ليس كالملوك عشقاً للديموقراطية…
وهم يفضلون من “أصنافها” الصنف الأميركي الممتاز والمعد للتصدير الخارجي، وبالتحديد لبلاد غير التي يحكمونها هم!
ولأن الملوك ديموقراطيون حتى النخاع الشوكي فهم يخضعون لإرادة الأكثرية، وبين الأردن، مثلاً، أو السعودية، وبين الولايات المتحدة الأميركية لا مجال كما أنه لا يجوز أن تتحكم أقلية (ولو ملكية) بأكثرية ولو جمهورية.
وهكذا يكمل النظام السعودي اعتقال معارضيه بالجملة، مكتفياً من الديموقراطية الأميركية بغض النظر، ومستعداً لرد التحية بمليارات من الدولارات يدفعها طوعاً (وديموقراطياً) لإنعاش الاقتصاد الأميركي في حال الركود الخطر على الديموقراطية ومستقبلها.
أما النظام الأردني فيندفع أبعد بكثير مقدماً نموذجاً فذاً في الوفاء أين منه أسطورة السموأل الذائعة الصيت،
مقابل شطب بعض الديون (الهالكة أصلاً) وفتح بعض الأبواب الذهبية التي كانت موصدة في وجهه (وأبرزها باب مملكة الذهب الأسود والصمت الأبيض)، ها هو النظام الأردني يتطوع لنصرة الديموقراطية الأميركية في جزيرة هايتي، فيوفد بعض رجال شرطته ليموتوا هناك تكريساً للإيمان الملكي العميق بالديموقراطية.
ولأن العصر عصر سلام إسرائيلي وديموقراطية أميركية وهوية شرق أوسطية، فإن النظام الأردني لم يتردد في أن يكون رجاله جنباً إلى جنب مع الأصدقاء من العسكر الإسرائيلي، في أداء المهمة الإنسانية النبيلة التي كلفتهم بها قيادة الغزو الأميركي لهايتي وهي: تنظيم آثار الهجوم الديموقراطي المسلح على الجزيرة الصغيرة ودفن شعبها بالمراسم اللائقة.
لا بد منن ضحايا للديموقراطية،
ولا بد من مرحلة انتقالية يخلع خلالها رجال الغزوة الأميركية لباس الموت ليطلوا مجدداً بوجه المنقذ ومعهم الهدايا للأحياء والأكاليب للشهداء،
وكل ما على رجال الشرطة الأردنيين هو أن يحققوا الإرادة الملكية الهاشمية التي أبت أن يغيب “العرب” عن ساحة الشرف والفداء ولو في أقصى الأرض، فأوفدتهم ليهرقوا دماءهم من أجل الديموقراطية في هايتي.
الديموقراطية واحدة، تكون في كل مكان أو يتهددها الخطر في كل مكان، وإذا لم تنقذ في هايتي فإن خطر التصدع سيجيئها في عمان، افلا يشارك “العرب” في هذا العرس الدموي لديموقراطية حاملات الطائرات وحوامات الكوبرا وصواريخ كروز المبيدة للجنس البشري؟!
إنها النخوة الملكية، أتكون الديموقراطية حكراً على الرؤساء المنتخبين؟!
وصحيح أن الدم الملكي أزرق، لكن العقل الملكي “أحمر”, وديموقراطي طبيعي ولذلك فهو لا يتلون إلا بما يوافق الدفاع عن مصالح العرش،
والعرش أغلى من الشرطة، فماذا يضير أن يستشهد بعض “الأنفار” ليمنحوا العرض مجد الديموقراطية وطول العمر؟! أليس أن الموت يأتيكم ولو كنتم في بروج مشيدة؟! أليس أن المؤمن يؤمن بأن “ولا تدري نفس في أي أرض تموت”؟!
ثم أن العرش قد أنجز رسالته: فاستعاد القدس الشريف، وانتقم للجد الشهيد بتحقيق حلمه السني، ورسم الحدود فلم تعد الأرض شائعة وصائعة ملكيتها بينه وبين الصديق القديم، الإسرائيلي،
وهكذا بات بإمكان الشرطة الأردنية (والجيش الأردني إذا لزم الأمر) أن تنصرف إلى تحقيق المهمات النبيلة الكونية بعيداً جداً عن حدود المملكة (التي لم تعد مهددة)، كمثل تنظيف وجه الديموقراطية الأميركية من دماء شعب هايتي المسكين،
إن الديموقراطية أبقى من الشعوب،
ولا بأس أن أبيد نصف الشعب من أجل الديموقراطية،
فهل أشرف من أن تسند إلى عربي – أردني في خدمة الهاشميين أن يتولى مهمة “حفار القبور” لأعداء الديموقراطية من أبناء الشعب الهايتي الذي عجز عن حماية ديموقراطية بنفسه فاستنجد بالقيمين على الديموقراطية في العالم الحر فنجدوه بأسطولهم واستنفروا له حماة الديموقراطية الميامين فأتوه من كل فج عميق؟!
للمناسبة، ألا يلح على الذات الملكية سؤال ساذج من نوع:
ما الفرق بين عسكر الغزو الأميركي وعسكر هايتي الذي خلع الرئيس المنتخب ديموقراطياً في الجزيرة ذات المليون مواطن والألف وخمسمائة جندي؟!
إن الاتهام لعسكريين هايتي إنهم أسقطوا بقوة السلاح، أي بقوة مئة جندي ربما، الحكم الشرعي…
أليس بقوة حاملتي الطائرات “أميركا” و”آيزنهاور”، وآلاف المارينز، والطائرات لاأسرع من الصوت، وحوامات الموت، والصواريخ الهائلة الطاقة التدميرية، سيخلع عسكر الأميركان هذا النظام القائم في هايتي؟!
إذن الأكثر سلاحاً والأغزر ناراً هو الأعظم ديموقراطية!
الموت في هايتي: ذلك شعار الديموقراطية الملكية!
من منكم يقرأ الفاتحة على أرواح أولئك الشرطيين المدنفين بعشق الديموقراطية الملكية، والذين يعبرون المحيطات، وأولها “بحر الظلمات” لكي يرفعوا راية العار العربي على سواحل الكاريبي، عند أقدام تمثال الحرية!
المحتلة أرضهم يذهبون للمساعدة في احتلال بلاد الآخرين؟!
هل أعظم شرفاً من مثل هذه المهمة الملكية!
حي على العشق الملكي للديموقراطية الأميركية!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
What's Hot
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان