بين قمة عربية وأخرى تتصاغر “القضية” حتى لتكاد تضمحل او تنقلب إلى الضد تماماً، فيصير “الفلسطيني” غاصباً او منتحل صفة او مدعياً بالزور حقاً لا يمتلكه ولا كان له يوماً في وطنه!
في قمة عمان، المنعقدة الآن، دخل رئيس السلطة التي لا سلطة لها في فلسطين على خط المناقصة، متنافساً في التنازل مع سائر الملوك والرؤساء العرب من داعي انفسهم إلى “الحج” إلى البيت الابيض في واشنطن، للقاء الرئيس الاميركي دونالد ترامب.
إن ثلاثة من القادة العرب سيزورون واشنطن في مواعيد متقاربة بعد القمة، فيهم الرئيس المصري والملك الاردني ورئيس السلطة الفلسطينية، ومن واجبنا وليس فقط من حقنا أن نخاف على “القضية”.
لقد انتهى زمن المزايدة طلباً للشعبية التي تمنحها المقدسة فلسطين لمن يبادر إلى حمل رايتها، وجاء زمن المناقصة: من يعطي منها اكثر يأخذ لنظامه أكثر.. والكل ذاهب ليعطي فيأخذ!
ثم أن الذين “يعطون” الآن، من “القضية” بدل أن يعطوها، قد توفر لهم الغطاء خصوصاً وقد غاب عنها او غُيّب “المزايدون” وفي طليعتهم سوريا، وصارت “المعارضة” اقلية بعدما تم اختصارها بالجزائر الغائبة بدورها القيادي والعراق الذي تشغله مأساته فتجبره على بعض التنازلات ليتفرغ للحرب المصيرية التي يخوضها ضد “داعش”.. وتجبره كذلك إلى طلب العون من الولايات المتحدة الاميركية، راعية اسرائيل!
واذا كان الرئيس الاميركي الجديد قد باشر عهده بوعد قطعه على نفسه، ثم ترك للسفاح نتنياهو أن يتصرف بموجبه، وهو نقل السفارة الاميركية لدى الكيان الصهيوني إلى القدس (الشرقية)، فان اقصى ما يطمح اليه اهل القمة العربية أن يرجأ تنفيذ هذا القرار، ولو لفترة، لعل محمود عباس يستطيع اقناع ترامب بتعديله او تبديله او نسيانه مؤقتاً حتى لا تكون الرشوة باللقاء في البيت الابيض هائلة التكاليف.
لقد كانت القمة، في بداياتها سنة 1963 ـ 1964، مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر “رافعة” للوضع العربي… وهي قد اقرت بعد هزيمة 1967، مباشرة وفي قمة الخرطوم اللاءات الثلاث: لا معارضة، لا صلح، لا اعتراف… واستمر الالتزام بهذه اللاءات حتى غياب عبد الناصر، واتخذ في ظلها قرار الحرب (باتفاق مصر وسوريا عليه) في العام 1973.. ثم سقط ذلك كله بعد اندفاع السادات إلى ارتكاب الخطيئة المميتة في زيارة العدو ثم في عقد الصلح المنفرد معه. بعده كرت التنازلات واعتراف الدول العربية بإسرائيل (الاردن، قطر) والتطبيع معها كأمر واقع (الامارات، المغرب..)
طبعاً، كانت “القضية المقدسة”، فلسطين، تدفع ثمن تلك التنازلات من قداستها وعصمتها وخوف الخارجين عليها من ردة الفعل الشعبية،
اما الآن، وبينما الوطن العربي ممزق، وبعض دوله الغنية تقاتل دوله الفقيرة (الحرب على اليمن)، في حين أن دولاً أخرى تواجه حروب الاشقاء عليها (سوريا، مثلاً) فقد سقطت عصمة المقدس وصارت “الخيانة” وجهة نظر تقضي الديمقراطية بأخذها بعين الاعتبار.
على هذا فبين قمة عربية وأخرى يرتكب القادة العرب جرم الخيانة بالتدريج: من التحرير الكامل إلى دولة على كامل التراب الفلسطيني، إلى سلطة لا سلطة لها على بعض البعض من الارض الفلسطينية المحتلة… وها هي القمة الجدية على وشك ارتكاب جريمة إضافية!
اذا كانت هي “القمة العربية” فكيف يكون “القاع”؟!
ينشر بالتزامن مع السفير العربي