تتطلع الشعوب في معظم ارجاء الارض إلى التغيير والتخلص من قوى الأمر الواقع التي تحكم وفق قاعدة انه ليس بالإمكان أفضل مما كان، او: إرضَ بما انت فيه وعليه فذلك أفضل مما قد يأتيك مما لا تقبله ولا تملك القدرة على تغييره.
يحلم الناس بثورة تنقلهم إلى حيث يريدون او يتمنون او يحلمون .. لكنهم يخافون من عجزهم عن تحقيق احلامهم، فيحتفظون بها لتؤنس لياليهم، لتخفف من بؤس نهاراتهم، ولكي تعود اليهم مع الليل لتمنحهم فرصة الحلم.
وهذا هو واقعنا العربي البائس: نحلم بالتغيير، ونعجز عن انجازه، فنقبع في احلامنا التي تستولد الكوابيس، ونستفيق وقد صرنا اكثر قدرة على تحمل الواقع وتقبل استمراره حتى لا نقع في الاسوأ..
ثم أن العديد من الانقلابات العسكرية التي خادعت الناس باسم “الثورة” سرعان ما قلبت حياة الناس إلى جحيم فتمنوا لوا ان “العهد البائد” قد استطال ليظل الحلم يدغدغهم في النوم فيبعدهم عن واقعهم الكريه..
في اكثر من عاصمة عربية، حدث أن استفاق الناس، ذات يوم، على “البلاغ الرقم واحد”، مبشراً بخلع النظام القائم وفتح الابواب امام الغد الافضل، لكن “الجنرال” سرعان ما اغتال الغد الافضل وحول البلاد إلى سجن كبير تمنع مغادرته على الرعية دليلاً على تسليمها بالقائد الجديد الذي سيصنع الفجر الجديد..
مسخت معاني الكلمات المقدسة كالثورة بوصفها بوابة المستقبل الذي يصنعه اهله بالجهد والسهر والعرق وتحقيق احلامهم في بناء حياتهم بأيديهم لكي يحققوا ما يريدونه لأبنائهم مختلفاً عما عانوه في حياتهم من خوف واحباط والتسليم بالأمر الواقع وكأنه “القدر”.
ها أن العرب، الآن، امام حلمين سنيين: الاول في جزائر المليون شهيد وجماهيرها التي خبرت الكفاح المسلح والاستقلال ثم الخيبة المرة مع “العسكر” الذين استولوا على السلطة، ذات ليل، ثم رفضوا أن يغادروها، فقررت أن تبقى في الشارع حتى يرحل العسكر تاركين الحكم لمن يختاره الناس، جماهير الناس، بإرادتهم الحرة، لكي يبنوا بجهدهم وعرقهم حلمهم فيكون لهم الغد الافضل..
أما الحلم السني الثاني فقد ولد من رحم الارادة الشعبية المقدسة التي تفجرت في بلاد الخير، السودان، فخلعت حكم العسكر، ورفضت الخديعة في أن تقبل “بعقيد” محل “مشير” يرقص بالعصا نفاقاً لشعبه الاسير.. فلما خلع العسكر المشير وجاءوا بجنرال رفض الشعب الجنرال ورابط في الشارع رافضاً أن يغادره حتى يستعيد حقه في أن يكون هو هو صاحب حق الامرة في شؤون بلاده.
الخوف الآن من تآمر سلاطين العرب على السودان، وقد اوفدوا رسلهم بصناديق من الذهب لكي “يشتروا” الثورة بجماهيرها، عبر العسكر، حتى يطمئنوا إلى غدهم في بلادهم التي من نفط وغاز، والتي بنوا فيها شوارع عريضة ولا بشر ولا احلام.
على أن الأمل أعظم قوة من الخوف، والجماهير التي قاست من انكار وجودها وحقوقها في بلادها التي بنت عمرانها بالعرق والدمع والدم، لن تضيع عن طريقها إلى غدها الافضل، ولن تبيع غدها بثلاثين من الفضة..
النصر للجماهير،
النصر للشعوب المقهورة..
النصر لحق الشعب العربي في غدٍ أفضل..