على هامش أعمال مجلس الوزراء الإسرائيلي، أمس – الأحد، استقبل رئيس حكومة العدو حوالي عشرين من المجندات والمجندين من بين المستقدمين حديثاً من أنحاء شتى إلى الكيان الصهيوني.
كان بين هذا الرهط من المقاتلين الجُدد بعض اليهود المستقدمين من أقطار عربية، برزت من بينهم فتاة يهودية جاءت قبل سنتين فقط من “المملكة المغربية الشريفة”، وأنهت تدريبها على وجه السرعة، ثم حملت السلاح لتقاتل “أعداء إسرائيل”… وقد أسعدها أن يلتقيها ورفاقها رئيس الحكومة إسحق رابين ، في سياق التحضيرات للاحتفال برأس السنة العبرية، وأتاحت لها الإذاعة الإسرائيلية أن تعبّر عن فيض مشاعرها في هذه المناسبة!
أخطر ما في حديث المجندة المغربية في جيش الدفاع الإسرائيلي أنها لا تستشعر حالة غربة أو انفصام أو تناقض بين كونها مواطنة مغربية أصلاً وبين كونها الآن مجندة إسرائيلية.
سقطت الحكوم تماماً وغابت المسافات، النفسية منها والجغرافية والسياسية، فباتت كأنها في نزهة أو سياحة داخلية في أرجاء منطقة واحدة لا صراع فيها ولا عداوات تاريخية، لا علاقة للأرض بناسها فكل من أخذها فاستوطنها (ولو بالقوة) باتت ملكه، وبات من حقه أن يمحو تاريخ من سبقه وحق صاحب الحق فيها.
لقد عبرت هذه الفتاة “الجسر الملكي” المذهب بين الرباط وتل أبيب. ولعلها تفترض وهي توجه رصاصها غداً إلىأبناء القدس (العربية!!) أو نابلس أو رام الله أو المصلين في الحرم الإبراهيمي بالخيل، أنها إنما تحمي نظام مليكها – أمير المؤمنين في المغرب بقدرما تحمي الكيان الصهيوني على أرض فلسطين التي صيّرت “أرض إسرائيل”،
كذلك لعل هذه الفتاة “الأندلسية” وهي توجه رصاصها، غداً، إلى صدور مقاومين لبنانيين في بنت جبيل ومرجعيون أو أعالي إقليم التفاح، أو في بعض أنحاء البقاع الغربي، ستفترض أنها إنما تنفذ مهمة مقدسة كلفها بها مليكها لحماية “إخوانها في لبنان”، أو ربما في سوريا، من الإرهاب الدولي ممثلاً بالتطرف الإسلامي الذي هو بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
لا يتصل الأمر بهذه الفتاة المغربية الساذجة والجاهلة بالتاريخ الذي زوّرته أو تجنبته فلم تنص عليه ولم تلحظه التوراة،
يتصل الأمر بحقيقة موجعة تتجاوز هذه الصبية المستقدمة من بلد عربي لتقاتل ضد سائر العرب، وهي أن معظم الأنظمة العربية تعمل الآن كمرتزقة عند الإسرائيلي.
ومن حق المواطن اللبناني، قبل السوري، أن يتألم وهو يرى أن عليه أن يواجه عدداً كبيراً من الحكام العرب، قبل أن ينجح في قتال إسرائيل من أجل تحرير أرضه المحتلة في جنوبه والبقاع الغربي،
لكأن عليه أن يقاتل الآن الفلسطيني والأردني والمغربي والتونسي والموريتاني ومعظم الخليجيين، وليس إلا بعد أن ينجح في حماية نفسه من رصاصهم حتى يستطيع التصدي للاحتلال الإسرائيلي، من أجل حفظ حقه في أرضه وفي البقاء حياً فوقها.
لقد اجتمع عليه “العرب”، أهله، وكأنه هو الخارج عليهم وليسوا هم الخارجين على تاريخهم والمفرّطين بدينهم وأرضهم وحقهم في مستقبل، أي مستقبل.
ضاعت المعايير حتى باتت “المغربية” تقف إلى جانب “الفلسطيني” في حرس الحدود الإسرائيلي، بينما يستثار الحقد اللبناني المقدس (!!) على الفلسطيني بذريعة أنه سيستوطن في لبنان، ويكاد مطلقو حملة الحقد الجديدة ينكرون على المقاتلين ضد الاحتلال الإسرائيلي حقهم في المقاومة، وإن كانوا لا يمانعون في الإفادة من الدم المسفوح على أرض الجنوب لكي يصيروا زعماء ووزراء ونواباً وأقطاباً يديرون السياسات الكونية العليا!
وكما على الحدود كذلك في المفاوضات، حتى بات الشعار: اللهم احمي من إخواني، أما أعدائي فأنا كفيل بهم!!
الخطأ الجديد…
كشف تعديل منتصف الليل الذي أجرى على الحكومة كم هو الحكم في لبنان “مرتاح” وخلي البال من الهموم التي تقلق اللبنانيين جميعاً وتفرض عليهم السهاد وتحرمهم هناءة العيش!
إنه حكم محكوم بالقصور والغرض وعقدة النقص والغربة عن الناس.
والتعديل، بذاته، إساءة إلى ميشال المر أكثر مما هو إساءة إلى بشارة مرهج، فلا مآخذ الناس على الحكومة تتصل بالداخلية أو وزيرها، وليس ميشال المر بقادر أن يعيد على الحكمة وهجاً فقدته عندما انكشف كم كانت مخادعة وغير صادقة وغير مسؤولة في وعودها وتعهداتها التي قطعتها للناس عند تشكيلها ثم كلما تعرضت لمحاسبة ولو محدودة.
لقد قدّم مرهج فدية عن الخطأ، لكن الأخطاء باقية وقد أضيف إليها الآن خطأ جديد قد يكون الأخطر لأنه يتصل بالأخلاق.
ليست حكومة عاجزة فقط. إنها حكومة بلا أخلاق أيضاً.
ربما لهذا لم “ينجح” فيها إلا ذلك النفر من الوزراء الذي يتصرف داخل مجلس الوزراء متحرراً تماماً من أي تحرج أخلاقي!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان