أسقط العسكر في البلاد العربية الفوارق بين النظام الجمهوري والنظام الملكي، واندفعوا لإقامة “إمبراطورية الرجل الواحد” حيث تمكن ضابط قائد من إسقاط النظام القائم، لا فرق بين أن يكون ملكيا او جمهورياً ليقيم نظامه الاحادي في “الدولة” التي يعاملها، منذ تسلمه سدة الحكم، وكأنها بعض املاكه.
صار لكل دولة عربية (مصر، سوريا، ليبيا القذافي، عراق صدام حسين جزائر بوتفليقه) رئيس ـ ملك له حق الأمر وحده، يتصرف بالبلاد بوصفها بعض عقاراته وبالشعب بوصفه رعيته التي لا تعرف ولا تريد غيره ملكا فرداً وقائداً مخلداً..
اختفت المؤسسات التي كانت قيد الانشاء، تفتقر إلى تقاليد العراقة والمعرفة بالأصول الدستورية للحكم… ولم يكن اسقاطها مكلفاً، لأنها لا تعبر عن الارادة الشعبية ولا هي تقوم بدور “الحكم الرشيد” او المعارضة اليقظة والمؤهلة لمحاسبة النظام على اخطائه وخطايا “قائده ـ البطل”!
صار الرئيس هو الملك، بل الامبراطور، هو القاضي وهو الحاكم بالأمر، مال الدولة رهن إشارته، والخدمات عنده، والحساب بالمكافأة او بالعقاب لديه، هو من يقرر فيها..
ثم، تدريجياً، يصبح الرئيس الملك هو الوطن والدولة.. لا يعود الرمز فحسب، بل يصير السلطان المفرد، الحكومة لعبته، والادارة مزرعته، الجيش عبده المأمور، وقوى الأمن جهازه الخاص لمكافحة “خصومه” أو “منافسيه”، إن وجدوا.
الرئيس، بمزاجه وأغراضه، هو “كل الدولة” بقضائها وعلاقاتها الخارجية، باقتصادها وزراعتها، بالتربية ونظام التعليم فيها وبالخدمات ولمن توجه، وعمن تمنع.. من دون ابداء الاسباب.
وفي لقاءات الرئيس ـ الملك بالملوك ـ الرؤساء تغيب الشعوب، وتحضر الرغبات والشهوات استدراراً “للشرهات” والهدايا المذهبة.. وتسقط الفروق بين السياسات، طالما أن الكل “اتباع” للسيد الاوحد، مباشرة او عبر الوسطاء المؤهلين، والذين هم، بغالبيتهم الساحقة، من الصهاينة او المتصهينين ممن يعرفون الطريق الاقصر إلى “البيت الابيض” في واشنطن من غير أن ينسوا عنوان “الاليزيه” في باريس وقصر باكنغهام في لندن.. وحتى الكرملين في موسكو، بعدما سقطت الفروق وبات النظام العالمي واحداً، وان بنكهات وشعارات والوان مختلفة.
لقد طمس حكم العسكر جرائم الاستعمار، انكليزيا وفرنسيا وايطاليا (كما في ليبيا الملكية..) كما أثبت عجزه عن المواجهة (حتى لا نتهمه بما هو أخطر) مع الكيان الصهيوني الذي انتدب نفسه لضرب حركة النهوض في هذه الامة، مستغلاً خيانة بعض الانظمة وجبن بعض الرؤساء عن دفع ضريبة الدم من اجل التحرير وتكريس الطاقات لبناء الغد الافضل.
هذه هي الجزائر تحاول أن تنهي بالاعتراض السلمي والتظاهرات المليونية الحكم العسكري المقنع بواجهة مدنية (بوتفليقة) فينزل شعبها إلى الشوارع في مدنها وقصباتها والقرى، عرباً وبربراً، ليقول: كفى .. سأستعيد حريتي بعدما أطلقت يدي، ولن يحكمني دكتاتور بعد اليوم.
لقد حضر الشعب، واحتل الساحات والميادين ليقول: ها آنذا، انا صاحب الحق بالآمرة، انا صاحب القرار، ولي وحدي حق اختيار رئيسي والتأكيد على ديمقراطية النظام الجمهوري في دولة المليون شهيد لإخراج الاستعمار الاستيطاني الفرنسي ومن والاه او مالأه ليقترب من مركز القرار بالتواطؤ معه.