ارتكبت المملكة العربية السعودية، بشخص ولي عهدها الامير محمد بن سلمان، واحدة من جرائم العصر، باحتجاز رئيس حكومة لدولة أخرى ـ هي لبنان، من دون سابق انذار او تبرير لاحق.
كان طبيعياً أن يغضب اللبنانيون لهذه الاهانة الجارحة التي تمس كرامتهم الوطنية، بغض النظر عن موقفهم من الرئيس سعد الحريري وادائه الحكومي، وهكذا جمعهم الموقف، رئيسا وحكومة وتيارات سياسية، في ما عدا “القوات اللبنانية”، استنكاراً لهذا التصرف الارعن، ودفاعاً عن الكرامة الوطنية.
لم يكن ثمة حاجة إلى أدلة ليتبين اللبنانيون أن الرئيس سعد الحريري قد اقتيد لإجراء المقابلة التلفزيونية الأولى مرغماً… بل انه كان استدعي لمرافقة ولي العهد الامير محمد بن سلمان في رحلة صيد، ولذا فهو قد ذهب إلى القصر بثياب الرياضة. وهنالك احتجز وحيداً في غرفة استقبال، بينما احتجز مرافقوه لبعض الوقت، ثم أطلقوا بعد التنبيه عليهم بعدم فتح أفواههم بكلمة واحدة. وقبيل منتصف الليل، طُلب إلى سعد الحريري أن يستعد لتلاوة بيان مكتوب، بعدما جيء اليه ببدلة وقميص وربطة عنق.
لم يكن من حقه أن يتدخل في النص فيعدل في هذه الجملة او تلك. كان عليه أن يقرأه فقط، وبلهجة أقرب ما تكون إلى نبرته الطبيعية. بعدها اقتيد إلى فندق كارلتون، ليظل بعيداً عن الامراء المحتجزين في فندق ريتز، منقطع النظير في فخامته الملكية.
وبقية تفاصيل التدخل، الفرنسي بشخص الرئيس ماكرون، والعربي متعدد الصوت وان ظلت الاسماء مكتومة، باتت معروفة، خصوصاً غضبة الرئيس الفرنسي وهو يحاول التدخل لاستنقاذ العائلة الرهينة، وقوله لولي العهد السعودي: تذكر انك تخاطب رئيس فرنسا!
كذلك مهزلة محاولة استبدال سعد بشقيقه بهاء، وقبول هذا المضارب في البورصة هذا العرض، وتكليفه من يسعى في بيروت، لدى بعض الزعماء السياسيين، بشخص وليد جنبلاط، للموافقة على الدخول في “حكومته”.. وطبيعي أن الجميع قد رفضوا..
المهم أن عملية القرصنة هذه قد تمت مع احتجاز الامير محمد بن سلمان لمجموعة من ابناء اعمامه النافذين، ورجال المال والاعمال المعروفين، لإجبارهم على دفع “الجزية”، ثمناً للإفراج عنهم… ولقد قال في تصريح له لجريدة “نيويورك تايمز” بشخص توماس فريدمان، انه قد أجبر كلاً منهم على دفع 90 في المئة من ثروته لصالح خزينة المملكة..
الأحاديث تدور الآن حول النتائج العملية للتصرفات الخرقاء لهذا الامير الاحمق.
يقول العارفون بأحوال مملكة الذهب الاسود والصمت الابيض، أن ما بعد الصحوة من هجوم ولي العهد المستقوي بمكانة ابيه الملك سلمان، لن يكون على صورة ما كان قبلها… فلا الذين اعتقلوا واضطروا إلى دفع “الفدية” سينسون.. ولا “الامراء الكبار” الذين منع التهيب الامير محمد من التعرض لهم، سيسكتون عن هذه الفضيحة المخزية التي لطخت صورة “العهد الجديد” بالعار، من قبل أن يتولى الامير محمد بن سلمان الحكم وقيادة المملكة في اسوأ الظروف التي تواجهها، والتي تكاد تذهب بمعظم ما تدخره المملكة. والسبب الاول والاخطر: حربها على اليمن، التي يتولى ولي العهد قيادتها بالشراكة مع ولي العهد في دولة الامارات الشيخ محمد بن زايد.
يضيف العارفون: أن هيبة الملك سلمان، وهو آخر الكبار في المملكة، تحمي الآن الامير الشاب، الذي تجاوز كل اصحاب الحق بولاية العهد، بدءاً بأعمامه، مروراً بأبنائهم، وآخر النماذج هو “الرجل القوي” محمد بن نايف.
ويقولون: أن ولي العهد الشاب نفذ خلال السنتين الماضيتين خطة بمراحل للسيطرة على مفاصل الدولة..
ولقد قضت خطته بتعديل في وظيفة الحرس الوطني الذي يقوده متعب بن عبد الله، وهو القوة العسكرية المؤثرة الثانية بعد الجيش. فقد تم توزيع فصائل هذا الحرس بعد تزويدها بالدبابات والحوامات، في مختلف انحاء البلاد.. وبالتالي فهي لم تعد تشكل خطراً على “العهد الجديد”، وصار الامير متعب اضعف من أن يفكر بانقلاب .. خصوصاً وانه قد غادر سن الشباب ومشغول “بالبزنس” ومن علاماته فندق “السمرلاند” في بيروت.
كذلك فلقد أجرى الامير محمد بواسطة ابيه الملك تعديلات جذرية على اجهزة وزارة الداخلية، والحق بعضها بالديوان الملكي، مما أضعف قدرات الامير محمد بن نايف على التحرك.
بالمقابل تم الامساك بالديوان الملكي، وخلع “الرجل القوي” خالد التويجري، وهو نجل الشيخ عبد العزيز التويجري الذي كان لسان الامير ثم الملك عبدالله وقائد جيشه القوي: الحرس الوطني.. في حين كان الجيش الملكي أضعف منه وأقل تسليحاً.
*****
لقد قام الامير محمد بن سلمان بانقلاب فعلي داخل الاسرة، عبر القصر محتمياً بهيبة الملك سلمان.
لكنه لا يفتأ يزيد خصومه، داخل الاسرة وخارجها، باستهدافه رجال الاعمال الكبار: بن لادن، صالح كامل، و ….
الأهم أن هذه التدابير والاجراءات البوليسية قد اقلقت رجال الاعمال، ومن لم تمسهم، حتى اللحظة، من الامراء ابناء العائلة الحاكمة، والذين كانوا بعيدي النظر منهم احتفظوا بثرواتهم، او معظمها، في الخارج، تحسباً لأي اجراء همايوني يشابه الانقلاب.
ويخشى العارفون على المملكة من طيش ولي العهد المتستر الآن بنفوذ ابيه الذي كان يحظى بنفوذ واسع، داخل العائلة، وخارجها..
أما ما بعد سلمان فمفتوح على الاحتمالات كافة..
تنشر بالتزامن مع السفير العربي