ثامر السبهان ليس حالة فريدة. يجسد هذا الديبلوماسي ـ الأمني، حالة غير معلنة للسياسة السعودية.
يقول أحيانا ما لا يقال علانية في وزارة الخارجية، فيبدو كلامه غليظا، وهي صفة لا تتلاءم عادة مع العمل الديبلوماسي الرصين. ومع ذلك، لا تنم أقواله عن خفة، ابدا. ما يقوله الرجل خطير. يكشف ربما من دون ان يدري عن مكنونات النوايا السياسية في دائرة الحكم السعودي.
لطالما اتسمت ديبلوماسية البداوة السعودية، بالكثير من الحيطة والتحفظ. كانت هناك استثناءات بالتأكيد للغة وخطاب الديبلوماسيين السعوديين. لكن الحذر كان سمة دائمة لمصطلحات البيانات السعودية الرسمية سواء في ما يتعلق بالأوضاع الداخلية او الخارجية.
بعض الفظاظة طفت في الخطاب السعودي خلال سنوات “الربيع العربي”. واتخذ شكلا اكثر حدة في تناول الحرب في سوريا وعليها، ومؤخرا في الخلاف مع قطر. ومنذ نحو عشرة أعوام، لم يعد لبنان في سلم أولويات المملكة السعودية، اقله خطابيا.
ما يفعله ثامر السبهان حاليا، يشير الى تحول ما. وعلى الرغم من توليه منصب وزير دولة لشؤون الخليج العربي في وزارة الخارجية السعودية، الا انه نادرا ما يثير بلبلة في مواقفه الخليجية، ويركز على لبنان و”حزب الله”… اللهم الا اذا ادرجنا العراق ضمن دائرة شؤون الخليج السعودية.
ولكلام السبهان خطورته ذلك انه الى جانب منصبه الحالي كوزير دولة، وعمله الأمني سابقا في بيروت (يعتقد ان الدولة اللبنانية منحته وساما تقديريا)، أجج الكثير من الأحقاد العراقية عندما اطلق العنان لتصريحاته المذهبية وهو الآتي من خلفية امنية وعسكرية طويلة، وكان يدرك بالتالي فداحة التلاعب بالمشاعر الطائفية والمذهبية في دولة كالعراق بالكاد يلتقط أنفاسه من حمامات الدم الجارية فيه، اقله منذ قررت السعودية وبعض شقيقاتها الخليجيات، تمويل جنون صدام حسين منذ نحو 40 سنة ضد ايران.
في العراق، لم يمكث السبهان كسفير سوى بين حزيران 2015 وتشرين الأول 2016، أي اقل من عام، حتى اخرجته الرياض من بغداد بعدما انهالت عليه تهديدات بالقتل.
كاد السبهان لا يترك محرما ديبلوماسيا الا وانتهكه. سواء بمحاولة تبرئة العشرات من المعتقلين السعوديين في السجون العراقية، او بإثارة أجواء من “المظلومية السنية” في لحظة الالتحام العراقي ـ ولو كان هشا ـ في مواجهة “الدواعش”، وصولا الى محاولاته السرية لاستمالة قوى وشخصيات عراقية سياسية وعشائرية وحتى ضمن الطائفة الشيعية، للتمرد على الحكم العراقي وإظهار الدعم والتأييد للسياسات السعودية في العراق، مع التذكير ان الرياض هجرت العراق ديبلوماسيا لمدة 25 سنة، قبل ان تعيد فتح سفارتها في بغداد العام 2015، بضغط أميركي.
وبرغم هذا الهجران الطويل، يأتي السبهان، وبمجرد توليه منصب السفير في بغداد، ليشعل الاتهامات ضد بعض القيادات العراقية الرسمية بالعمالة والولاء لإيران، متعهدا بعد نحو شهر فقط على توليه منصبه، بالوقوف الى جانب السنة قائلا “لن نتخلى عنكم” بينما رمى قوات “الحشد الشعبي” وهي في ذروة اصطدامها بالجماعات الإرهابية، بشبهات الطائفية والحقد واللاوطنية.
يستحق هذا السلوك مصطلح “عدوانية ديبلوماسية”. الرياض لم تعد شديدة الحذر. الضغوطات والتحديات كثيرة.
في الشكل العام، قد تنجو حركة الديبلوماسية السعودية من شبهة “النمط السبهاني”. لكن في جوهر تلك السياسات، كما الظاهر منها الان في ما يتعلق بـ”حزب الله” مثلا، والدعوة الى تشكيل تحالف دولي ضده، تقبع حقائق عمل المملكة السعودية. كل ما يفعله ثامر السبهان، انه يقولها بفم ملآن، ولو في تغريدة.