يدرك الرئيسان حافظ الأسد وجاك شيراك أن العقبة الحقيقية التي عطلت »العملية السلمية« وجعلتها خبرا من الماضي، ليست إسرائيلية فقط، وإنما هي الآن أميركية أساسا،
لقد »قتل« نتنياهو »الراعي« وخرب »قوة الدفع« وأجبر الضامن الاميركي على بلع ضماناته، فتهاوى مؤتمر مدريد، او ما كان تبقى منه، وصار صعبا استكمال مسيرته التي تاهت عن طريقها بعد اوسلو وتفرعاته، في حين انه يكاد يكون من المستحيل عمليا استبداله بما يعوض عنه، او بما يحقق ما قصر فيه او عجز عن إنجازه.
طبعا، يمكن لبنيامين نتنياهو أن يدعي أنه لم يفعل غير إكمال ما كان بدأه »سلفه الصالح« شيمون بيريز بعملية »عناقيد الغضب« وعنوانها »مجزرة قانا«، التي فتحت الطريق أمام أقصى التطرف الاسرائيلي ليستولي على السلطة فارضا من فوق قمتها منطقه على العالم كله، خصوصا وان واشنطن كانت الخاسر الأكبر في »معركة« بيريز الانتخابية الفاشلة.
ويمكن للإدارة الاميركية ان تداري عجزها وخيبتها وارتباكها المخجل امام هذا المتطرف الذي يهددها بإحراق واشنطن، بذرائع كثيرة بينها »الديموقراطية الاسرائيلية« التي اوصلت التطرف الى الحكم في تل أبيب، وبانتخاب مباشر هذه المرة، وبينها الصفقة الفلسطينية البائسة في اوسلو، وصولا الى مجمل الوضع العربي المتهافت الى حد انه مصر على استجداء »السلام« ممن جاء بشعار الحرب بدلا من »الشراكة« البيريزية، وانه يطلب باتفاقات الاذعان ما لم يفكر أبدا بأخذه بقوة السلاح، او بقوة الانتفاضة الشعبية او بقوة التضامن بين المتضررين.
ولعل أخطر نقاط الضعف في الموقف القوي والمتماسك للرئيس السوري حافظ الاسد ان العديد من القادة العرب لا يقفون خلفه، ولا يقولون قوله، بل ان بعضهم من يعمل لاضعافه، ويجهر بمواقف مسيئة الى قضايا العرب وحقوقهم »الوطنية« في ارضهم، ويتبرع »بالتوسط« بين الذئب الاسرائيلي و»الحمل« الفلسطيني، ويحمّل الصمود الذي تمارسه سوريا مسؤولية »انهيار العملية السلمية«، قافزا من فوق التخلي الاميركي، ولولا بقية من حياء لاظهر هؤلاء إعجابهم بصلابة نتنياهو.
يكفي هذا العجز العربي، الفاضح عن عقد قمة مصغرة او موسعة او من اي نوع!
كذلك فإن أخطر نقاط الضعف في الموقف الفرنسي انه لا يملك القدرة على الدخول في مواجهة مباشرة مع الادارة الاميركية، خصوصا وان الاوروبيين غير موحدين حول هذه النقطة، والكثير منهم ينتقد واشنطن همسا ثم يتوجهون إليها برجاء إشراكهم بدور ما، فترفض مداورة او صراحة، متسببة في كشفهم أمام »الجبار الاسرائيلي« الذي لا يتردد في تهديدهم علنا بتوقيع العقاب عليهم، بل ويجعل من بعض أقطارهم مسرحا لعملياته الارهابية، سواء اتخذت طابع »قتل الاعداء« من العرب والمسلمين، او طابع المطالبة بالذهب المفقود والثروات اليهودية الاسطورية المصادرة بحجة انعدام المطالب!
ربما لهذا تبدو فكرة »المؤتمر الدولي من أجل السلام« التي سبق أن طرحتها فرنسا ومصر غير عملية وغير مجدية.
فمن المؤكد ان أي بديل من مؤتمر مدريد لن يحمل الى العرب غير الضرر، اذ يخسرون ما كانوا قد باشروا فيه من دون اي ضمان بأن المؤتمر الجديد سيحقق ما قصر عنه الاصل.
وبرغم التوضيحات الفرنسية المتوالية بأن فكرة المؤتمر الجديد ليست بديلا عن مدريد، فإن العقبات الفعلية التي عطلت الاول ستكون اكثر قدرة على تعطيل الثاني، خصوصا بعد »تحرير« نتنياهو من الالتزام الادبي بما كانت الحكومة السابقة لاسرائيل قد سلمت به، وباسم اسرائيل طبعا وليس باسم رابين او بيريز.
وقبل ان نناقش الموقف العربي فما الفائدة من مؤتمر لا تتحمس له واشنطن، هذا إذا سلمت بانعقاده، وترفضه إسرائيل نتنياهو قطعا (اللهم إلا إذا اعتمدت المناورة في قبوله لكي يخسر العرب مرتين).
وصحيح تماما قول الرئيس الأسد، أمس، في خطابه الرسمي أمام قيادة فرنسا: »اننا نعتقد بأنه بالرغم من المتغيرات التي نشهدها ويشهدها المجتمع الدولي فإن المبادئ تبقى ثابتة، والقيم العامة التي تؤمن بها البشرية تبقى أصيلة غير قابلة للتبديل، فحق الشعوب في تقرير مصيرها واختيار انظمتها والحفاظ على استقلالها وسيادتها والمساواة في ما بينها، وحقها في استثمار ثرواتها الوطنية لخيرها وخير البشرية جمعاء، واشاعة مظاهر الحرية والعدالة والمساواة، وانهاء استخدام القوة او التهديد بها، هي مبادئ يجب ان يدافع عنها بكل قوة«..
والصحيح تماما ان نتنياهو يقاتل الآن، معززا »بالفراغ« الاميركي ان لم نقل بالتأييد الاميركي الصريح او الضمني، ضد هذا كله.
الحل في فتح الطريق المسدود بسبب سياسة التعنت التي تتبعها اسرائيل،
ومفيد جدا ان تنال فرنسا تشجيعا عربيا مؤثرا لكي تتحرك في اوروبا ومعها اولا، ثم مع الولايات المتحدة ان هي استطاعت، من اجل محاولة فتح هذا الطريق المسدود…
إن الولايات المتحدة تطارد وتطرد النفوذ الاوروبي والمصالح الاوروبية والدور السياسي لاوروبا من كل المنطقة العربية،
ومفيد جدا ان تعود اوروبا، وفرنسا في الطليعة، من الباب السوري، وهو للمناسبة الباب الشرعي الوحيد، لان »حارسه« قادر على مواجهة الضغط الاميركي، وقادر بالتالي على فتح ابواب عربية اوسع لاوروبا في الحاضر والمستقبل.
إنها مواجهة ضرورية مع الولايات المتحدة، أولا، وفي السياسة كما في المصالح،
ويمكن لأوروبا ان ترد على نتنياهو، من دون خوف من أن يحرقها هي أيضا، بالمشي خلف مصالحها، (ولها ان تبتلع عواطفها فلا تظهرها تماما حتى لا تكون العقوبة الاسرائيلية أشد).
لقد فتح الرئيس الاسد الباب أمام اوروبا على مصراعيه، فلعلها تتقدم خطوة، الى ما هو أبعد من الانشاء والمواقف الملتبسة. ودور فرنسا شيراك، أساسي في هذا المجال.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان