من خلال السياسة الرسمية للدولة اللبنانية يخرج المراقب باستنتاج محدد هو أن الأكثرية الساحقة الماحقة من المواطنين اللبنانيين هم من “الطفار” الخارجين على القانون!
فأبناء الشمال عموماً، من طرابلس إلى زغرتا (إهدن) وبشري انتهاء بعكار، سهلها والجرد، مطلوبون للعدالة تجرد عليهم الحملات التأديبية بين حين وآخر، أو يهددون بفرض حالة الطوارئ في منطقتهم حتى يتسنى تأديبهم في ظل الصمت المكرس بالأحكام العرفية…
وأبناء بعلبك – الهرمل كلهم من العصاة ومنطقتهم معلنة منطقة عسكرية منذ زمن بعيد.
أما أبناء الجنوب فلا ضرورة للمناقشة في موضوعهم، فهم “مرفوضون” وإن ظلت أرضهم “مطلوبة” لأهل النظام.
وبما أن سكان ضواحي بيروت جميعها من أبناء هذه المناطق وتطبق بحقهم القوانين المرعية الاجراء في مناطقهم،
فلا يتبقى غير الذوات من أبناء بيروت وبعض قرى ومراكز الاصطياف في جبل لبنان.
أما فقراء بيروت والجبل فهم عكاريون وبعلبكيون وجنوبيون، حتى لو كانوا من جورة الترمس في كسروان، أو من صليما في المتن الجنوبي، أو بريح أو السمقانية في الشوف.
فالتمييز طبقي وليس جهوياً،
وأمام وضوحه الطبقي تتراجع حتى الاعتبارات الطائفية لأن الفقراء أبناء طائفة واحدة، تماماً كما أن الأغنياء أبناء طائفة واحدة.
وليس لدى النظام ما يقدمه لهؤلاء الفقراء غير الهراوة والرشوة،
المهم أن يفرض عليهم، وباستمرار ، أن يعيشوا الانكسار والغربة وذل الحاجة، فإذا شبعوا تمردوا وغذا “لبننوا” أفسدوا خريطة لبنان الرسمية ومتعة اللبنانيين المحترمين من أهل النظام والمنتفعين به، وإذا استعادوا اعتبارهم أفقدوا الدولة هيبتها واعتبارها ومبرر وجودها بتركيبتها الحاضرة.
على أنه من الضروري الاعتراف بأن سياسة الدولة قد نجحت حتى الساعة، في إنقاذ هؤلاء المطلوبين جميعاً ليس فقط شعورهم بالانتماء إلى الوطن الذي يحبون بل وأيضاً شعورهم بوحدة قضيتهم.
فالعكاري ينظر إلى ما يجري في الهرمل، التي هي – جغرافياً – الوجه الآخر لمنطقته، وكأنه حدث خارجي لا يعنيه إطلاقاً ولا تأثير له على مجرى حياته وصراعه ضد الظلام الإقطاعي وظلم النظام،
والبعلبكي لا يهتز بالقدر الكافي لأحزان الجنوبي المصلوب مرتين،
ذلك إن الدولة قد أقامت جدارين عازلين الأول من فلوس الرشاويالتي تشتري بها ضمائر الوجهاء والمخبرين و”الزعران”، والثاني من الخوذ الفولاذية ومدافع السلطة الشديدة الباس فقط على الفقراء.
.. مع التذكير بأن الغالبية الساحقة من لابسي هذه الخوذ هم من أبناء المناطق المضطهدة ذاتها.
وكما الإمبراطوريات القديمة فإن لبنان “الغني” يؤدب العصاة في مستعمراته مجنداً في حملات التأديب أبناء هذه المستعمرات ذاتها!
… ويقولون لك أن لبنان صغير؟!
وكيف يكون صغيراً بلد يستعمر البلاد التالية أسماؤها: طرابلس، عكار، بعلبك، الهرمل، صيدا، صور، النبطية، برج حمود، الشياح، الغبيري، حي السلم و… قرية الصدر النموذجية!!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان