ما أكثر الطغاة وما أقل »الدول« في هذه الدنيا العربية الفسيحة المحكومة بالسيف والنطع!
في كل يوم، وبدلاً من النشرات الرسمية عن زيادة عدد المقاعد في المدارس والجامعات، أو افتتاح المزيد من المستشفيات والمستوصفات، أو خفض تكاليف الحياة اليومية، توجه تلك »الدول« تحية الصباح إلى »شعبها« عبر إبلاغه أسماء من قتلتهم بالأمس!
من الجزائر إلى مصر، إلى السودان إلى السعودية والبحرين، تصدر وزارات الداخلية بلاغات شبه يومية بأعداد من قتلهم الرصاص الحكومي، الذي يدفع ثمنه ضحاياه!
أي أن »الشرعية« تضع نفسها في موقع القاتل، وباعتراف مباشر وصريح، نافية عن ذاتها الصفات المعروفة عن الدول ومنها »الأب الصالح« و»الراعي الصالح« و»ضامنة السلامة العامة وحامية الدستور والمسؤولة عن حفظ كرامة الإنسان وحقوقه«.
وتوجه الشرعية إلى قسم كبير من شعبها، غالبù ما يعد بالملايين، تهمù شنيعة وقاسية ومشينة بينها: الإرهاب والتعصّب والخروج على الدين وعلى العُرف والقانون والأخلاق،
أي أنها ببساطة تتهم »أبناءها« بأنهم سفَّاحون!
بالمقابل فهي تعطي نفسها الحق بإنزال العقاب الصارم (القتل) بمن تأخذه بالشبهة،
فلا اعتقال، بموجب مذكرات إحضار صادرة عن جهة مسؤولة، وبناء على اتهام محدَّد، وبالتالي فلا محاكمة ولا مرافعات تردّ التهم أو تدفعها وتثبت بطلانها (أو تعطي مجرّد الفرصة لإثبات وقوع التباس في الأسماء، مثلاً)، ولا قضاة ونيابة عامة يتحمّلون مسؤولية الحكم ويبرّرونه ولو شكلاً بالقانون، وإن كان استثنائيù،
العسس هم الحكم والحاكم، القاضي والجلاد، المدعي العام ومنفِّذ الأمر رميù بالرصاص!
أما في »دولة« أخرى كالعراق فالقتل الجماعي هو القاعدة، ولا ضرورة للتبرير أو للشرح والتفصيل وإبلاغ الناس بحقيقة ما جرى.
يُحلُّ الحاكم نفسه محل ا”، سبحانه وتعالى، فيُحيي ويُميت، يمنح ويمنع، يرفع ويُذِل، بل ويتفنّن في أشكال القتل والتشويه والتمثيل بالجثث، كما جرى في »الأنبار«، ومن قبل في البصرة والأهوار والشمال الكردي، وأخيرù في ضاحية »أبو غريب«، في ظاهر بغداد.
القانون للضعفاء والجبناء والمتخاذلين وحدهم،
أما الحاكم القوي فهو القانون وهو القضاء وهو أيضù القدر!
في بلاد ا” يهتم الناس بأن يستمعوا إلى نشرات بأسعار الأسهم والسندات، التي تعكس مدى التقدم الصناعي والازدهار الاقتصادي،
أما في بلادنا فلا نشرة إلا لبورصة القتل الحكومي اليومي،
… وبعد ذلك نستغرب أن يُقبل بعض المحكومين بالموت، في أي لحظة ولأي سبب، على الصلح مع العدو الإسرائيلي،
هل أفظع من أن يغدو العدو القومي أرحم في نظر المواطنين من الحاكمين باسم التحرير وتحقيق طموحات الشعب إلى الحرية والديموقراطية والكرامة مع الخبز؟!
* * *
هامش أول:
القاضي الجلاد الضحية!
لقضية الدكتور نصر حامد أبو زيد جانب خطير جدù لم ينل حقه من الاهتمام،
إن القاضي الذي أصدر حكم »التفريق« بين »المرتد« أبو زيد وزوجته، لم يفعل غير تقليد السلطة الشرطي: لقد أخذ المتهم بالشبهة فقتله!
إنه قاضٍ شرطي، تمامù كما هو الحاكم شرطي!
إن السلطة الشرطي تنافق الإسلامي الشرطي فتكاد ترتدي الجبة والعمامة وتحتل المنابر لتعظ الناس وتعلّمهم الصلاة ومبطلات الوضوء، وهو يرد لها التحية بأحسن منها فيقتل مثلها وبتفسيره الخاص لقانونها الضحية المطارد من قِبَل عسسها!
فالسلطة الشرطي قتلت، أول مَن قتلت، القانون والمحكمة والقاضي، وفرضت عمى الدم على الناس جميعù، فلم يعد واحدهم يستطيع التمييز بين ما هو حق وعدل وبين ما هو ظلم وافتراء وتجن على الحقيقة ومن ثم على الناس.
إن القاضي الموتور مصاب هو الآخر بلوثة الدم،
أي أنه جلاد وضحية في الوقت ذاته في حين أن النظام الطاغية، ولو بقصوره، هو جلاد مرتين: إذ قتل في فاروق عبد العليم روح القاضي وحوَّله إلى وحش يتربص بأول ضحية، ثم قتل نصر حامد أبو زيد عندما حرمه من حقوقه كمواطن وكإنسان، وبينها الحق في أن يفكّر وفي أن يجتهد وفي أن يكتب وفي أن يقول ما يعتقد أنه الحق أو أنه بعض الطريق إليه!
لقد فسد الملح…
* * *
هامش ثانٍ:
بيلليترو »اللبناني« والإرهاب!
جاء الموفد الأميركي الخاص إلى بيروت، روبرت بيلليترو، ثم غادرها في أوقات لا تتعارض مع اجتياح الطيران الحربي الإسرائيلي سماء لبنان، أي أنه تحرّك آتيù وراجعù في الفترة بين غارتين.
ولحدة بصره ودقة معلوماته فهو كان يطارد شبح »الإرهاب الفردي« على الأرض، ولكنه لم يلحظ »إرهاب الدولة« الإسرائيلية وقد اكتسح الأرض والسماء وما بينهما!
بعض ردود الفعل على ما قاله بيلليترو في بيروت اعتبرت أنه هو شخصيù قد مارس الإرهاب السياسي (وليس الفكري) على اللبنانيين،
وا” أعلم؟
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان