ليس لرصاص العمى السياسي هوية ولا دين،
ولا فرق بين رصاص المهووس بالسلطة المزورة لإرادة الشعب أو رصاص الأعمى بعداء الدولة نكاية بالحاكم، وبين رصاص العدو القومي الذي لا يمكنه أن يحكم سيطرته ويضمن استمرار استعباده لأصحاب الأرض إلا بالتقل اليومي.
لا درجات في جريمة القهر السياسي، ولا مفاضلة في العسف بحسب مصدره ومنفذه وهل هو “وطني” أم “أجنبي داخيل”.
ومصر المضرجة بدمائها، دولة وشعباً، نيلاً وصحراء، صعيداً وساحلاً وعاصمة لطالما كانت حصيلة جمع القلب والعقل العربي، لا تختلف صورتها العامة في هذه اللحظة عن فلسطين التي يطارد رصاص العدو الإسرائيلي أحلامها وحقوقها الطبيعية في صدور فتيتها الغر.
ومؤسفة هي المقارنة بين جرائم العدو القومي في فلسطين وبين الارتكابات التي يتورط فيها، أكثر فأكثر، طرفا “الصراع” في مصر المحروسة، لكن الحقيقة أكثر إيلاماً من الجراح التي ينفتح المزيد منها كل صباح في جسد كنانة الله في أرضه.
المفارقة الأفظع أن العدو الإسرائيلي يطارد الفلسطيني بالرصساص لكي يسوقه صاغراً إلى طاولة المفاوضات، كي يفرض عليه حلاً هو في منزلة الاستسلام. أي أنه يحاول أن يقزمه ويضعفه إلى الحد الأقصى تمهيداً للتفاوض، لإنقاص حجم “التنازل” التي سيقدمه إليه لكي ينهي “تمرده” فيستوعبه.
أما في مصر فالرصاص يلعلع وتتسع دائرة المواجهة الدموية وتستثار الأحقاد والغرائز وروح الثأر بحيث تستحيل المفاوضة وينتهي كلا الطرفين إلى الأخذ بسياسة: “يا قاتل يا مقتول”،
أمفاوضة ومعاهدة وصلح منفرد مع العدو القومي، محتل الأرض والإرادة، قاهر الأمة ومصادر قرارها، ورفض “للتفاوض” مع فئات من الشعب قد تكون “ضالة” وقد تكون “مضللة” وقد تكون مخطئة أو قاصرة بالتعصب أو بالجهل أو باليأس والإحباط والخيبة؟!
وبالمقابل كيف تستوي إدانة الحكم بالتبعية واعتمد سياسة التجويع والإفقار وامتهان كرامة الشعب، مع تبني المعترضين سياسة الاغتيال والقتل العمد وضرب الدورة الاقتصادية وترويع الأهالي وتعطيل دورة الإنتاج، مما يؤدي – حتماً على مزيد من الإفقار والتجويع وامتهان كرامة الشعب الذي سيرتهن أكثر فأكثر للقمته المغمسة بالهوان والدم؟!
لكأن الطرفين يتعاونان – من موقع النقيضين المتكاملين – على تحقيق الأهداف ذاتها،
فمصر الجريح، المحطم اقتصادها، والمشتبكة دولتها مع شعبها في حرب مفتوحة، ستكون أكثر ضعفاً وبالتالي أكثر قابلية للخنوع والتسليم بالهيمنة الأجنبية سواء إسرائيلية كانت أم أميركية أم مشتركة.
ومثل هذه المصر ستكون عبئاً إضافياً على كاهل العرب في كل أرضهم، بدل أن تكون – كما يفترض أن تكون – عوناً لهم وسنداً.
ولن ينفع في تبرئة النظام المصري أن يدان “المتطرفون” وأن يلاموا على أعمالهم الرعناء، فسيظل هو المطالب بأن يوفر الحل السياسي لهذه الحالة السياسية أصلاً والتي لا ينفع في علاجها الحل الأمني حتى لو حول النظام نصف المصريين إلى شرطة ومباحث وأمن مركزي الخ.
ثم إن “الخارج”، وبالتحديد المهيمن الأميركي والعدو الإسرائيلي. لا يمكن أن يكون مصدر الحل، بل سيظل دائماً في موقع المحرض (للطرفين) لأنه وحده القادر على توظيف الحرب الأهلية لأغراضه السياسية في مصر كما في فلسطين كما في سائر الأقطار العربية.
وهذه تجربة لبنان، وهي أيضاً مكتوبة بالدم القاني توفر الدليل الذي لا يدحض على دور “الخارج” في إشعال نار الحرب وإدامتها وتوظيفها ضد “أطرافها” جميعاً اللبنانيين منهم كما سائر العرب على اختلاف مشاربهم ومصالحهم وأغراضهم الصغيرة.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان