نشأ جيلي على كراهية شاه إيران، لأسباب تتجاوز حدود بلاد فارس، أبرزها احتقاره العرب، لا سيما متى كانوا يرتدون ثيابهم التقليدية ويغطون رؤوسهم بالكوفية ومن حولها العقال.
واذكر انني قد سألت الامام اية الله الخميني حين التقيته، اول مرة، في ضاحية نوفل ليه شاتو، القريبة من باريس، عن هذا الامر، فاكتفى بان ابتسم بهدوء تاركاً للمترجم أن يرد عليّ بقـوله: ألم تنتبه إلى العمامة السوداء على رأس الامام.. انه من النسب الشريف، “السيد” كما تقولون في بلادكم أو “من الإشراف”.
وعاد الامام الخميني يقول من خلال ابتسامة قصيرة: كيف لي أن اتلو القرآن الكريم الذي احفظه غيباً، وان ادرس في النجف الاشرف وانا لا اعرف العربية.. لكنني الآن أجاهد لتحرير بلادي، إيران، من هذه الاسرة الفاسدة المفسدة التي تحكمها. انا الآن ايراني، واسرتي ايرانية، وان كانت أصولنا عربية، وانا اعتز بذلك، لكنني ايراني وديني الاسلام.
أما حين قابلت الامام الخميني في قم، بعد عودته المظفرة مع انتصار الثورة الاسلامية في اوائل العام 1979، وكان الوقت صباحاً، والثلج يغطي الطرق والابنية، فقد كان على منظمي المهرجان أن يكسروا جدارين يفصلان بين مدرستين احداهما للفتيات، قبل أن تتدفق الجماهير للاستماع إلى خطبته، بينما سيارات الاسعاف تتوالى نقل عشرات الصبايا ممن سقطن في حالة اغماء، مع اطلالة “الامام” عليهن مما انساهن الثلج وشغلن بالتطلع اليه وهو ملتف بعباءته الرخيصة وهو يخاطبهن بلهجة القائد ـ الوالد.
..ولقد التقيت في تلك الفترة معظم القيادات التي التفت حول الامام القائد واستعان ببعضهم للامساك بناصية الحكم، والتخلص من كل ما يذكر بالشاه.. واستوقفني أن الجماهير الغفيرة التي كانت تنام احيانا في الشارع، انتظاراً لظهور الخميني او بعض معاونيه في الهيكل الجديد للإمبراطورية التي باتت الآن جمهورية، والتي سرعان ما حددت عدوها الأول: الولايات المتحدة الاميركية، ومعها دولة العدو الاسرائيلي التي كانت سفارتها في قلب طهران تمتد على مساحة كيلومترات عدة، يحيط بمبناها الحرس، ويعمل خمسمائة “خبير” في تدريب جيش الشاه.
ومع انتصار الثورة الاسلامية، ووصول الامام الخميني إلى طهران، تبخر هؤلاء “الخبراء” ومنح مبنى السفارة الفخم لمنظمة التحرير الوطني الفلسطينية ليكون مقراً لسفارة فلسطين، التي كان اول من شغلها الراحل هاني الحسن..
ولقد بقي السفير هاني الحسن يقيم، خلال فترة ترميم مبنى السفارة، في المقر الرسمي لرئيس مجلس الوزراء، ايام الشاه.
تجولت طويلاً في شوارع طهران، كعادة أي زائر يتعرف إلى بلاد لم يعرفها من قبل… ولفتني مشهد طوابير الفقراء من الايرانيين الذين كنت اصادفهم خلال تجوالي، واندفاعهم إلى البكاء حين يبلغهم المترجم انني قد التقيت الامام الخميني.
ليس اغزر من دموع الايرانيين، الذين يندر أن تجدهم ـ يومذاك ـ يبتسمون او تضبطهم في حالة فرح.. ولعل ذلك قد امتد ـ بعد مذبحة الامام الحسين ابن الامام علي ابن ابي طالب، (وخؤولة الحسين ايرانية كما هو معرف)، فصار ارثاً متبعاً في اربعين الحسين (عاشوراء) التي يؤكد العارفون أن اصولها ايرانية، وقد جاء بها إلى لبنان اسرة ايرانية استقرت في النبطية، وهي معروفة في الجنوب، ويستذكرها الجميع في كل عاشوراء، وسط الندب واللطم حزناً على الامام الحسين، والترداد الذي يرافق البكاء: “يا ليتنا كنا معك يا حسين.. يا ليتنا كنا معك يا سيد شهداء آل البيت لنفوز فوزا عظيما..”.
لكن ايران الخميني التي قاتلها صدام حسين لثماني سنوات طويلة، وتجرعت كأس السم وهي تصالحه في الجزائر، لوقف الحرب، باتت اليوم اقوى دولة في المنطقة، وهي تواجه النفوذ الاميركي الذي اتخذ من نفوذها ذريعة للتمدد، ما بين العراق وسوريا (في اقصى الشمال والشرق، وقريباً من آبار النفط، ما بين القامشلي ودير الزور..)
وإيران الخميني هي التي رعت، بالتدريب والسلاح والذخيرة، “حزب الله” في لبنان، حتى تمكن في ظل هذه الرعاية من مواجهة العدو الاسرائيلي الذي كان يحتل الجنوب، وبعض البقاع الغربي، حتى تمكنت من طرد قواته واجلائها بالكامل عن الارض اللبنانية المحتلة، لتستولد عيد النصر في الثلث الاخير من شهر ايار 2000..
ولقد كان الشهيد قاسم سليماني المدرب والمثال، الدقيق والمؤمن، والمقاتل الفذ، وبالتالي فهو شريك لـ”حزب الله” في معركة التحرير.
رحم الله هذا الشهيد الذي قاتل الامبريالية والاستعمار والاحتلال الاجنبي على امتداد المشرق العربي وصولاً إلى باكستان وافغانستان.
انه حقاً أحد التلامذة النجباء للإمام روح الله الموسوي الخميني.
أحر التعازي لقيادة الثورة الاسلامية في إيران،
أحر التعازي لقائد النصر على العدو الاسرائيلي في لبنان: سماحة السيد حسن نصرالله.
والمعركة مفتوحة، بعد، مع الامبريالية الاميركية ورمزها الكريه دونالد ترامب، الذي هرب من ميدان المواجهة إلى سلاح الجبناء: الاغتيال في قلب العتمة.