…وتمضي المحاكمة الثانية للبنان، بشعبه جميعاً، ودولته بأجهزتها المختلفة، بعنوان محاولة الوصول إلى الحقيقة، وبالتالي إلى المجرمين الذين ارتكبوا تلك الجريمة المنظمة التي اودت بحياة الرئيس الشهيد رفيق الحريري والتي كادت تشعل فتنة دهماء تلامس نارها اللبنانيين جميعاً وعلاقاتهم بأشقائهم العرب، لا سيما الاقرب منهم بالجغرافيا كما بصلات الرحم، فضلاً عن المصالح المشتركة.
لعلها واحدة من اطول المحاكمات عمراً،
ولعلها تتميز ايضا بأنها ـ حتى اللحظة ـ تحاكم اشباحاً: فلا موقوف، ولا مشبوه بين الذين لم يعترفوا بشرعيتها ورفضوا ـ بالتالي المثول أمامها..
ثم انها من اغلى المحاكم كلفة، في التاريخ، وبالعملة الصعبة..
ولا ينفع لقبولها أن تكون بهذه المواصفات، بغض النظر لمجرد اضفاء صفة الدولية عليها، وجعل مقرها خارج لبنان، وفي مستودع عتيق جرى ترميمه بسرعة، وبكلفة عالية لكي تصلح لغرضها الجديد.. فهي لم تكتسب الشرعية في عيون اللبنانيين، وصارت اعداد متابعيها تتناقص جلسة بعد جلسة، وشهراً بعد شهر، وسنة بعد سنة، حتى أن اخبارها باتت “بايتة” خصوصاً وانها لا توحي باقتراب موعد اصدار الحكم المحقق للعدالة.. والنهاية السعيدة!
وحده اللواء جميل السيد أعاد احياء هذه المحكمة، وهي رميم..
وهو قد أعاد احياءها عبر التذكير بانها في غير مكانها، وفي غير زمانها، وأنها قبلت بالتحقيق الأولي الذي اجراه محققون ثبت نقص كفاءة بعضهم ونقص امانة بعضهم الآخر.
واضح أن بعض محامي الدفاع قد أحرج، فاضطر إلى الدفاع عن نفسه وعن قبوله بهذه الوظيفة المذهبة..
أما رئيس المحكمة فقد وجد نفسه في موقف لا يحسد عليه، مرافعة السيد مقنعة إلى حد خلخلة المسار الذي اتخذته المحكمة، ثم انها “اخجلت” “عضوي الشرف” اللبنانيين فيها..
أما في بيروت فقد سرت قناعة راسخة أن هذه المحكمة قد ادت الغرض منها، وان “المرحلة” قد تخطتها، فلا بد من البحث، في السياسة، عن بديل صالح للمواجهة من بين الاحياء، وليس من بين الشهداء والابرار الذين يستذكرهم اللبنانيون كل يوم عبر استذكار رفيق الحريري.