برغم التصدعات التي تصيب وطننا العربي، من مشرقه إلى مغربه، ها هو شعب لبنان يثبت أنه أوعى من قادته وأجمل من أن ينزلق إلى الأفخاخ التي تُنصب له، وما أكثرها.
لقد خافت الأنظمة العربية جميعاً من هذه الانتفاضة الرائعة والشاملة مختلف أنحاء الوطن الصغير: لبنان!
وبدلاً من أن تهب لمساعدة النظام الذي عجز عن تلبية مطالب الانتفاضة لأسباب تتصل بطبيعة تكوينه، رأيناها تتجاهل “الانتفاضة” التي تخيفها، ولذا، تعامل النظام مع الجانب الأمني منها، وكفى الله الملوك وأولياء العهود شر الثورة.
وحدها قطر شذت عن الإجماع الخليجي و”وعدت” بتقديم مساعدات، لكن ليس أسهل من تبخر الوعود، خصوصاً وأن وعداً سابقاً من أمير هذه الدويلة الغنية بالهواء من ذهب (الغاز) سبق له أن أعلن ـ قبل سنتين ـ قرار مساعدة لبنان بقرض قيمته مليار دولار، لكن ما وصل الى بيروت هو نصف مليون دولار كقرض واجب السداد خلال خمس سنوات.
مفهوم أن هذه “الدول” و”الدويلات” معادية، بطبيعة تكوينها، للثورات والانتفاضة، ولكنها كثيراً ما اعتمدت المزايدة على السعودية وسائر دول الخليج، فبادرت الى تقديم “مساعدات” إلى بعض الدول الأفريقية في محاولة لشراء موقع لنفوذها فيها، لا سيما حيث كانت تثق بالتقارير التي تؤكد غنى أرض تلك البلاد بالبترول والغاز، ويمكن اقتحامها بالمساعدات.. ودائماً بالتنسيق مع الولايات المتحدة والعدو الاسرائيلي.
بالمقابل، تولى الاعلام الخليجي، المتلفز والمكتوب، محاولة تشويه الانتفاضة عبر دمغها بالطائفية ليسهل التحريض على جمهور المشاركين فيها الذين وصفوا بالشيوعيين تارة وبالمتطرفين من السنة الذين انتفضوا ضد “هيمنة حزب الله على السلطة في لبنان”.
ومع أن الشعب العربي في أقطار عربية عديدة لم يخف تضامنه وتعاطفه القوي مع الانتفاضة في لبنان، إلا أن أهل النظام العربي عموماً كانوا يقفون صفاً واحداً ضد هذه الانتفاضة التي جاءت لتزعجهم من حيث لا يتوقعون.
من أجل مزيد من الفهم، تتبدى وحدة الموقف العربي من الانتفاضات العديدة التي شهدتها أقطار عربية مختلفة، من بينها تونس (قبل حين) ثم الجزائر التي استمرت الانتفاضة الشعبية ومسارات رفض نظام عبد العزيز بوتفليقة الذي اسقطه نظامه ليتولى الجيش السلطة.
وبرغم بقاء الشعب الجزائري لمدة سبعة شهور في الشارع رافضاً “حكم العسكر”، فقد نجح العسكر في تنظيم انتخابات رئاسية فاز فيها المرشح عبد المجيد تبون وتوالت تهاني الأنظمة الملكية والأميرية مباركة للرئيس الجديد انتصاره بالإرادة الشعبية.
بالمقابل، فان الشعب السوداني قد بقى في الشارع شهوراً منادياً بخلع الدكتاتور حسن البشير الذي واجه الانتفاضة بالرصاص، فأسقط عشرات القتلى ومئات الجرحى، ثم عقد نوعاً من التحالف بين بعض كبار ضباط الجيش وبين جماهير الشعب الثائر، وتم خلع البشير ومحاكمته وسجنه.
… ولقد سارعت بعض دول الخليج الى محاولة شراء “الحكم الجديد” عن طريق الإدعاء بأنها إنما تقصد مساعدته لتخطي الأزمة الاقتصادية الحادة التي يعيشها شعب السودان!. (كأن هذه الأزمة الخانقة وليدة اليوم) وكأن دول النفط والغاز لم تتفضل على البشير بالفضلات!
إننا نعيش مرحلة جديدة من تاريخ الوطن العربي..
ومؤكد أن الهيمنة الأميركية لن تتقبل هذه الانتفاضات، وستحاول شراءها أو ضربها بالطائفية أو بما هو أخطر: الدولار.
… من غير أن ننسى العدو الاسرائيلي الذي تريد الولايات المتحدة تنصيبه في موقع الأمر الناهي على هذه الأمة بمختلف دولها، عبر استغلال ضعف هذه الدول وغربة معظمها عن شعوبها.
تنشر بالتزامن مع موقع 180