يخطئ مَن يفترض أن الحرب الإسرائيلية على لبنان قد انتهت ب»التفاهم« الملتبس وحمَّال الأوجه، والذي فرضت التسليم به أميركيù وإسرائيليù مقتضيات الحملة الانتخابية لشمعون بيريز وحزبه في وجه منافسيه الليكوديين »الشرسين«.
فالحرب لم تبدأ بالاجتياح الناري يوم 11 نيسان الماضي، ولا هي قد باتت الآن من الماضي، بل أنها مستمرة، وإن اتخذت أشكالاً أخرى بعدما استنفدت النار أغراضها وبات ضروريù اللجوء إلى السلاح الأمضى: الضغوط السياسية.
وإذا كان لبنان قد نجح في مواجهة المحنة بوحدته، دولة وشعبù، فإن الحفاظ على هذه الوحدة وتحصينها وتأطيرها عبر استبعاد كل ما يفرّق أو يثير الخلافات أو الحساسيات المحلية، هو شرط حياة لهذا البلد الصغير الذي طالما طمست الأغراض والأهواء قضيته الوطنية أو شوّهتها فأبعدت عنها جمهورها الطبيعي أو قسمته فانشغل بمواجهة ذاته عن عدوه.
وإنها لخطوة طيبة تلك التي أقدم عليها الحكم، أمس، حين أقرّ مجلس الوزراء التخفّف من بعض الأثقال التي كانت تحد من حركته، أو تظهره طرفù في مخاصمات ومماحكات مؤذية مع صغار الكسبة من الموظفين والعمال والأجراء، فكانت الزيادة الموعودة والمرجأة في الأجور، والتي تسبَّب تأخيرها في تعكير جو البلاد لبعض الوقت، عشية الاجتياح الإسرائيلي.
لقد أكد اللبنانيون، وبدمائهم، مرة أخرى، وحدتهم وتمسكهم بأرضهم ودولتهم، ووحَّدهم الخطر فتناسوا الكثير من ترسبات الحرب الأهلية وأحقادها، وجمّدوا خلافاتهم مع الحكم أو في ما بينهم، فقدموا مشهدù رائعù لصحوتهم التي ربما كانت بداية تاريخ جديد لهذا البلد الصغير بحجمه القوي بتأثيره على أمته العربية، كما دلَّ التعاطف النوعي مع قضيته التي غدت عنوانù للقضية الأصلية برمتها.
إن لبنان في حومة الحرب التي تشنها عليه إسرائيل، بعد،
و»التفاهم« الوطني هو أساس الصمود ومعاودة البناء، وليس ذلك »التفاهم« الهش، والذي قد ينكره شمعون بيريز مع لحظة فوزه، أو قد يحاول تحوير المعنى المضمر من نصوصه الغامضة، ليتخذ منه المنطلق لجولة جديدة في حربه المفتوحة بعد ضد لبنان، بكل جهاته، وضد اللبنانيين بكل »أصنافهم« وحساسياتهم ونزعاتهم السياسية.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان