، التي عبّر عنها في ممارسته مهنة الصحافة زهاء 53 عاماً. وعلى الرغم من أن عائلته غادرت الى فرنسا لمدة خمس سنوات، فقد ظل في بلده شامخاً صامداً في وجه الرياح والعواصف العاتية.
خلال 53 عاماً من العمل الصحافي، قابل طلال سلمان العديد من القادة. العرب وغير العرب أبرزهم: جمال عبد الناصر، حافظ الأسد (الذي التقاه لعدة مرات وأحياناً لمدة إستثنائية)، معمّر القذافي، هواري بومدين، الشاذلي بن جديد، أحمد بن بللا (ومعظم القادة التاريخيين للثورة الجزائرية)، أحمد حسن البكر، صدام حسين، سالم ربيع علي، علي ناصر محمد، عبد الفتاح اسماعيل، الملك خالد بن سعود، الملك فهد، أمير الكويت جابر الأحمد الصباح، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ زايد بن سلطان، آية الله الخميني، الرئيس رفسنجاني، أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وغيرهم، فضلاً عن معظم رؤساء لبنان.
الرسالة النبيلة
الصحافة بالنسبة الى طلال سلمان الى كونها مهنة هي رسالة نبيلة، ادّت دوراً مهماً في خدمة مجتمعنا. يشعر بالفخر كونه ينتمي اليها، وهو ما انفك يمارسها بشغف منذ خمسة عقود وأكثر، الصحافة حياته، «لا تقاعد مع الصحافة، إنها تأخذك بكليتك. لها النهارات وسهر الليالي. فإن كنت عاشقاً للكلمة، توجب عليك أن تتعبّد لها. أن تقرأ وتقرأ وتقرأ، وتسمع كثيراً وتتابع التفاصيل الكثيرة وتكتب قليلاً. ممنوعٌ عليك أن تتعب، ممنوعة الإجازات. إن فيها من شرف الرسالة، كما من المتعة، ما يجعلها تستحق عمرك».
ويعتبر سلمان أن «الصحافة نور كاشف في مستوى عالٍ من الرقي، عليها أن تحترم جمهور القراء في اختيارها الكلمة، الصورة والفكرة. عليها أن تكون على قدر المسؤولية في معالجة هموم الناس وشجونهم، وأن تكون لسان حال القارئ وضميره ووجدانه في السياسة والإجتماع والإقتصاد والثقافة… قد يأخذها البعض الى الموقع الخطأ، لأنهم الخطأ، وليست هي.
إنها ليست مهنة التجنّي على الناس، بل هي الأرض الصالحة التي توحّدهم، حول قضاياهم وهمومهم وأفكارهم وطموحاتهم المشتركة.
على الصحافة في لبنان إطلاع الناس على خطر العدو الإسرائيلي، وإعلامهم بأساسية العلاقة مع العرب وخصوصاً سوريا، لأنها علاقة حيوية تتعلق بحياتهم الإقتصادية والإجتماعية ومستقبل أولادهم…».
شخصية العام الإعلامية
حاز الصحافي طلال سلمان العديد من الجوائز والأوسمة والدروع، فخلال العام 2004 (الذكرى الثلاثين لتأسيس جريدة «السفير»)، كرّمته العديد من المؤسسات الثقافية والنوادي في أنحاء لبنان. وفي أيار 2009، منحه مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية في دبي، جائزة «شخصية العام الإعلامية» عن مجمل عطائه طوال خمسة عقود في خدمة الإعلام العربي وإنتاجه الفكري، والقضايا العربية المصيرية، ولما يمثّله من قيمة مهنية عالية.
يعتبر سلمان أن «الجائزة الحقيقية التي تلقاها، هي اتصالات الناس ورسائلهم اليه، في كل مرة استطاع إيجاد حل لمشاكلهم. إنها تلك العلاقة الضميرية بين الصحيفة والقارئ، علاقة التكامل بينهما التي تساعده على تكوين وجدانه وقناعته ورأيه السياسي. فالجائزة الكبرى ينالها الصحافي عندما يتمكّن من إقامة علاقة صحيحة وناجحة مع القارئ.
متذوّق للموسيقى والشعر
طلال سلمان متذوّق للموسيقى والطرب الأصيل، ويشعر بنشوة كبرى لدى سماعه أغاني السيدة أم كلثوم وفريد الأطرش وأسمهان وعبد الوهاب وغيرهم في جلساته الخاصة، التي يهرب اليها من هموم السياسة والعمل الصحافي المتواصل. ويفرح قلبه ويشعر بالغبطة لدى سماعه بعض المقرئين للقرآن الكريم، ويعتبر أن الموسيقى لغة التواصل بين الشعوب، وهي ثقافة تعكس وجدان البلد والناس، ولا تملك هوية. وكلما سمع المرء الموسيقى، كلما أغنى وجدانه وثقافته. للأغنية علاقة وثيقة بالروح، هي رسائل من القلب الى القلب، يتماهى فيها السامع مع المطرب مع الكلمات التي يشعر أنها تعنيه، والأغنية التي يحبها هي تلك التي تسكن الوجدان.
طلال سلمان الشاعر والأديب حتى في مقاله السياسي، المختبئ بعباءة الصحافي، ليست لديه أية محاولات شعرية، إنه فقط متذوّق للشعر والفن على أنواعه، ويعتبر أنه حرام أن تموت اللغة العربية العظيمة التي هي من أجمل لغات العالم.
لبنان الصمود
يشدّد سلمان دائماً على أن لبنان يعيش صراعات القوى العالمية على أرضه، وبصورة مستمرة منذ سنوات وسوف تستمر، نظراً الى ارتباطه بالقضية الفلسطينية، وإن ما زالت أمامه فترة طويلة وصعبة، ليست بالضرورة أن تكون مليئة بالحروب، وإنما التحدّي سوف يكون بالسياسة والمال. ويعتبر أن لبنان يملك قدرة هائلة على الصمود وعلى استيعاب الصدامات، وأن اللبناني محبوب ومرغوب من قبل دول العالم أجمع.
بيروت هذه المدينة أعظم مدن العالم بنظره، اكتشفها على امتداد خمسين عاماً، مدينة مشاغبة متمرّدة.
المستقبل بالنسبة الى طلال سلمان حلم كالأفق المفتوح، ليته يستطيع الإندفاع فيه حتى النهاية. وانه يطمح أن تتوسع مؤسسة «السفير» في المستقبل حتى تضم مجلة… ومما يطمح اليه ايضاً إنشاء علاقة توأمة مع أحد التلفزيونات، وتعزيز مركز الدراسات العربية، ولكن التنفيذ مرتبط بالظروف الإقتصادية للبلد، وبعودة العلاقات العربية الطبيعية.
الحياة بالنسبة الى طلال سلمان نعمة عظيمة علينا المحافظة عليها، وهي أفضل حماية للحب، حب الوطن وحب الناس… «مستحيل علينا العيش من دون الحب المفتوح على مصراعيه. لا حب خارج الشعر ولا شعر خارج الحب. لم يكتب الشعر من لم يحب، وأعظم الشعراء من أحب من طرف واحد».
عندما تقرأ في طلال سلمان، وتغوص في إنسانه وحلمه وطموحه، تعشق مهنة الصحافة أكثر فأكثر.
مؤلفات
توّج طلال سلمـان عمله الصحــافي بالعــديد من
المؤلفات:
– «مع فتح والفدائيين» – 1969 (مجموعة
ـ تحقيقات صحافية نشرت في مجلة «الصياد»).
– «ثرثـرة فــوق بحيــرة ليمان» (مقـدمـة لكتاب ضمّ المحاضر الكاملة لمؤتمر الوفاق الوطني في لوزان).
– «الى أميرة إسمها بيروت» (مجموعة مقالات كتبت للعاصمة بيروت).
– «حجر يثقب ليل الهزيمة» – 1992.
– «الهزيمة ليست قدراً» – 1995.
– «على الطريق»… عن الديمقراطية والعروبة والإسلام – دار الفارابي 2000.
– «هوامش» – سقوط النظام العربي من فلسطين الى العراق 2004.
تريز منصور