في تاريخ المستقبل، سيقرأ اللبنانيون صفحات وصفحات عما قدمته فلسطين لبلادهم الصغيرة الجميلة هذه.
ولسوف يكون واضحاً أمام عيون الجميع إن فلسطين، القضية والشعب المشرد وخاصة المقاومة المسلحة الفلسطينية، قد لعبت الدور الحاسم في تحويل لبنان من كيان محمي بأوهام الضمانات الأجنبية، ومن شقة مفروشة برسم الايجار لكل قادر على الدفع، إلى وطن حقيقي. وطن من لحم ودم ومصالح ومطامح. وطن له هويته وله انتماؤه الذي يمنحه الأصالة وشرط الوجود.
فلبنان العربي، لبنان العدو لإسرائيل والصهيونية، العدو للإمبريالية والاستعمار، المناضل من أجل غد أفضل لأبنائه، كل أبنانئه، وليس لقلة محتكرة منهم، أو لفئة مستغلة، أو لطائفة ممتازة، هو المطلوب عربياً، وهو الذي يضمنه العرب ويدعمونه ويساندونه ويحمونه بحبيبات العيون.
لبنان الكيان هو نتيجة تسوية دولية كان العرب (ومنهم اللبنانيون) الطرف الأضعف فيها. بل إنهم كانوا غائبين تماماً عنها.
أما لبنان الوطن فهو مطلب “كل” اللبنانيون وعلى رأسهم أولئك الذين تعود الانعزاليون اتهامهم في “لبنانيتهم”. ذلك إن هؤلاء يفتقدون في “الكيان” وطنهم المنشود: الوطن المقاتل، المساوي بين بنيه، المنتمي إلى أمته العربية العريقة والمجيدة والعظيمة.. ولو هزمت. فالانتماء ليس للنصر أو للهزيمة، إنما هو شرط للمشاركة في شرف النصر. ولقد كانت مصر عبد الناصر المهزومة عام 1967 أشرف بما لا يقاس من العرب “غير المهزومين” الذين لم يشاركوا في الحرب، وبينهم ومنهم لبنان الكيان.
لبنان الوطن هو لبنان الواحد ، وليس “اللبنانات المتعايشة” فوق قاعدة من الرضى الطائفي المتبادل.
فحين تحضر الطائفية يغيب الوطن والوطنيون. وبهذا المعنى تحجب صفة الوطنية عن الكتائب، وإن ظل الجميع على اعترافهم بلبنانيتها وبحبها العنيف للبنان، وهو حب يكاد يزهق أنفاسه!
ما هو في الكيان طوائف متعددة هو في الوطن شعب واحد بمصالح أساسية واحدة تمس جماهيره العريضة وتحركها فتنهض لبناء مستقبلها – مستقبله الأفضل.
وما هو في الكيان بقاء مشروط بالتراضي، وإلا فالقبرصة، هو في الوطن بقاء بالإرادة الواحدة الموحدة.
وفي الفجوة بين الكيان والوطن تقبع إسرائيل، بوصفها المخفر الأمامي لعموم المصالح الاستعمارية، ومن هذه الفجوة تطل علينا بشبكات تخريبها وبمخططاتها وبمحاولاتها الدؤوبة لإثارة الفتنة وإغراق لبنان بدماء بنيه وأهله الأقربين.
وأعظم ما تقدمه فلسطين، الآن، للبنانن إنها تقربه أكثر فأكثر من صورة الوطن ومثاله. ومن هنا هذا التلاقي العريض والترابط العضوي المتعمق يومياً بينها وبين حركته الوطنية. فاللقاء يتم على أرض الطموح المشترك إلى وطن هو حصن لأخوانه بمقدار ما هو مصدر فخار لأبنائه.
إن تجاوز صيغة لبنان الكيان إلى لبنان الوطن مهمة نضالية كبرى،
وهذا التجاوز استجابة منطقية لروح العصر،
وإنجاز هذه المهمة لبنانياً هو انتصار فلسطيني عظيم: إذ إن بناء لبنان الوطن يشطب سلفاً الكيانية من فلسطين المستقبل، ليعطينا ذلك الحلم العظيم الذي تسميه المقاومة “الدولة الديمقراطية” في فلسطين.
إن قيام وطن في لبنان يبدو شرطاً لقيام الوطن الفلسطيني العتيد، السليم والمعافى من أمراض التعايش الطائفي في كيان مهلهل يعيش على المسكنات المحلية وأوهام الضمانات الأجنبية.
ولذا فالمعركة لبنانية – فلسطينية مشتركة، بل هي معركة واحدة ومن لا يشارك فيها لا يمكن أن يكون صادقاً في ادعائه الحب والولاء والإخلاص للبنان.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان