تعتبر الثورة العراقية بداية لتغيير ميزان القوى العراقي والاقليمي. فقد بادر جيل من العراقيين الشباب والشابات الى فضح واستنكار هيمنة النفوذ الاجنبي في العراق وسياسات الفساد والفشل الاقتصادي وتهريب الاموال للاحزاب الدينية والاثنية التي حكمت العراق منذ احتلال عام 2003.
طبعا، لم ينته الصراع بعد. فستواجه الثورة صراعات مستقبلية مع الاحزاب الحاكمة وميليشياتها. اذ ان الاحزاب هذه لا تزال مسيطرة على مراكز قوة، بالذات الحشد الشعبي، مما يعني توقع المزيد من سفك الدماء بعد أكبر مجزرة في تاريخ العراق الحديث. فلا يبدو ان إيران ستغير من سياسة التدخل في شؤون الدول العربية، وفي مقدمتها العراق. ولا يبدو في ضوء ذلك استعداد الجالسين على كراسي الحكم في بغداد التخلي عن السلطة ومواردها الملياردرية التي استأثروا بها افرادا واحزابا دون مراقبة او مقاضاة.
ستواجه السياسات النفطية للعهد الجديد، في حال قلب النظام الحالي، تحديات عدة، ليس فقط لما للنفط من أهمية استراتيجية، بل لمحاولة استفادة البلاد القصوى من النفط اقتصاديا. اما إذا استطاع العهد الحالي التمسك بالحكم، رغم المظاهرات التي عمت بغداد ومعظم محافظات الجنوب، فهذا سيعني استمرار الاحزاب في نهب وهدر مليارات الدولارات سنويا. مما يعني انه يجب توقع استمرار دمار العراق وافقار شعبه ثقافة وعلما واقتصادا. اذ ان نحو 11 في المئة من السكان الان عاطلين عن العمل و25 في المئة تحت خط الفقر. يتساءل المتظاهرون: لماذا هناك ارصفة بحرية على سواحل البصرة مخصصة لتهريب النفط لصالح الميليشيات؟ ولماذا مسموح لرئيس وزراء سابق نهب اموال النفط الواردة من الخارج، او ان يقترض نفس رئيس الوزراء نفسه 10 مليار دولار من وزارة المالية خلافا للقوانين المرعية ودون ان يعيد هذه الاموال للخزينة حتى الان؟ اين الرقابة والقوانين والمحاكم؟ واين تصرف هذه الاموال؟ هل يتم تبييضها؟ لماذا يشرب أهل البصرة ماء ملوثا؟ ولماذا تنقطع الكهرباء عدة ساعات يوميا؟ أين الـ 26 مليار دولار التي خصصت في الموازنات السنوية منذ عام 2004 لتطوير ودعم وزارة الكهرباء؟ أين صرفت مئات الملايين من الدولارات من المساعدات المخصصة لنحو ثلاثة ملايين نازح داخل العراق؟ وأين محاكمات الالاف من المسؤولين المتهمين بالفساد الذين تتواجد ملفاتهم في ادراج المحاكم؟
النفط..
ما هي المستجدات النفطية في حال استلام عهد جديد مقاليد الحكم؟
تبلغ طاقة الانتاج النفطية العراقية حاليا نحو 5 مليون برميل يوميا، بينما يبلغ الانتاج نحو 4.30 مليون برميل يوميا، والصادرات حوالي 3 مليون برميل يوميا. وتوقعت السلطات في موازنة 2019 أن تبلغ قيمة الصادرات النفطية في موازنة هذا العام نحو 79 مليار دولار.
تكمن الاولوية عند تغيير النظام في اعادة النظر في السياسات النفطية، مراجعة القوانين والانظمة للقطاع البترولي في الدستور الحالي. وهذا يعني بدوره مراجعة الدستور الذي تم رسمه في عهد الحاكم الامريكي بول يريمر والذي كرس فيه تفتيت العراق الى ما وصل اليه اليوم. وقد قدم الخبير النفطي العراقي أحمد جياد دراسة وافية تشمل التحليل والتقييم للمواد الدستورية المتعلقة بالقطاع النفطي التي يقترح استعمالها عندما تسنح الفرصة لتغيير الدستور من قبل جهات مختصة.
وفي هذا المجال، نود التأكيد على ضرورة اعادة اعطاء المسؤولية لشركة النفط الوطنية العراقية. وهذا يتطلب إعادة العمل الكادر المتقدم الذي صرفت الدولة على ابتعاثه لخيرة الجامعات في العالم للتخصص في مجالات النفط العلمية وقد يحصل هذا الكادر على خبرة طويلة في ادارة القطاع النفطي في الماضي. وينضم هذا الكادر المتقدم مع الكوادر الشابة التي في قطاع النفط الان او التي ستتأهل مستقبلا بعد التخرج للعمل في الصناعة النفطية، لكي يشكلا تكاملا في صناعة النفط العراقية من جيلين مختلفين.
كما يقترح، في ضوء الدمار الذي لحق بالصناعة النفطية العراقية خلال العقود الاربعة الماضية والهجرة الجماعية للخبراء العراقيين، الاستمرار في التعاون مع شركات النفط العالمية للاستفادة القصوى من امكاناتها المالية وقدراتها الفنية والتقنية وتدريبها للكادر العراقي النفطي الفتي. وهذا يترتب بدوره دراسة العقود الحالية مع الشركات التي واكبها الكثير من اللغط.
هناك امكانات وبدائل عدة ممكن العمل بها ضمن واردات العراق السنوية الضخمة، في حال الاعتماد على الحوكمة والشفافية في الحكم. وبالنسبة للقطاع النفطي، هناك ضرورة ملحة لتشييد مصافي تكرير جديدة، اذ ان العراق يستورد حاليا نحو 100 ألف برميل يوميا. وقد طرحت وزارة النفط منذ عام 2003 تشييد اربعة مصافي جديدة. الا ان المفاوضات مع الشركات الدولية التي قدمت عطاءاتها لا تزال متعثرة. والسبب المعلن هو الخلاف حول الاسعار العالية للعروض. ونستطيع ان نتصور لماذا هذه الاسعار العالية من قبل الشركات. فهي اما للمخاطرة الامنية للعمل في العراق ضمن الظروف الراهنة، او ان عمولات وحصص المتنفذين السياسيين عالية جدا. والشركات تتحمل اسميا كلفة هذه العمولات لكن فعليا تضيفها الى نفقاتها وتحمل الدولة كلفتها.
ومن الضرورة اعطاء الاولوية لتطوير صناعة الغاز. فالعراق، من أكثر الدول في العالم لا يزال يحرق الغاز المصاحب. الامر الذي جعل العراق من الدول الرئيسة المسؤولة عن التلوث عالميا. والغاز هو الوقود المفضل في عبور الجسر ما بين حقبتي الهيدروكربون والطاقات البديلة، لكمية ثاني اوكسيد الكربون الضئيلة فيه نسبيا. كما ان العراق بحاجة ماسة لتغذية محطات الكهرباء بوقود الغاز لايقاف انقطاعات الكهرباء للمواطنين.
وبالنسبة للطاقات المستدامة، تم تدشين محطة طاقة شمسية بطاقة 750 ميغوات في شهر ايار (مايو) الماضي. وهناك خطط لتشييد محطة شمسية اخرى ايضا بقدرة 750 ميغاوات ويتوجب اعطاء اهمية أكثر لتشييد محطات بدائل الطاقة (الشمسية او الرياح). وقد تأخر العراق كثيرا في هذا المجال الطاقوي الحديث. ويقترح دراسة امكانية اعطاء القطاع الخاص او القطاع المشترك تشييد هذه المنشات الحديثة. كما نقترح ان تشمل صلاحيات وزارة النفط شؤون الطاقة البديلة (وزارة النفط والطاقات البديلة) نظرا الى توسع افاق الطاقة في المستقبل القريب الى ما هو ابعد من النفط والغاز.
شكلت الخلافات النفطية ما بين الحكومة الفدرالية (بغداد) وحكومة اقليم كردستان (اربيل) واحدا من أهم أسباب النزاعات بين الطرفين. وقد تراكمت هذه الخلافات منذ عام 2003. ومن أهمها حصة الاقليم من مجمل الريع النفطي العراقي السنوي (17 بالمئة من قيمة الصادرات النفطية). والخلاف الثاني هو كيفية صرف الاقليم لهذه المبالغ. فتشير معلومات اللجنة المالية للبرلمان العراقي عن رفض الاقليم السماح لهم بالزيارة لكي يدققوا في دفاتر حسابات الاقليم الرسمية. كما ينص دستور اقليم كردستان ان لوزارة نفط الاقليم الصلاحية للتفاوض والتعاقد مع شركات نفطية دولية دون ابلاغ برلمان اقليم كردستان او البرلمان العراقي بفحوى هذه المفاوضات ونص عقود الاتفاق مع الشركات الدولية. وهناك مشكلة ابلاغ وزارة نفط الاقليم الوزارة الاتحادية بحجم انتاجها وصادراتها. وتتبع حكومة الاقليم سياسات نفطية تناقض سياسات العراق. مثلا، يتم تصدير نحو 250 ألف برميل يوميا من النفط الخام عبر تركيا الى ميناء جيهان ومن ثم تشحن شركات تسويق نفطية الامدادات الى ميناء عسقلان (اشدود) الاسرائيلي.
تتعدد أمثلة الفساد في العراق وفي اقليم كردستان. فالمثال الاخير الذي تم الكشف عنه في بغداد وأعلنه وزير الصحة السابق الدكتور عبد الصاحب علوان مباشرة في مقابلة على التلفزيون يتعلق بمحاولة وزارة الصحة استيراد لقاح ضد شلل الاطفال. ذكر الدكتور علوان على التلفزيون العراقي ان نائب رئيس كتلة برلمانية ضخمة في البرلمان زاره في مكتبه وطلب منه استيراد اللقاح من دولة معينة بقيمة 85 مليون دولار، بدلا من 15 مليون دولار التي اتفقت فيها الوزارة مع منظمة متخصصة تابعة للأمم المتحدة. رفض الوزير طلب النائب وطلب منه مغادرة مكتبه كما قدم استقالته لرئيس الوزراء وغادر البلاد الى الخارج.
اما المثال الثاني، فهو بخصوص خبر نشرته وكالة رويترز للأنباء عن وديعة بقيمة مليار دولار تملكها عائلة كردية سياسية. تم ايداع هذه الوديعة في احدى المصارف اللبنانية وهناك دعاوي مرفوعة حولها حاليا في محاكم نيويورك.
كاتب عراقي متخصص في شؤون الطاقة