حجم البحرين في الذاكرة القومية وفي دائرة الفعل ورد الفعل السياسي، أكبر بكثير من حجمها »الجغرافي« على الخريطة: كأنها مخفر حراسة أمامي للجزيرة والخليج، ونقطة تصادم محتمل أو أرض لقاء مرتجى بين العرب والايرانيين، قبل الثورة وبعدها.
ولقد وقف العرب عموماً مع البحرين في أخطر »معركتين« واجهتهما: الأولى معركة هويتها القومية وتوكيد عروبتها في مواجهة شاه إيران ومطامعه، والثانية معركة استخلاص استقلالها و»تحريرها« من الاستعمار ثم من الهيمنة البريطانية.
على ان العرب قد عجزوا، بالمقابل، عن مساعدة النظام في البحرين على حسم مسألتين كلتاهما تشكل مصدراً للقلق، وربما مصدراً للخطر، وهما ما تزالان عالقتين وقابلتين للتفجير وللاستثمار من قبل أطراف خارجية متعددة وهما: العلاقة بين الأسرة الحاكمة و»شعبها« بكل الحساسيات المذهبية والالتباسات السياسية التي يمكن أن تتدخل فتفسد الامور، ثم العلاقة بين هذه الجزيرة التي لم تنسّب بعد إلى نادي الأغنياء في الخليج وبين أشقائها الألداء في »البر الثاني« إمارة قطر.
وسيجد »العهد الجديد« نفسه أمام هاتين المسألتين المعقدتين والمتفجرتين، وخصوصاً ان لكل منهما امتداداتها وتأثيرها المباشر على الاوضاع الديموغرافية والسياسية والاقتصادية في الخليج عموماً، ثم على صعيد العلاقة بين أقطار الخليج مجتمعة وبين إيران.
ولأن الخليج ما بعد الحربين، »الحرب المشتركة« التي خاضها صدام حسين ضد ايران الثورة الاسلامية، في العام 1980 ثم حربه الخاصة ضد الكويت العام 1990، قد بات بلا بوابات، وبلا أمن ذاتي، وأُخضع لحماية دولية شاملة تتولى مسؤولياتها المباشرة الولايات المتحدة الاميركية، فإن »العهد الجديد« في البحرين سيجد نفسه أسير المواقف الموروثة والتي تشكل قيوداً ثقيلة على حركته… هذا ان كان ينوي التحرك للتخفف من وضعه الداخلي المأزوم، او السعي لحسم الخلاف الذهبي على الاحتياطي الهائل للغاز الطبيعي مع قطر.
ان تظاهرة التعازي التي لم يتخلف عنها احد تؤكد حرص الجميع على »الستاتيكو« القائم عربياً، مع وعي الجميع ان احتمالات التغيير محدودة ان هي لم تكن معدومة.
لقد تكرر في المنامة المشهد الذي ما زال في ذاكرة الناس عن الجنازة العالمية للملك حسين في عمان، مع الفارق في الدور والوزن، بين عرش يشكل في موقعه احد مفاتيح الصراع العربي الاسرائيلي، وبين امارة صغيرة تنضوي في إطار مجلس التعاون الخليج وقد شدها »الجسر« إلى السعودية فأدخلها في »المنظومة الأمنية« التي يرعاها ويضبط ايقاعها »التحالف الدولي« بقيادة الولايات المتحدة الاميركية، بعيداً عن المدار الايراني.
ولم تكن مصادفة ان يكون الحضور الاسرائيلي ثقيلا في جنازة الملك الاردني، معيداً الى الاذهان جنازة اسحق رابين، وأن تمتد المقارنة من المسؤولين الراحلين الى حالة التكامل التي يراد لها ان تثبّت على الارض بين الاردن وإسرائيل، ودائماً تحت الرعاية الاميركية خاصة والغربية بشكل عام.
اما في المنامة فان كثافة الحضور العربي تؤكد ان المعنيين، بداية وانتهاء، هم العرب، وان الاطمئنان الى »الاستمرارية« يحتل المقام الاول، وان المختلفين الى حد التقاطع بل والى حد الاستعداد لمواجهات عسكرية جديدة (كما بين قطر والبحرين) يقرّون بشرعية بعضهم البعض ولا يفكر أي منهم بالانتقاص منها، فالخلاف على الثروة وليس على الأحقية بالولاية.
ويبقى ان المواطنين البحرانيين لم يستطيعوا التعبير الواضح عن مشاعرهم تجاه اميرهم الراحل، لسببين اثنين: الاول ان الجنازة كانت »ملكية« و»رسمية«. والثاني ان مشكلتهم (أي علاقتهم بالسلطة) بقيت بعده تنتظر أن تجد الحل المرجأ، والذي كلف ارجاؤه الكثير.
… وهي مشكلة عربية عامة، وان كان العنوان الآن بحرانياً!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
What's Hot
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان