تأتي الزيارة الرسمية الأولى للرئيس إميل لحود إلى دمشق للقاء الرئيس حافظ الأسد، اليوم، في موعدها تماماً:
لا هي مبكرة جداً بحيث تطغى على جو الحديث فيها التمنيات والمجاملات والإشارات أو الإيماءات السريعة لبعض ما كان، من دون توغل في التقييم والمراجعة النقدية، أو للمتوقع والمنتظر مع ما في ذلك من استباق للمعرفة التفصيلية بالقدرات والإمكانات والعقبات وموانع الإنجاز المرتجى،
ولا هي تجيء وقد بعدت المسيرة عن نقطة البداية واتخذت سياقا ثابتا بحيث تصبح أية مراجعة تراجعا وأية محاولة للتصحيح أو الترشيد انتكاسة للعهد الوليد الذي استقبله اللبنانيون بتوقعات تتجاوز طاقته وانتظروا منه أكثر مما يملك أو يقدر أن يعطي، لأسباب موضوعية، داخلية وعربية ودولية، فضلاً عن بؤس ما في يده وما يحيط به.
وفي ما يتجاوز واجب التهنئة والاستعراض العام للأوضاع المحيطة، فإنها مناسبة ممتازة للرئيس إميل لحود لأن يكون أول ضيف يستقبله »حافظ الأسد الخامس«، ولأن يسمع من هذا القائد العربي الكبير ذي التجربة العريضة والمتميزة بقسوة المواجهات فيها كما بحلاوة الانتصار، وبمرارة الانتكاسات وخيبات الأمل في الأهل الأقربين كما بمجد الصمود المانع للانهيار الشامل.
وليست مبالغة أن يُقال إن الرئيس السوري حافظ الأسد »عالم علاّمة« في شؤون لبنان واللبنانيين الذين تعاقبوا على »مجلسه«، فسمع منهم ما لا يقوله بعضهم في بيروت، وعرف منهم وبينهم الحليف الثابت على إيمانه، والخصم المتحوّل إلى صديق، والشقيق الملتزم، كما عرف المتقرّب طمعاً بحصة في السلطة، والمنافق المتسلق سعياً وراء مغنم، وإجمالاً فقد عرف الجميع تقريباً أو عرف عنهم ما يكفي لتكوين »حيثيات حكم« لهم أو عليهم، ومن منطلق سياسي، قومي بالضرورة.
إن لبنان ضيف مقيم في مجلس حافظ الأسد.
فيه ومعه خاض أقسى المعارك، وحقق انتصارات تاريخية، فحماه واستبقاه في حضن أمته، وطارد حتى طرد منه الكثير من رموز الهيمنة الأجنبية والسياسات الخاطئة التي كانت تنحر اللبنانيين وتؤذي سوريا أذىً مباشراً، وتهدد المصير العربي كلَّه بمخاطر جدية.
اليوم، وبعد مسيرة طويلة جداً تمتد لربع قرن أو يزيد، يمكن القول إن حافظ الأسد، بشخصه أولاً ثم »بسورياه«، يكاد يكون بلا خصم في لبنان.
لقد استقرت له مكانة ثابتة في نفوس اللبنانيين: إنه مرجعهم الأخير، فهو أكبر من أن يكون خصماً، وأقوى من أن يكون شريكاً أو نداً، وأرحب من أن يكون لفئة على حساب فئة، وأقدر من أن يكون طامعاً ناهيك بالمنافس »القديم«.
لهذا يتوجه إليه الجميع: مَن كانوا في مواقع الخصوم، بمن فيهم مَن رفع في وجهه السلاح، كما يتجه إليه الذين حالفوه في الشدائد، ومعهم بطبيعة الحال من ركب الموجة أو نقل البندقية من كتف إلى كتف أو راهن على الورقة الرابحة فضرب معه الحظ وأعطاه فوق ما يتمنى.
ليست زيارة عادية، بنتائج متوقعة أو معروفة سلفاً.
إنها »محطة« بارزة في طريق هذا العهد، ما قبلها »سابق« وما بعدها »مختلف«.
ولن يعود إميل لحود من دمشق بما يذهب به من تقديرات أو من تقييم للقوى والمؤسسات والأشخاص، من يعرف منهم (شخصياً) ومن لا يعرف، ومن يحكم عليه بالقراءة أو بالسمع.
ومع أنه لن يكون اللقاء الأول بين الرئيس السوري الذي يباشر الآن عقده الثالث على قمة القيادة في دمشق، وهي تمتد بوهجها إلى آخر حدود الوطن العربي، بل وتصل بتأثيرها إلى مراكز القرار في العالم كله، وبين الرئيس اللبناني الذي لما يختم شهره الثالث من عهده، إلا أنه سيكون اللقاء الأهم والأخطر لأن ما بعده لا بد من أن يجيء على غير ما كان التصرف في البدايات… التي غالباً ما تكون الأصعب.
.. ومؤكد أن الرئيس لحود يعرف أن كل ما جرى ويجري في بيروت منذ اختياره فانتخابه ثم تسلّمه مهام الرئاسة، قد بلغ دمشق، بالتفاصيل المملة، سواء أكانت تسرها أم تزعجها، خصوصا أن المعارضين هنا مثلهم مثل الموالين قد سبقوه في الجهر بآرائهم في العاصمتين أو في »المركز« الذي تتقاطع فيه وعنده المواقف والآراء لتشكل أرض القرار.
مع أطيب التمنيات بالتوفيق، وبأن تصل تهنئة اللبنانيين إلى الرئيس السوري بولايته الجديدة حارة مضمخة بالتقدير العالي، وأن يرد عليها حافظ الأسد بأحسن منها رعاية ممتدة للبنان في عهده الجديد.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان