يبدو أن العمل السياسي، في لبنان، قد أدرج هو أيضاً على “قائمة الإرهاب” التي يستخدمها الأميركيون وسيلة لابتزاز كل من عارضهم في الماضي أو يحاول مناقشتهم الآن أو يتحفظ على أن يصطنعوا وحدهم نظاماً جديداً لعالم الغد.
الطريف أن المؤسسة السياسية الرقم واحد، نظرياً، أي الحكومة هي التي تكافح “إرهاب” العمل السياسي والتشكي من بشائر عودة الروح إلى اللعبة الديموقراطية كإطار للصراع المشروع من داخل النظام لتطويره وجعله أكثر “إنسانية” وأكثر قابلية للحياة.
… وهي تستخدم الوضع الاقتصادي بدقته وخطورته من ضمن أسلحة الغرهاب، لا تثيروا جدلاً ينقسم من حوله الناس فتتأثر قيمة النقد الوطني!! لا تتحدثوا عن خلافات الرؤساء، فهذا يطلق عنان الدولار فيسحق الليرة سحقاً!! إياكم والتكتل وبلورة تيارات سياسية واضحة تعبر عن قوى سياسية موجودة أصلاً ولها برامجها، فذلك يربك خطة النهوض الاقتصادي!! إياكم ثم إياكم من إطلاق العنان لهؤلاء النواب المستجدين وتمكينهم من وضع اليد على الحكم (بل الحكومة) وفرض رقابتهم الصارمة على مشاريع القوانين التي تعدها (بل يعدها بعضها، وغالباً في الخفاء) وعرقلة تمريرها!! لماذا المناقشة والتدقيق والتساؤلات؟! هل تجوز مناقشة الآتي باسم الإنقاذ؟!
ثم، أليس معيباً أن تناقشوا، خطة إعادة إعمار بيروت؟! أهذا جزاء من تقدم وحده من دون الخلق وتبرع بأن يبعث من الموت عاصمتكم؟! ماذا يهم أن ارتفع عامل الاستثمار أو انخفض؟! ماذا يعنيكم إن تم تخمين المتر بالف دولار أو ألفين… وهل للخراب قيمة حتى تجوز مثل هذه التقولات؟! وماذا لو ربحت الشركة العقارية مليارين أو ثلاثة مليارات، “صحتين على قلبها” ولنحمد الله إن وجد من سيغامر باسمه وبرصيده المعنوي من أجل اللبنانيين؟!
من يجرؤ على الكلام؟!
السائل منهم في ذمته، والمناقش متهم في ولائه للوطن وبناته وحماته، والمدقق في الأرقام مشكك في ذمة من لا يرقى الشك إلى ذمته!
والكلام ممنوع حتى على الرؤساء!
فأما الوزراء فقد اختيروا بدقة وبعد التثبت من أنهم استغنوا عن ترف الرأي والموقف والإصرار على المشاركة في القرار. لتكن الكلمة “موحدة” فإن قال: نعم، أعادوها من بعده مهللين، وإن قال: لا، رددوها من بعده بكل أمانة، مؤكدين بذلك “التضامن الوزاري”،
يبقى النواب وهم أهل شغب، ويفترضون أنهم قد انتخبوا – وبمعزل عن معدلات الأصوات التي نالوها – لكي يناقشوا ويدققوا ويعلنوا آراءهم في مختلف الشؤون، فلا يصدر قانون إلا بعد تمحيص ومحاولة فهم أبعاده وأغراض مصدريه.
حتى والمعارضون من بينهم قلة، فإن “الحكومة” التي جاءت بثقة شبه إجماعية وباعتبارها “استثنائية” في قوتها وصدقيتها ووهجها، ترتعش غضباً وحنقاً وتتهم النواب بأنهم “مخربون” و”متآمرون” على الأحلام الذهبية.
ولقد سبق أن استخدم الوضع الاقتصادي، بكل حراجته، أداة لتفجير بعض الحكومات من الداخل،
ولكأنما يراد استخدامه اليوم معكوساً، وكسلاح بيد الحكومة “المذهبة” ضد “خصومها” من السياسيين والنواب والأحزاب وأصحاب الرأي والاجتهاد.
هل هذا ضيق صدر أم عتو أم مجرد غباء، أم هي نتائج الغربة عن البلاد والابتعاد عن طبيعة أهلها وتقاليدهم؟!
هل يعقل أن يطالب من دفع الروح والدم والمال لكي يثبت وجوده ويُعترف له بحق الرأي في الشأن العام والمشاركة في صنع القرار، بأن يلزم بيته ويجلس هادئاً مطمئناً، تاركاً لفريق أو مجموعة من الهواة أن يقرروا نيابة عنه بعد إجباره على التسليم بأنهم “أخبر” منه بنفسه و”أعلم” منه بأحواله و”أدرى” منه بشؤون السياسة وشجون الاقتصاد وأمور الثقافة وصولاً إلى تقرير مكان سكنه وعلاقته بأسرته؟!
وهل تتوهم هذه الحكومة أن الثقة التي نالتها لحظة إعلانها هي استقالة للناس من الشأن العام؟! أم تتوهم أنك صك تنازل عن حق الاعتراض أو المساءلة أو المحاسبة؟! وهل تعتبرها أبدية لا تحول ولا تزول؟! هل هي وكالة غير قابلة للعزل؟!
أليس بديهياً أن تكون المحاسبة بقدر الثقة؟! وأن يكون الاعتراض تصويباً للخاطئ من أعمال الحكومة؟1 وأن تسعى الحكومة ذاتها، وبما كانت تملكه من رصيد معنوي إلى إطلاق أوسع نقاش وأغنى حوار حول المسائل التي تتصدى لها والتي تكاد تختزل مشروع تجديد الجمهورية بضخ دم نقي في شرايين النظام المتهالك والتي أوصلت “فئويته” و”هيمنة” الرئيس المتفرد / وصاحب الصلاحيات المطلقة فيه إلى الحرب الأهلية؟!
إن الصمت هو مصدر الخطر. إن الصمت تواطؤ مع الخطأ.
أما الجهر بالرأي فهو شرط الانتماء إلى النظام الديموقراطي،
ومن رفض الرئيس الدكتاتور سيرفض أيضاً الحكومة الدكتاتورية، خصوصاً وإن السابقة قد أكدت – بالدم – إن التفرد لا يؤدي إلا إلى الخطيئة وإلى تدمير البلاد،
وإرهابي هو من يمنع ما هو طبيعي وبديهي وأصيل، وليس من يعلن رايه جهاراً ليناقشه فيه الناس فيقبلوه أو يرفضوه من دون أن يعتبر أن سقوط رأيه أو موقفه أو “قراره” هو “مؤامرة” ويستعد لقلبها إلى كارثة على البلاد والعباد.
عاش الإرهاب، والمدرجون على قائمة الإرهاب الحكومية!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان